
كي يعيش الزوجان معاً حياة ترفرف عليها السعادة، ليس المطلوب من الرجل أن يكون زوجاً مثالياً، ومن الزوجة أن تكون تلك المرأة التي تشبه امرأة الأحلام في طباعها، فقد يعيش زوج وزوجة معاً عمراً طويلاً يعجزان عن عدّه في منتهى السعادة.. لأن الحب بينهما لا يزال يحيا، وكثيراً من مشكلاتهما وخلافاتهما كانت تنقضي بقليل من الاهتمام المتبادل.
هذا ما أكدته أحدث دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، حيث توصلت إلى أن الإهمال بين الزوجين يتسبب بـ53% من الخلافات الزوجية.. وقالت الدراسة إن «غياب الزوج عن المنزل شكوى متكرّرة من العديد من الزوجات، سواء كانت هذه الزوجة متزوجة منذ سنوات طويلة، أو أنها لا تزال زوجة حديثة. فأحياناً، تغلق كل منافذ التواصل بين الزوجين، سواء بالكلام، أو التفاعل، وتختفي لغة الحوار، ويسود الصمت الزوجي، وتبدأ الزوجة بالشكوى من هروب الزوج دائماً من البيت».
وتوصلت الدراسة إلى أن الكثير من الأزواج يهربون للابتعاد عن الأجواء المشحونة بالتوتر والضجيج داخل البيت، حيث يبحثون عن الهدوء والراحة، بعيداً عن ضغوط العمل، وضغوط الأسرة. ويقولون إن النكد أول أسباب الهروب، لذلك، فإن الزوجة الذكية هي التي تعرف كيف تجذب زوجها بعيداً عن أجواء النكد، والحزن، واليأس.
سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء العلاقات الزوجية والعلاج الزواجي: ما هي الأسباب التي تجعل الزوج يهرب من البيت؟ وهل الزوجة المسؤولة عن هذا الهروب؟ وهل هروب الزوج من المنزل يعني أنه لا سعادة ولا انسجام بين الزوجين؟ وهل يعتبر ذلك إشارة تحذيرية لقرب النهاية بينهما؟

كثرة الغياب.. مسؤولية مشتركة
في البداية، يؤكد الدكتور عبد المجيد عويس، خبير العلاقات الأسرية والزوجية في القاهرة، أن الإهمال في الزواج يكون بمثابة حكم بالموت السريري، والإعدام البطيء لكل مشاعر الحب والودّ في العلاقة الزوجية، ويقول: «مهما كانت المبررات التي قد يسوقها الزوج، فإنها لا تبرر أبداً، ألّا يتحاور مع زوجته، وألّا يستمع إلى أبنائه، حيث للأسف، بعض الأزواج يستسهلون الأمر عندما تواجههم المشكلات، ويلجأون إلى التعامل مع البيت كأنه مكان للنوم، وتغيير الملابس والطعام، فقط، وأحيانا ولا يقبلون النقاش في هذا الأمر، ويتعللون بالانشغال ومسؤوليات العمل».
ويضيف: «إن قلة الاهتمام بالطرف الآخر أهمّ علامة يجب التوقف عندها، فهي مؤشر خطر يلفت إلى حدوث انخفاض، مفاجئ أو تدريجي، في مستوى الحب، والمشاعر تجاه شريك الحياة. فعندما يبدأ الزوج بإهمال زوجته، أو العكس، ولا يمنحان بعضهما بعضاً الاهتمام المطلوب، فهذا أبرز دليل على عدم الارتياح في العلاقة الزوجية، وبداية الانسحاب منها».
ويشير الخبير الأسري إلى ضرورة أن ينتبه الأزواج إلى الحد الفاصل بين الزوج المدمن للعمل، والآخر المشغول بشكل مستمر، فهناك اختلاف كبير بينهما، إذ إن الأول لا يوجد لديه وقت فراغ، ويتخلّى عن علاقاته الاجتماعية وعن الراحة الجسدية لأنه لا ينشغل بغير العمل. وعندما يكون هذا الزوج مشغولاً باستمرار فذلك يكون نتيجة ضغوط في العمل تتطلب منه العمل لساعات، أو لمدة محدّدة حتى ينجزه.
كما يلفت إلى أن انشغال الزوج في العمل، واهتمامه به، لكي يثبت نجاحه فيه أمر طبيعي، من أجل توفير احتياجات أسرته، ولكن إذا تجاوز الأمر، وأصبح الزوج يقضي كامل وقته في العمل سيتحول هذا الانشغال إلى إدمان، وعندما يزيد الأمر على حدّه ينقلب إلى ضده. وعليه، فإن التوازن بين العمل ورعاية الأسرة أمر مطلوب، من دون إفراط أو تفريط، وعلى الزوج أن يبذل من وقته وجهده ما تحتاج إليه الزوجة والأبناء من اهتمام ورعاية، والعناية بهم.
لكن في الوقت نفسه، يطالب د. عبد المجيد الزوجة بعدم الاستسلام للغياب، لأن الأمر قد يتحوّل لدى الزوجة إلى إحساس بالراحة من هذا الغياب، كأن تشعر بالارتياح من غياب زوجها عن البيت بسبب العمل، أو السفر، أو أنه أصبح يقضي أغلب يومه خارج البيت، وهذا الأمر ليس طبيعياً ويجب التعامل معه بجرس إنذار.. والشيء نفسه ينطبق على الزوج الذي يرتاح لغياب زوجته عن البيت، وذهابها إلى بيت أسرتها، أو لخروجها مع الصديقات.

الأسباب الحقيقية لهروب الزوج بعيداً عن الحجج والأعذار
وتتفق معه الدكتورة شيرين درديري، استشارية العلاقات الزوجية والنفسية وخبيرة تعديل السلوك، في أن هناك بعض الأزواج من تطغى واجباتهم على مسؤولياتهم الأساسية، والقليل فقط من وقتهم يكون من نصيب الزوجة والأبناء، فتحسّ الزوجة بأنها تسير في الحياة بلا سند، حتى يصبح غياب الأب من حياتهم أمراً اعتادوه، ومسلّماً به، وتسير حياتهم من دونه، بل إنه إذا ظهر، مثلاً، في يوم إجازة، وبدأ ممارسة سلطاته التي لم يعتادوها ترتبك حياتهم، ويحسّون بغربته عنهم، وهنا تظهر المشاعر السلبية تجاه الأب، والتي لم يكن مُعبّراً عنها.
وتقول: «بعض هؤلاء الأزواج لا يدرك مسؤولياته تجاه الزوجة والأبناء، وتسرقه زحمة العمل ومتطلبات الحياة، وتدبير احتياجات البيت، والبعض الآخر يدرك جيداً المطلوب منه، ولكنه يتهرب من المسؤولية، ويرضى دائماً بدور ضيافة الشرف الذي يلعبه في حياة الأسرة».
وحول أهم الأسباب التي تدفع الأزواج إلى الهروب من المنزل، وتقديم الحجج والأعذار للغياب المتواصل والمتكرّر، ترى الدكتورة شيرين درديري أنها تتلخّص في نقاط عدّة، أهمها:
1. الزوج، في الأغلب، لا يستطيع أن يعيش مع شخصية متقلبة المزاج، وعندما تكون أوقات الخصام بينهما، أحياناً، أكثر بكثير من أوقات الصلح، فهو للأسف لا يثق دائماً بردّ فعل زوجته، ويتوقع منها أن تنقلب عليه في أيّ وقت، فلا يطمئن لحياتها معه، ويشعر بالجفاء مع مرور الوقت، ويرتاح، أحياناً، لبعدها عنه، ويتعوّد الأمر.
2. بعض الرجال أيضاً اعتادوا أن يروا في الزوجة أنها تتعوّد «النكد» مع زوجها يومياً، بل ويرون أن النكد لدى مثل هذه المرأة كالماء والهواء، ويتهمونها بأنها اعتادت الشجار والعراك يومياً، حتى على أتفه الأسباب.
3. المرأة أحرص من الرجل، دائماً، على الحياة الزوجية واستمرارها، فهي تبحث دائماً عن الحلول من أجل حياة سعيدة ومستقرة، لأنها بطبيعتها لا تحب الصراع، وتشعر بالندم إذا ارتكبت خطأ، أما الرجل بطبيعة شخصيته لا يحب البقاء في المنزل لفترات طويلة، ولا ينغمس كثيرا في أمور المنزل.
4. الرجل يأوي إلى البيت للاستراحة من إرهاق العمل، والضوضاء، والصياح، معنى هذا أن الزوجة يجب أن تحافظ على الهدوء في البيت، قدر الإمكان، ولا تثير الضجيج والصياح، وأن تتكلم بهدوء ووقار، وإن كان لديها أمر يستلزم رفع صوتها فمن الأفضل أن تقترب منه حتى تتكلم بصوت منخفض، قدر الإمكان، ولكن أحياناً يجد الزوج في البيت مكاناً للضغط النفسي طوال الوقت، ويتحول الأمر إلى ساحة حرب، ومعركة دامية لا تنتهى.
5. إهمال التراكمات والمشكلات التي تجعل كلا الطرفين ينفر من الآخر، وقد يشعر الزوج بأنه يحتاج إلى البقاء بعيداً، لأنه لا يجد مكاناً له في البيت.
وترى الدكتورة أنه يجب أن تسأل الزوجة نفسها عن أسباب غياب الزوج عن المنزل، وانشغاله بعمله، فهل هو نوع من الهروب من المنزل، أم طريقة للتخلص من مسؤولياته، أم نتيجة التوتر وضغوط في علاقاتهما، أم أنه مضطر إلى ذلك؟ وحين تتوصل الزوجة إلى السبب يجب أن تبدأ بالتعامل مع الأمر بهدوء، وبحكمة، لأن التواصل الجيد مفتاح لأيّ علاقة، وأن تعبّر عن ذلك بأسلوب جميل، مع تجنب الانفعال، لأنه سينهي النقاش من دون فائدة.

بخطوات بسيطة تجعلين زوجك يلازم المنزل
من جانبها، تقدم الدكتورة نانسي ماهر، خبيرة العلاقات الإنسانية والعلاج الزواجي بالقاهرة، نصائح وحلولاً عدّة، للأزواج والزوجات، لإعادة الدفء والحميمية مرة أخرى إلى المنزل، وحل مشكلة هروب الأزواج بعيداً عن المنزل، و شكاوى الزوجات من الإهمال وقلة التقدير...
وذلك خلال خطوات عدّة، أهمها:
- حسن الاستماع لبعضهما بعضاً بعضاً، بخاصة في أوقات العراك والمشكلات، ومحاولة السيطرة على أعصابهما، وتقبّل كل طرف لعتاب الطرف الآخر بصدر رحب، فالمرأة تحب دائماً من يستمع لها، بخاصة زوجها، وكذلك الزوج في الأغلب يرفض التعامل مع زوجته إذا وجد منها الصوت العالي، ورفض النقاش الهادئ.. فالعند والمكابرة يصلان بالطرفين، غالباً، إلى طريق مسدود.
- إلزام الشباب بتلقي الدورات التدريبية التي تؤهلهم لبدء الحياة الزوجية، وتمكنهم من تكوين أسر ناجحة، وتوعيتهم بمعايير الاختيار الأمثل لشريك الحياة، مع مراعاة التكافؤ والتفاهم، بعد الخلق والدين، وأن يكون هذا الاختيار قائماً على العقل متى حدث القبول، فكما يقال إن مرآة الحب عمياء، ولكن في الواقع هي ليست عمياء، إنما نحن من نتعامى عن الأخطاء والعيوب في كثير من الأحيان، ثم بعد الزواج نكتشف أننا لا نستطيع التأقلم مع تلك العيوب.
- دائماً ما أطالب الأزواج، والزوجات، باستعادة لحظات السعادة التي جمعت الطرفين، والتركيز على كل ما هو إيجابي في العلاقة، وفي الطرف الآخر، والتركيز على التصرفات الصحيحة التي تصدر عنه.
- لا يجب أبداً، التركيز على الأخطاء والسلبيات التي تؤدي في النهاية إلى طيّ الصفحة الحالية، و تدفع بعض الأزواج إلى البحث عن تجربة جديدة.
- ينبغي أن يبحث كل زوجين عن الكلمات الرقيقة مثل (حبيبي، لو سمحت، من فضلك، واشتقت إليك، أنا آسف...).
- كما أنه عند حدوث المشكلات وبداية النكد، يجب أن يتحايل كل من الزوجين على الآخر، للتوصل إلى حل سريع للخلاف ليصلا إلى علاقة أجمل.
- الحرص أيضاً على نظافة المنزل، وأن يكون مهيأ لاستقبال الزوج بعد يوم عمل طويل، كي يصبح مكاناً يحب التواجد فيه، أما الزوج فيجب عليه مشاركة أسرته، وتخصيص وقت لهم لممارسة أنشطة جماعية، والحرص أيضاً على تدريب نفسه على عدم متابعة أيّ أمر خاص بالعمل في المنزل، بخاصة في أيام الإجازات، فهو وقت مخصص للأسرة فقط.
- إذا فعل الزوجان كل ما سبق، واستمر لدى أحدهما، أو كليهما، شعور بغيض، فهذا الأمر يتطلب إجازة زوجية، لأنه يجب أن ينظر إلى الزواج على أنه كائن حي يولد، وينمو، ويشيخ، وقد تكون الإجازة الزوجية إحدى وسائل الحفاظ على هذا الكائن الحي، وهي لا تعني، بالضرورة، السفر لفترات طويلة، أو الابتعاد عن الطرف الآخر في بلد غير الذي يقيم فيه . ومن الممكن أن تكون بقضاء كل طرف يوماً مع أصدقائه، أو بعض أقاربه، في مكان محبب لديه، فتلك الأوقات قد تكون بمثابة تجربة انفصال مؤقت، بخاصة في حالة الخلافات في وجهات النظر، حيث تعاد خلالها الحسابات، ويتمكن كل طرف من إعادة النظر في طبيعة علاقته بالطرف الآخر.
اقرأ أيضاً: 7 علامات تنذر بقرب انفصال الزوجين