19 يونيو 2025

لماذا يفضل «جيل زد» استئجار السيارات بدلاً من تملّكها؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

لطالما اعتُبر امتلاك سيارة، في منطقة عُرِفَت بشغفها بالسيارات الفاخرة وشبكات طرقها الواسعة، رمزاً للمكانة الاجتماعية ومرحلة انتقالية فارقة في حياة الكثيرين. لكن اليوم، تبدو رياح التغيير واضحة. فالشباب في الإمارات، وخصوصاً «جيل زد»، يعيدون صياغة مفهوم التنقّل، الذي لم يعد فيه امتلاك السيارة جزءاً جوهرياً منه. هؤلاء المستهلكون، الذين تتراوح أعمارهم عادةً بين 18 و27 عاماً، أصبحوا يفضلون الوصول إلى الخدمات على امتلاك الأصول، والمرونة على الالتزامات الطويلة الأمد.

مجلة كل الأسرة

فقد شهدت دولة الإمارات في السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في سلوك المستهلك، لا سيما بين أفراد «جيل زد». حيث كشف استطلاع حديث أجرته «يوجوف» أن 21% من سكان الإمارات الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً يفضلون استئجار السيارات بدلاً من شرائها، وكان عامل الكفاءة من حيث التكلفة والراحة هو المحرك الرئيسي وراء هذا التوجّه. فهذه الفئة، المتمكنة تكنولوجياً والتي تضع التجارب الحياتية في مقدمة أولوياتها، تتحدى المفاهيم التقليدية للملكية، مفضّلةً النماذج القائمة على الوصول في مجالات متنوعة تمتد من الترفيه إلى التنقّل. ويتجلى هذا التوجه بوضوح في قطاع السيارات، حيث يفضّل عدد متزايد من الشباب خيارات التأجير، على شراء المركبات.

آراء الشباب في فكرة استئجار السيارات

وخلال استطلاع أجريناه مع شباب يفضلون استئجار السيارات، أوضحوا أن هذا التحوّل ليس مجرّد توجه عابر، بل يعكس واقعاً اقتصادياً أعمق، وتفضيلات حياتية، واعتبارات بيئية آخذة في إعادة تشكيل مستقبل وسائل النقل.

مجلة كل الأسرة

التجربة دون التزام طويل

تخطط حلا يازجي لاستئجار سيارة لفترة من الوقت قبل اتخاذ قرار الشراء، فهي ترى أن تجربة القيادة اليومية هي الطريقة المثلى لتحديد ما إذا كانت السيارة مناسبة فعلاً لأسلوب حياتها واحتياجاتها. بالنسبة لها، الإعلانات والمواصفات لا تكفي لاتخاذ قرار كبير مثل شراء سيارة، لذلك تفضل أن تعيش التجربة بنفسها، بحيث تلاحظ استهلاك الوقود، وراحة القيادة، وسهولة الركن، وحتى تفاعل السيارة مع الطرق المختلفة. وتضيف حلا: «الاستئجار يمنحني فرصة التجربة دون التزام طويل، وإذا شعرت بأنها فعلاً السيارة المناسبة لي فوقتها فقط سأفكر في شرائها بثقة».

مجلة كل الأسرة

تجنب التكاليف الدورية

يرى أسامة الأنصاري، موظف في مجال الاتصال، أن استئجار السيارات خيار عملي ومريح، وبالنسبة له لا حاجة لامتلاك سيارة طوال الوقت، بل يفضل استئجارها عند الحاجة فقط، ما يجنبه قسط السيارة الشهري، وتكاليفها المستمرة مثل الصيانة والتأمين والتجديد السنوي. كما يستمتع بحرية اختيار نوع السيارة حسب الغرض، سواء كانت صغيرة للتنقل اليومي أو رباعية الدفع للرحلات. لكنه يعترف بأن من سلبيات هذا الخيار صعوبة توفر سيارة مناسبة أحياناً، إضافةً إلى الرسوم التي قد تفرضها بعض الشركات عند التأخير.

الاستئجار حسب الحاجة

أما محمد المازمي، رجل أعمال ناشئ، فيرى في الاستئجار وسيلة ذكية تناسب وضعه المالي غير المستقر. فبدلاً من الالتزام بأقساط شهرية أو دفع مبالغ كبيرة لشراء سيارة، يكتفي باستئجارها عند الحاجة، خصوصاً في لقاءات العمل أو التنقلات الخاصة. حيث تعجبه المرونة في تغيير نوع السيارة بحسب المناسبة، ففي بعض الأحيان يتطلب الأمر سيارة فارهة، وفي أحيان أخرى يمكن أن يكتفي بسيارة عملية وبسيطة.

التنوع في قيادة السيارات المستأجرة

أما فهد عبدالله، الذي يعمل في مجال يتطلب منه السفر المتكرر بين الدول، فيجد في استئجار السيارات حلاً مثالياً لطبيعة حياته المتنقلة. فهو لا يستقر في بلد واحد لفترة طويلة، وبالتالي لا يرى فائدة في امتلاك سيارة. يفضل استئجار سيارة فور وصوله لأي مدينة ليتمكن من التنقل بحرية، كما يستفيد من التأمينات الشاملة وخدمات الدعم الدولي التي تقدمها شركات التأجير الكبرى، ويقول «اكتسبت خبرة الاستئجار من تنقلي في دول مختلفة، ووجدت في هذه الحالة شغفاً متكرراً في كل مرة أخوض فيها تجربة سيارة مختلفة عن الأخرى».

مجلة كل الأسرة

الراحة والمرونة في استئجار سيارة

من جهته يذكر راهول سينغ، المدير العام لـ«ثريفتي ودولار» لتأجير السيارات، عدداً من أسباب تحوّل الشباب نحو استئجار السيارات بدلاً من امتلاكها، مؤكداً «على عكس الأجيال السابقة، نشأ «جيل زد» في عالم رقمي أصبحت فيه الخدمات الفورية والمتاحة عند الطلب هي القاعدة، فلم يعد شباب اليوم يميلون إلى الالتزامات الطويلة الأجل المرتبطة بملكية السيارة، مثل قروض السيارات الباهظة، وتكاليف التأمين والصيانة الدورية، إنهم يبحثون عن خيارات تنسجم مع نمط حياتهم الديناميكي، الذي يتطلب التنقل بسلاسة بين متطلبات العمل والترفيه والسفر. فقد شهدنا خلال العام الماضي وحده زيادة ملحوظة في إقبال العملاء الشباب على خيارات التأجير القصير الأجل وحلول الاستئجار المرنة، وهو توجه يكتسب زخماً متزايداً».

تكلفة الامتلاك مقابل تكلفة الوصول

ويضيف راهول سينغ «غالباً ما تمثل ملكية السيارة عبئاً مالياً كبيراً، إذ تتراكم أقساط القروض الشهرية، وأقساط التأمين المرتفعة، وتكاليف الصيانة الدورية، ورسوم التسجيل. في المقابل، يوفر التأجير خياراً أكثر مرونة، غالباً ما يشمل التأمين والصيانة ضمن الباقة، ما يجعل هذا الخيار جذاباً بشكل خاص للشباب الذين يقدّرون الراحة والمرونة المالية.

وفي ظل ارتفاع تكلفة امتلاك سيارة تقليدية وتطور أنماط الحياة الحضرية، بات التأجير خياراً أكثر جاذبية. فبالنسبة لكثير من أبناء الجيل الشاب، لم يعد التنقل يعني امتلاك السيارة، بل القدرة على الوصول إليها عند الحاجة، دون الالتزام الطويل الأمد أو العبء المالي الكبير».

الاستدامة وخيارات أكثر وعياً

عامل آخر يؤثر في قرارات «الجيل زد» هو تنامي الوعي بالاستدامة والأثر البيئي. وبينما تسعى شركات تأجير السيارات إلى توسيع أساطيلها الصديقة للبيئة، يُقدّر العملاء الشباب عدم اضطرارهم للالتزام بسيارة واحدة، لا سيما مع دخول السيارات الكهربائية والهجينة إلى السوق.

وتماشياً مع استراتيجية دولة الإمارات «الحياد الصفري 2050» والطلب المتزايد من المستهلكين على وسائل تنقل أكثر صداقة للبيئة، تعمل شركات التأجير على توسيع أساطيلها المستدامة.

مجلة كل الأسرة

دور التكنولوجيا في تشجيع استئجار سيارة

يتوقع المستأجرون اليوم تجارب سلسة مدعومة بالتكنولوجيا، بدءاً من تطبيقات الحجز عبر الهاتف المحمول، وصولاً إلى السيارات المزوّدة بأحدث تقنيات القيادة. وتمتلك شركات التأجير فرصة استثنائية لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة لتقديم تجارب تأجير سلسة وسريعة وسهلة الوصول، بما يتماشى مع تطلعات العملاء للسرعة والراحة. إذ يمكن للشركات أن تعزز رضا العملاء وتفاعلهم من خلال تبسيط عملية التأجير عبر المعاملات اللاتلامسية، والتطبيقات السهلة الاستخدام، وتوفير معلومات آنية عن توفر السيارات.

تحوّل ثقافي وليس مجرد موجة عابرة

ويختتم راهول حديثه قائلاً: «قد ينظر البعض إلى هذا التغيير باعتباره مجرد ظاهرة مؤقتة، لكن كافة المؤشرات تؤكد أنه يمثل تحولاً ثقافياً عميق الجذور وطويل الأمد في نظرة الشباب إلى مفهوم ملكية السيارة. ومع تطور البيئات الحضرية لتصبح أكثر ذكاءً وترابطاً، من المتوقع أن تواصل نماذج «خدمات التنقل» نموها المطرد، ما يوفر لـ«جيل زد» خيارات أوسع للتنقل دون الحاجة إلى امتلاك سيارة. وبالنظر إلى المستقبل، يُنتظر أن تُحدث تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والتحليلات التنبئية، والسيارات الذاتية القيادة، تحولاً جذرياً أكبر في هذا المشهد. تخيّل نظاماً متكاملاً يعتمد على التطبيقات الذكية، لا يتيح لمستهلكي «جيل زد» استئجار سيارة فحسب، بل يضمن توصيلها ذاتياً إلى عتبات منازلهم، وفق جدولة تنبئية تستند إلى تقاويمهم وأنماط سلوكهم».

وختاماً، لم يعد السؤال مطروحاً حول ما إذا كان «جيل زد» سيعتمد مفهوم الوصول على حساب الملكية، فالواقع يؤكد أنه قد فعل ذلك بالفعل. إنما السؤال الجوهري الآن هو: كيف يمكن للقطاع أن يسابق الزمن ويتكيف بفاعلية لمواكبة هذا التحوّل المتسارع؟