أصيب أحد العاملين في مجال الإعلام من مواليد الثمانينيات بصدمة، عندما استوفى كافة الشروط المطلوبة لوظيفة في موقع إخباري رقمي، وتم رفضه لأنهم لا يقبلون بتعيين إلا الفئة العمرية التي أطلق عليها اسم «جيل Z»، المعروف أيضاً باسم «جيل الألفية الأصغر»، وهو الجيل الأول الذي نشأ في عصر الإنترنت، والهواتف الذكية واعتمد على الـ«سوشيال ميديا» للتعبير عن نفسه، والتعامل معها كمصدر موثوق لمعلوماته.
يصف أصحاب الأعمال «gen Z» أنهم الأكثر اتصالاً بالعالم الرقمي مقارنة بالأجيال الأكبر منهم في العمر، وأن الأفضلية في التوظيف تكون للجيل الذي نشأ في عالم التكنولوجيا الرقمية، وأن الإنترنت والهواتف الذكية جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية، ولديهم الاستعداد والمرونة للتغيير..
وقد انقسمت الآراء حول هذا الأمر على الرغم من مصداقيته، فهذا الجيل يستحوذ على أغلب الوظائف التي تحتاج لتوظيف الـ«سوشيال ميديا» في خدمتها، أو وظائف البرمجة والتطبيقات، والعديد من الوظائف الأخرى التي تحتاج إلى السرعة والابتكار، ولكن من جهة أخرى يرى الجيل الأكبر أن «gen Z » لا يرى العالم إلا من شاشة الهاتف الصغيرة، ويفتقر للعديد من المهارات العملية الأخرى.
القدرة على الاستغناء عن الوظيفة
وفي حوارنا مع شباب من جيل الألفية، أكدوا أنهم يتمتعون بثقة في الذات، ولديهم قدرة على فهم السوق وتغيراته أكثر من الجيل الأكبر منهم، حيث يقول الإعلامي إياد شعشاع: "ما يميز جيلنا هو القدرة على صناعة المحتوى في العالم الرقمي الذي نعيش فيه، والصناعة تعني القدرة على الاستغناء عن الوظيفة..
فلدينا القدرة على القيام بأعمالنا الخاصة، أو تطوير أفكار مبتكرة إذا لم نشعر بالراحة والانسجام في بيئة العمل، لذلك تحرص المؤسسات التي تسعى لتوظيفنا لتوفير بيئة مستدامة، إبداعية، خالية من القيود، خصوصاً أن غالبية هذا الجيل لدية وعي بالقضايا الاجتماعية والبيئية والتغير المناخي..
وذلك لثقتهم أننا قادرون على الأفضل دائماً، ولكن ما لا نستطيع عمله ويتفوق فيه الجيل الأكبر هو التنظيم والإدارة والقدرة على اتخاذ القرار والعديد من الأعمال الإدارية التي تحتاج إلى الخبرة والتروي لتنفيذها".
مواكبة التطورات
ورداً على رأي جيل الإنترنت، قال إيهاب سالم، صانع محتوى تقني، وهو صاحب الموقف الذي عرضناه في مقدمة هذا الموضوع: «لقد تم استبعادي عن إحدى الوظائف في منصة رقمية لتتولى فتاة صغيرة العمل الذي كنت سأقوم به ولكن بطريقة تجمع بين الخبرات الحياتية والتطور الذي حققته لأواكب التطورات التقنية السريعة..
وعلى الرغم من تفهمني لقدرة جيل Z على إنجاز العديد من الأمور بسرعة أكبر، لكنهم ليس لديهم القدرة على تحقيق ما حققناه من تطوير الذات، لأننا نشأنا في عصر الأسلاك وواكبنا عصر الإنترنت وتفوقنا عليهم في بعض المجلات، والسبب أنهم اعتادوا البساطة والسهولة، وقدرتهم على العمل خارج الشاشات تكاد أن تكون معدومة».
الموازنة بين الحياة والعمل
أما سارة الهنيدي، التي تعمل في منصة إعلامية رقمية، فقد علقت على اتهام جيلهم بأنهم منعزلون عن العالم الواقعي، ومنحصرون في شاشة الهاتف الصغيرة، وقالت: «بالفعل نقضي أغلب الوقت أمام الهاتف بسبب العمل والتواصل..
ولكننا بدأنا ننتبه لخطورة الأمر، ونعزز فكرة الموازنة بين الحياة والعمل، ونحرص على أخذ فترات نقضيها في الطبيعة والاسترخاء والتأمل، وممارسة أمور أخرى كي نبتعد عن العالم الرقمي ولو قليلاً».
وأضافت سارة: إنهم لا يمكنهم الاستغناء عن خبرة الجيل الأكبر، ودورهم في توجيههم وإرشادهم في العمل، ولكنها ترى أنهم في بعض الأحيان يعرقلون العديد من الأمور بحجة إثبات أنهم على حق، أو لإثبات وجودهم في هذا العمل.
«gen Z» قوة دافعة للتغيير في الاقتصاد
كما أكد رزق طرفة أن السوق بحاجة لـ«gen z» في أغلب الوظائف والأقسام، لأن الشركات بحاجة لتوظيف هذا الجيل الذي يمثل أيضاً قوة شرائية عالية، وأوضح «نحن جيل الألفية أصبح لدينا نضج ووعي في التعامل مع السوق..
ولدينا قوة دافعة للتغيير في الاقتصاد، خصوصاً أن اهتماماتنا وأساليب تعلمنا الفريدة تشكل تحدياتٍ وفرصاً للشركات والمؤسسات ،من خلال فهم خصائص هذا الجيل، يمكن للمؤسسات الاستفادة من قدراتهم لبناء مستقبل أعمالهم؛ لذلك تحتاج الشركات لجيلنا لتنتج بشكل كبير، فعلى سبيل المثال تعمل شركتي في مجال التسويق الإعلامي..
وكل موظفي الشركة من جيل Z، على الرغم من أنهم يسوقون لأعمال كبيرة، وهذا يدل على مرونتهم في عملية التسويق الرقمي، لكن من وجهة نظري يجب على الشركات أن تجمع بين الجيلين وتدمج بين خبراتهم ومهاراتهم للارتقاء بمستوى المؤسسة».
توظيف أفراد يمارسون ألعاب الفيديو
ومن جهة أخرى، اكتشفت بعض الشركات المهارات التي يتمتع بها محترفو ألعاب الفيديو، وأن لديهم مهارات مكتسبة من الألعاب التي يداومون على ممارستها، فقد قامت YouTube بتكليف شركة Censuswide لإجراء استطلاع رأي في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لفهم الآراء المختلفة حول المهارات التي يكتسبها جيل ما بعد الألفية من ممارسة ألعاب الفيديو..
وأظهرت الدراسة أن 87% من خبراء التوظيف الذين شاركوا في الاستطلاع من السعودية و80% من الإمارات يفضلون أكثر توظيف أفراد يمارسون ألعاب الفيديو ويمكنهم التحدث عن المهارات التي يتعلمونها من خلال هذه الألعاب..
وعلى الرغم من أن 63% من اللاعبين المشاركين في الاستطلاع من كلا الدولتين أوضحوا أهمية ألعاب الفيديو في تزويدهم بالثقة اللازمة لمقاربة التحديات في العالم المهني، إلا أنّ 38% منهم فقط قد ذكر هذه الهواية في السيرة الوظيفية.
العمل تحت الضغط والتكيف
وكشفت الدراسة أن اللاعبين الشغوفين من المحتمل أن يكون لديهم مجموعة معينة من المهارات، وأنهم أكثر قابلية للتكيّف في مكان العمل، لأنهم معتادون على العمل تحت الضغط وتحديد أولويات المهام، والتمكن من التكيف مع الظروف المتغيرة، وإذا مارسوا الكثير من الألعاب الجماعية على الإنترنت، سيكون أداؤهم جيداً في العمل وطريقة تواصلهم مع الآخرين من الزملاء.
هذا ما أكده «الجيمر» سلطان خليفة، مضيفاً: إن ممارسة ألعاب الفيديو أوجدت سوق عمل يتعلق بهذا المجال، وأن جيلهم محظوظ لقدرته على تطوير هوايته لتصبح مصدر رزق له وللعديد من الشباب الشغوفين بهذا العالم.
انتظار المجهول
وختاماً لن يستمر صراع البقاء وإثبات الأفضلية بين جيل Z وجيل الثمانينيات والتسعينيات طويلاً، فقد أكد الطرفان أن المجهول في الطريق إلى العالم، وعليهم تطوير أنفسهم لاستيعاب ما سيحدثه الذكاء الاصطناعي والميتا فيرس في سوق العمل، وأن الجيل الأصغر سيكون الأكثر تأقلماً مع هذا التطور الجديد.