ليست رحلة عادية تلك التي تنقلك في «جناح التنقل» في «إكسبو دبي» من مرحلة إلى أخرى، حيث يتجاوز التنقل مفهوم الحركة بمعناها المادي إلى التحليق بالأفكار، وحيث مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تدشّن مسارات هذا الجناح «إن تطور الإنسان لا يقف على حدة السيف، وإنما على قوة الأفكار وقدرتها على الانتقال من إنسان لآخر عبر الدول والقارات والمحيطات والصحارى».
هي رحلة عبر الزمان والمكان والتاريخ معاً يحملها جناح «التنقل»، تبدأ بساروق الحديد والخيول العربية واستشراف «مدينة المستقبل» بحركة تنقلات تقوم على الذكاء الاصطناعي ولا تنتهي مع «شمسة» التي تجسد المرأة الإماراتية بماضيها وحاضرها ومستقبل الدولة وزهوها. رحلة في التاريخ، بالجناح الذي يستعرض تطور فكرة التنقل الإنساني وآلات الانتقال وتنوعها، وجوهر فكرة التنقل بحد ذاتها، بين المِلاحة والسفر براً والطيران، بما تحمله من مفاهيم التواصل الإنساني وترابط الحضارات وتواصلها، وهو جوهر فكرة إكسبو ككل.
الرحالة والمستكشفين العرب
تستكمل رحلة استكشاف الآفاق في الجناح بعلماء ومستكشفين عرب ومسلمين قاموا بريادة اكتشافات الملاحة والسفر والاختراعات المتعلقة بالتنقل مثل أحمد بن ماجد والرحّالة الشهير ابن بطوطة، حيث نصبَ لهما تمثالين عملاقين يبرزان قامتيهما العاليتين في ريادة ما قدماه للإنسانية.
يتوقف التاريخ ملياً عند «بيت الحكمة» بمبناه الأزرق وتقترب لتسمع صوت بغداد ليلاً وظلال البيوت وشوارع المدينة ودروبها: فبدء مسارات فكرة التنقل والاكتشافات الأولى في هذا الحقل بزيارة مدينة بغداد في القرن التاسع الميلادي، عاصمة الحواضر العربية المزدهرة بعلمائها وابتكاراتهم، وبينهم «أبو يوسف الكندي» واحد من الفلاسفة العلماء العرب الذي اشتهر في علوم الفلك (الأبراج الستة واستخدام الشمس والنجوم والقمر) والرياضيات والفيزياء والبصريات وتشفير البيانات.
عاش وتربى في بغداد وأسس بيت الحكمة، وهي المكتبة التي كان يجتمع فيها مع العلماء الآخرين من أنحاء العالم ومن جميع الدول لتبادل العلم والمعرفة، واللافت أن بناء المدينة كان على شكل دائري لتعزيز سهولة الوصول إلى المدينة أو المكتبة، وتبين المكتبة أن ثمة حركة تنقل حتى في القرن التاسع كون كل الأوراق التي كان يستخدمها الكندي ليدون عليها المعلومات كان يتم تصنيعها في الصين.
رحلة مستمرة تنتقل عبر لوحة ضخمة تواكب تطور حركة التنقل من الدواب والحيوانات وتطور حركة بناء البنية التحتية للتنقل إلى مدن أخرى والى البحار: شخصيات الرحالة العرب حاضرة، أبو عبيدة البكري، عالم عربي من الأندلس كان يسافر بخياله ويدوّن ما يردده الرحالة ويستمع إلى رواياتهم ويجمعها ويوثقها في موسوعة حملت اسم «كتاب المسالك والممالك».
ابن بطوطة "أسد البحار"
وهنا أبرز الرحالة على مر الزمن، أبو عبدالله محمد ابن بطوطة، بمجسمه الضخم في الجناح، ولد في طنجة وكانت رحلته عبارة عن 16 أسبوعاً بناء على أمر الحاكم براً وبحراً ليندهش مما عايشه خلال أسفاره ولتمتد مسار رحلاته إلى 30 عاماً، أدى خلالها مهام دبلوماسية وسياسية في الهند والصين ورسم كتابه «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» صورة جغرافية وسياسية للعالم في ذاك الزمان.
أحمد بن ماجد ملاّح وشاعر لقب بـ«أسد البحار»، ولد في جلفار (الاسم القديمة لإمارة رأس الخيمة) واشتهر بمعرفته العميقة في علوم الملاحة وفنونها (مواضع النجوم، التيارات البحرية، حركة الرياح وغيرها) وكان يشارك مغامرات رحلاته عن طريق الكتب وينشرها ليستفيد الناس منها.
الغوص على اللؤلؤ وتحديات الزمن الغابر
التراث الإماراتي حاضر، تجارة الغوص على اللؤلؤ وحركة التنقل خلالها والتحديات أمام الغواصين. يسرد الغواص أحمد صعوبة الحياة؛ حيث كان الغواص يغيب لفترات طويلة عن أسرته في خضم البحار «أنا أحمد غواص، أصيد اللؤلؤ مهنة الآباء والأجداد. كان عمري 9 سنوات عندما بقينا في البحر 4 أشهر. الناس كانت تودعنا. كنت أشعر بالفرحة والخوف في الوقت نفسه. صيد اللؤلؤ يجري في دمنا».
عيش اللحظة مع مسبار الأمل
صورة دبي آنذاك والبيوت على الساحل لتعزيز سهولة التنقل وصولاً إلى مجسم رائد الفضاء وما وصلت له الدولة من تقدم هائل في مجال الفضاء «مجسم رائد الفضاء الذي تجربه كفيل بأن يعيّشك اللحظة - عيش اللحظة مع مسبار الأمل الذي أطلق في 2020 لاستكشاف المريخ - الكوكب الأحمر الذي لا تنحصر فيه الألوان بلون واحد وفق صور للمريخ».
دور الإمارات الرئيسي والمحوري في فكرة التنقل والربط بين الأمم والحضارات وتسليط الضوء على موقعها الداعم للتواصل اللوجيستي بين مناطق التجارة والإنتاج والسفر، حاضر بقوة في الجناح، حيث يسلط الضوء على مجالات الطيران والخدمات اللوجستية والمدن الذكية، والتوسع في علوم الفضاء، خاصة إلقاء الضوء على مشروع الإمارات الرائد «مسبار الأمل»، والتعرف إلى أحد الاختراعات والأجهزة الحديثة في مجال التنقل، والابتكارات العصرية، بصورة ترسم مشهداً يعكس جوهر فكرة الجناح: التواصل بين الناس وسهولة انتقالهم لالتقائهم.
التعرف إلى «مدينة المستقبل»
يتحرك الجناح بنا باتجاه المستقبل في رحلة استشرافيةٍ يستلهم فيها فكرة «مدينة مستقبلية» نتجول فيها على متن مركبة ذاتية القيادة، لنستكشف هناك كيفية تغير حياة البشر باستخدام تطور فكرة التنقل وارتقائها.
جناح التنقل بمدينة إكسبو، رحلة فريدة في مزجها السفر في الزمان والمكان معاً، حيث تنتقل الحركة من التاريخ إلى المستقبل على متن ابتكارات لا يتوقف تطورها عن إبهار الإنسانية وتحديث تاريخها.
* تصوير: السيد رمضان