
العلاقات الزوجية الصحيحة لا تخلو أبداً من الخلافات، وتكون في أغلب الأوقات في اتجاهين متبادلين هما: العطاء والأخذ. وحتى إن كان الزواج في حالة «وفاة إكلينيكية»، أو كان هذا الزواج مستمراً بلا حياة، ويتحوّل مع مرور الأيام إلى علاقة أشبه بفخّ عالق فيه الطرفان، فلا يزال هناك أمل!!
لأن هذا الطرف الآخر الذي ترى أن حياتك معه أصبحت شبه مستحيلة، كان اختيارك السعيد يوماً ما، ولكن تراكمت عليه أتربة الزمان والإهمال، حتى وصلتما معاً، إلى هذه الحال. فكل علاقة تحتاج إلى رعاية وتروية لتزهر، وتعطي ثمارها، فقط يحتاج الطرفان إلى أن يتعلّما العطاء الحقيقي والمناسب للشريك، وأن يُتقنا لغته في الحب والعطاء، ليستمر الحوار.
ولأن العلاقات الأقوى هي التي تبدأ من جديد، سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء الطب النفسي والمتخصصين في العلاقات الزوجية: ما هي أهم الخطوات التي تساعدنا على إنقاذ الزواج وإنعاش العواطف بين الطرفين؟ وهل يمكن إصلاح ما ينكسر بين الزوجين قبل اللجوء إلى الطلاق؟ وهل وجود الأطفال يستحق منا بذل المزيد من الجهود لإيجاد الحلول؟

في الزواج... ما ينكسر يمكن إصلاحه
بداية، يؤكد الدكتور علاء رجب، استشاري العلاقات الأسرية والزوجية والخبير النفسي بالقاهرة، أنه في أيّ علاقة يكون ما ينكسر لا يمكن إصلاحه إلا في الزواج، فالتراكمات والمشاكل تخف مع جهود المحاولة والاهتمام، والاستمرار بالاهتمام، وبالطبع عندما تنهار العلاقة الزوجية يكون من السهل الانفصال، ولكن إعادة البناء تتطلب شجاعة حقيقية. ولكي يستمر الطرفان لا يحتاجان إلى التظاهر بأن شيئاً لم يحدث، ولكنهما يحتاجان إلى الاعتراف بالأخطاء، واتخاذ قرار حقيقي بإعادة البناء، بخاصة أن العلاقة الزوجية تفقد شرارتها عندما تتلاشى الثقة، أو عندما يتوقف التواصل، لكن إذا كان هناك شخصان على استعداد للقتال من أجل حياتهما، فإن أي شيء يمكن إصلاحه.
ويقول: «أن يبدأ الزوجان من جديد يعني أن يتعلّما التسامح، ليس مع شريك الحياة فقط، فحسب، ولكن مع النفس أيضاً. والأمر يتعلق بإعادة الصداقة والعاطفة، وبناء أساس جديد، ووقتها يجب ألا يعودا إلى الطريقة القديمة في التعامل، ولكن عليهما إنشاء شيء أقوى، وعلاقة قائمة على الدروس المستفادة من كل مشكلة مرّت بحياتهما الزوجية، والاحترام المتبادل، وعدم تكرار الأخطاء، وإذا تم بذل هذا المجهود في الزواج، ومع الوقت والتصحيح والالتزام بالتصحيح، قد يجد كل طرف احتياجاته المفقودة».
وينبه الدكتور علاء رجب إلى أنه إذا كان هناك قلّة اهتمام فلنبحث عن السبب، فقد يكون ذلك رسالة للفت الانتباه إلى الاحتياج من الطرف الآخر، مثل كلمات الإطراء والمدح، والاحترام، والتقدير، أو الإحساس بالأمان، فعند العطاء تختفي المشكلة، وإن كان إهمال لضيق الوقت فنقدم المساعدة لينعم الطرف الآخر بوقت ليستطيع الاهتمام بنفسه.
ويشدّد الاستشاري الأسري على أن أي خلاف بين الرجل وزوجته، إن ظل بينهما فقط، ينتهي في أقرب وقت، ولكن الذي يفسد الأمر هو تدخل عناصر خارجية، لأن ذلك يورث في الرجل عناداً، وفي المرأة عناداً، لأنه في كل الأحوال هناك أمور خاصة، ومساحة ودّ بين الزوجين ستجعلهما يتسامحان معاً.

لماذا يفشل الزوجان أحياناً في إنقاذ العلاقة الزوجية؟
وتتفق معه الدكتورة رحاب لطفي، الاستشارية الأسرية والمدربة المعتمدة للعلاج الأسري بالقاهرة، في أن «الكثير من الخلافات الزوجية التي يتصور الزوجان أنها وصلت بهما إلى طريق مسدود يمكن حلّها، وترى أن أغلب العلاقات لا تنتهي بسبب خلافات كبيرة، بل على العكس تماماً، من الممكن أن تنتهى بسبب الصمت، أو بموقف لم يكن يستحق، ولكن السبب الرئيسي يكون التراكمات الصغيرة التي تتكرر كل يوم، وقد تبدو لك كمواقف تافهة، وتستطيع تمريرها، ولكن الواقع عكس ذلك تماماً، فهي تستهلك من رصيد المودّة التي بينكما، لذلك دائماً ما أدعو الزوجين إلى عدم تراكم المواقف والأشياء المزعجة، وألّا يحاولا، أبداً، إخفاء ذلك، لأن في كل مرة يحدث فيها صمت وتجاهل تتراكم في قلوبنا أشياء بسيطة، وكل مرة نقول فيها لا توجد مشكلة فنحن، فعلياً، نخزن مشكلة».
وأبرز الأخطاء الزوجية والتحدّيات التي تجعل الزوجين يفشلان في إنقاذ زواجهما، تحدّدها الدكتورة رحاب لطفي في نقاط عدّة، أهمها:
1. فشل العلاقة الزوجية لا يبدأ فجأة، ولكن يأتي نتيجة تراكم مشاعر مهملة، واحتياجات لا يتم الإفصاح عنها .
2. غياب الحوار الحقيقي الذي لا يُقصد به الأحاديث اليومية، والكلام حول أمور الأسرة، ولكن المقصود هو ذلك الكلام الذي يعبّر عن المشاعر، الإيجابية والسلبية، في الوقت نفسه، والتعبير عن الضيق من أشياء، والامتنان من أشياء أخرى.
3. الإهمال العاطفي والجسدي، لأن ضغوط الحياة تنسينا جميعاً، الكلمات الحلوة، واللمسات الحانية، والقبلات، والأحضان، وهذه الأمور كلها ضرورية جداً لتغذي الروح.
4. النقد المستمر، فعندما نواجه كل أمور الحياة بانتقاد وسخرية فإن الثقة تتآكل بين الطرفين.
5. الملل والروتين، فالأيام ليست جميعها يشبه بعضها بعضاً، بل نحتاج دائما إلى الخروج معاً، وإلى ضحكة، ولحظة خاصة تذيب كل الخلافات، وتساعدنا على البدء من جديد.
6. غياب التقدير، لأن الشريك عندما يعيش في معاناة، سواء كان الزوج أو الزوجة، يحتاج إلى كلمة (شكراً)، أو (أنا مقدّر تعبك)...
7. تراكم الخلافات من دون حل، فكل خلاف يترك من دون تصفية يصبح حملاً ثقيلاً على القلب.
8. غياب العتاب والمناقشات بسبب فقدان الأمل في إصلاح العلاقة.
9. الانفصال داخل المكان نفسه، فمن أكبر الأخطاء التي تفسد إعادة البناء أن يتواجد الزوجان معاً، في الغرفة نفسها، ولكن كل واحد منهما مشغول بشيء مختلف، فمثلاّ الزوجة تنشغل بمشكلات صديقاتها، والزوج ينشغل بأصدقائه، على حساب العلاقة الزوجية.
10. الاستمتاع بعيداً عن الشريك، وذلك بأن يعثر كل طرف على السعادة والراحة في الأنشطة أو العلاقات بعيداً عن الطرف الآخر، وعدم وجود أيّ حديث مشترك بينهما، سوى الأمور الروتينية.

خطوات سحرية لإنقاذ زواجك قبل فوات الأوان!
أما الدكتورة الاستشارية النفسية د. داليا عزام، المتخصصة في العلاقات الزوجية والأسرية وتعديل السلوك الأسري في مصر، فترى أن إنقاذ الزواج والرجوع إلى العلاقة الزوجية ليس أمراً مستحيلاً، ولكنه يحتاج إلى وعي وقرار، والعلاقات التي نحافظ عليها ونقوم بإعادة بنائها تكون أقوى، وأكثر ثباتاً في مواجهة عواصف الحياة. كما ترى أن التفاهم هو مفتاح السّر الذي يساعد الزوجين على تجاوز الخلافات بحكمة، بينما الاحترام المتبادل يبني جسراً من الثقة المتبادلة، ويعزز التواصل الإيجابي، وتبين «عندما يجتمع الحب، والتفاهم، والاحترام، يصبح إنقاذ الزواج أمراً مؤكداً، مهما كان حجم الخلاف، بل إن العلاقة الزوجية تعود أكثر قوة واستقراراً، وتكون قادرة أكثر على مواجهة تحدّيات الحياة».
وتقدم الدكتورة داليا عزام خطوات هامة وبسيطة، لها أثر إيجابي في إنقاذ الزواج، وتكون كفيلة بإعادة النبض إلى العلاقة الزوجية، وإنعاش الزواج، حتى لو كان في حالة «وفاة إكلينيكية»:
- نية بدء صفحة جديدة فعلاً ننسى فيها كل الماضي، ولا نشغل أنفسنا كثيراً بالمستقبل، والمجهول، والمخاوف، بل نفكر فقط في إصلاح العلاقة مع الطرف الآخر.
- تحسين مهارات التواصل مع الشريك، فنبدأ نسمع الطرف الآخر ونصغي له، حتى ينهي كلامه، ونتوقف عن التفكير في الأنا قليلاً، وحتى لو كان الطرف الثاني لا يسمعني ويقاطعني يجب أن أتكلم معه، واتفق معه على أن نسمع بعضنا حتى النهاية، حتى نتمكن من إيصال الرسالة، وتحسين العلاقة.
- فتح مساحة آمنة للمشاركة، لأن كل شريك يحتاج إلى أن يشعر بأنه مسموع من دون حكم مسبق، ومن دون أن نقاطعه، ونتهمه، ونوجه اللوم له.
- تغيير الروتين العاطفي، فبدلاً من أن تسأليه كيف كان يومك، وجّهي له جملاً من الدعم والطاقة الإيجابية، من دون أن تذكّريه بما حدث.
- تحديد احتياجات كل طرف واحترامها، نسأل أنفسنا بصدق عن احتياجاتنا واحتياجات الشريك حتى نتمكن من إعادة بناء جسر المحبة، والود، والسعادة.
- التركيز على إيجابيات العلاقة، لأنه لا توجد علاقة كاملة، أو مثالية، وخالية من الشوائب، ولكن الهام أن تكون المزايا أكبر بكثير من العيوب.
- صناعة مواقف ولحظات إيجابية من الممكن أن تكون برسالة، أو بكلمة تشجيعية، أو بخدمة، أو بأي شيء. المهم أن نكوّن رصيداً إيجابياً في هذه العلاقة.
- تفعيل لغة الحب مع الشريك، سواء كانت لمسات، أو كلمات معيّنة، أو حتى تقديم طعام، أو شراب يحبه!!
- مواجهة الخلاف من دون تخريب، والاتفاق على إيقاف الحديث والنقاش عندما تحتدم الأمور حتى تهدآ من جديد.
- تجديد الرؤية المشتركة، فالعلاقات تحتاج دائماً إلى أهداف مشتركة كي تستمر مع الوقت، وتظل ثابتة ، وهي لا تزدهر وحدها، ولكنها تحتاج إلى وعي، وتسامح، وقرار.
- إلغاء السخرية في التعامل بيننا حتى لو كان على سبيل المزاح، ونتوقف عن النقد ولوم بعضنا بعضاً، بل يجب علينا أن نضع الأعذار ونتقبّل بعضنا، ولكي يتحقق كل ذلك يجب أن يكون هناك تعاون من الطرفين، لذلك فإن الوضوح والصراحة مطلوبان.
- إذا وصلت الخلافات إلى طريق مسدود لا تفاهم فيه، وزادت الأمور التي تجرح الطرفين، عليهما أن يجرّبا طريقة أخرى، وهي الصمت لمدة يومين لا يتحدثان، حتى إن كان هذا الأمر صعباً، ولكن الأفضل أن يجعلهما معاً في الأمور الضرورية فقط، والتوقف تماماً عن النقاش، والجدال، والتعامل معاً بوجه باسم رغم الخلاف، فقد ينصلح الحال عندما يهدأ الطرفان، ويفكران في الأمر جيداً، من دون ضغوط.
- التجديد في الزواج أمر مطلوب، حتى لا تبرد المشاعر مع طول الأمد، ولا يملّا. والاستعانة بمتخصص للعلاقات يساعدكما على تفهم الشريك، واحتياجاته الحقيقية، وكيفية قراءة مشكلاته، والوصول إلى صيغة أفضل في العلاقة، وهذا أمر جيد إذا ما فشلنا في استكشاف هذه الأمور بمفردنا.
اقرأ أيضاً:
- متى يكون تأجيل قرار الطلاق ضرورياً؟
- بعد الشك والخلافات.. خطوات عملية لإعادة بناء الثقة بين الزوجين