
كفى للسيناريوهات المكررة، فقد آن الأوان كي تتحرر من الماضي، وتستعيد توازنك الانفعالي. وقد شعرت نيكول لوبيرا، عالمة النفس السريري، بالإحباط من نتائج العلاج النفسي التقليدي، وعملت من خلال جهد يومي وتدريجي على إيجاد المفاتيح للتحرّر من صدمات الماضي، ومن سلوكات التدمير الذاتي الناجمة عنها.
الدكتورة نيكول لوبيرا ، حائزة شهادة من جامعة كورنيل وهي معالجة نفسية مشهورة في الولايات المتحدة، بفضل اعتمادها على الشبكات الاجتماعية. وقد أسست «حلقة الشفاء الذاتي» (SelfHealers Circle)، تقدم فيها أدوات التغيير.

تعتبر الدكتورة نيكول لوبيرا كتابها «أنت من يشفي جراحك» مقاربة ثورية للراحة الذهنية، والبدنية، والروحية، تسمى كذلك بـ«علم النفس الشامل» (holistic psychology)، وهي حركة تحث على تكريس الوقت اللازم لصناعة الارتياح الذاتي اليومي، عبر تحطيم الصور السلبية، والشفاء من الماضي، وبناء الأنا الواعية.

استعادة شخصيتك الحقيقية
يركز علم النفس الشامل على الذهن، والجسم، والروح، من أجل أن يسمح بإعادة توازن الجهاز العصبي والشفاء من الجراح العاطفية غير المحلولة. ويعطي هذا العمل صاحبه القدرة على أن يصير الشخص الحقيقي الأصيل الذي هو عليه، ويبين له كيف أن العوارض البدنية والنفسية هي رسائل، وليست تشخيصات تدوم إلى الأبد، وتحتاج إلى معالجة دائمة؛ بل هي حكاية ترجع جذورها إلى الآلام، والضغوط، والإنهاك، وحالات القلق، والاضطراب المعوي المزمن، وخلل الجهاز العصبي، وكل ما يطرحه جانباً، أو يتجاهله الطب التقليدي الغربي.
هي مقاربة تفسر لماذا يشعر الكثيرون بأنهم مكبوحون، أو منفصلون عمّا حولهم، أو ضائعون، كما تقدم أدوات عملية تسمح بإنشاء عادات جديدة، وفهم سلوك الآخرين، وتحريركم من الفكرة القائلة بأن قيمتكم يحدّدها كل من هم حولكم. وهذه الطرائق الشاملة التي تتضمن تمارين تطال القوى البدنية والفيسيولوجية والنفسية، تجعلكم على اتصال مع الأنا الأصيلة لديكم، ولدى الآخرين، وهي فعّالة لأن الجسد والنفس والروح تشكل كلّاً مترابطاً. والشفاء آلية واعية، ويمكن عيشها يومياً عبر تغيير عاداتنا وتصوّراتنا.
كثيرون هم من يعيشون في حالة عدم إدراك، ويبحرون في هذا العالم، موكلين أمرهم للقيادة الأوتوماتيكية، ومتبعين بشكل آلي سلوكات اعتادوها، وهي غير مفيدة لهم، أو أنها لا تعكس حقيقة ما هم عليه، وما يرغبون فيه، في أعماقهم. تساعدنا ممارسة علم النفس الشامل على استعادة الاتصال مع نظام التوجيه الداخلي لدينا وتمكننا من سماع هذا الصوت الحدسي، والوثوق به.
ما يقترحه علم النفس الشامل هو مقاربة تتضمن عناصر من مجالات عدّة، من علم النفس، والعلوم العصبية، وممارسات الواعي الكامل، إضافة إلى تقنيات العلاج السلوكي المعرفي، والتحليل النفسي، مع إدراج عناصر شمولية لا يأخذها علم النفس التقليدي في الاعتبار حالياً. أن تتعلم كيف تشفي نفسك هو عمل يقضي بتسلم زمام السلطة على النفس، لأن ما من أحد آخر سوانا يمكن أن يعرف حقاً ما هو الأفضل بالنسبة إلينا.

«أنت من يشفي جراحك» كتاب مؤلف من ثلاثة أجزاء:
إدراك الـ«أنا»
يقدم الجزء الأول الأسس التي تجعلنا مدركين للأنا الواعية، ولسلطة أفكارنا، وتأثير الضغوط وصدمات الطفولة على مختلف أجهزة جسمنا، وأعصابنا. ويمكننا من فهم كيف أن الاضطرابات البدنية في وظائف الجسد تمنعنا من التقدم، ذهنياً وعاطفياً.
الدخول إلى الذهن
وفي الجزء الثاني، نستخرج طبقة وندخل في «الذهن» حيث نستكشف آليات الوعي واللاوعي، وندرك إلى أي درجة نجحت تربيتنا في إعطاء شكل للعالم والسيطرة على تصوراتنا وسلوكاتنا التي لا تزال تسيطر علينا. وسننغمس بعدها في ما هو أعمق في تفكيرنا، من أجل أن نلتقي بطفلنا الداخلي، حيث نكتشف سرديات «الأنا» التي تحمينا، والتي تمنعنا من إعادة إنتاج العلاقات التي عشناها للمرة الأولى في طفولتنا.
وفي الجزء الأخير الذي يشكل جوهر العمل الذي يجب أن نقوم به، سنتعلم كيف نطبّق المعلومات التي اختزناها من أجل بلوغ النضج العاطفي الذي يساعد على إقامة علاقات مع الآخرين أكثر أصالة. نحن كائنات اجتماعية وسنصير قادرين على خلق علاقات عميقة مع الأشخاص الذين نحبهم عندما نكون قادرين حقاً على عيش وتجسيد الأنا الأصيلة لدينا. كل هذا يرسي الأسس التي تشكل نقطة انطلاق لخصوصية الفرد ضمن الجماعة.
وكل ما أنتم بحاجة إليه للبدء في هذا التحول هو «أناكم» الواعية، ورغبتكم في الحفر عميقاً، ومعرفة أن هذا التغيير ليس سهلاً، وأن الطريق الذي أمامكم سيكون صعباً في بعض الأحيان. فنحن لا نقوم هنا بعملية إصلاح صغيرة، وهذا واقع يصعب قبوله، لا سيما بالنسبة إلى الكثيرين الذين يظنون أن ثمة حلّاً سريعاً، أو حلّاً عجائبياً لمشاكلهم. وأنا أول من يقول إن العمل هو ببساطة شيء واحد: إنه عمل.
ولا مجال لأيّ طريق مختصر، ولا أحد يمكن أن يقوم بهذا العمل بدلاً عنكم. قد يبدو لكم مزعجاً، وحتى مخيفاً أن تكونوا أنتم الطرف الفاعل في شفائكم. ومع هذا، فأن تتعلموا من أنتم حقاً، وماذا أنتم قادرون على القيام به، ليس مصدر قوة وتحوّل وحسب، بل هي واحدة من التجارب الأعمق التي يمكن أن نعيشها.
لا يرغب الجميع في الشفاء، وهذا طبيعي، فبعض الناس ترتبط هوياتهم بالمرض، وبعضهم الآخر يخشون حقًا حالة الارتياح، لأنها تمثل المجهول بالنسبة إليهم، والمجهول لا يمكن التوقع به. وقد يجد البعض راحة في معرفة ما ستكون عليه حياتهم بالتحديد، حتى لو كان الواقع سيجعلهم مرضى. فأذهاننا آلات تبحث عمّا هي معتادة عليه، والعادة تعطينا شعوراً بالأمان. بيد أن الشعور بالانزعاج من العمل على الذات، هو شعور مؤقت، ومرحلة ضرورية حتى يحصل التغيير.
حين تكونون جاهزين للقيام بهذه الرحلة ستدركون هذا، وسينتابكم بعدها الشك بأنفسكم، والرغبة في إيقاف كل شيء. عندئذ سيكون من الهام، بمكان، أن تظلوا متابعين، وأن تتمسكوا بتكرار الممارسات المطلوبة إلى حين تصير بالنسبة إليكم ممارسات اعتيادية، أشبه بعملية انضباطية ستثمر لديكم ثقة، وتتحول هذه الثقة إلى تغيير، والتغيير إلى تحوّل.

كيف نختار أن نتغير؟
لا علاقة للعمل الحقيقي بما هو حولكم، بل بما هو في داخلكم، فهو يأتي منكم. والمرحلة الأولى وهي الأصعب هي البدء بتخيل مستقبل سيكون مختلفاً عما هو الحاضر. أغمضوا أعينكم وفي اللحظة التي تكونون فيها قادرين على تصور حياة يومية، مختلفة عن تلك التي تعيشونها، ستكونون جاهزين للسير قدماً. وفي حال لم تنجحوا في تخيّل ذاك الواقع الآخر، فهذا يعني أنك لست الوحيد في هذه الحالة وثمة سبب لهذا الكابح الذهني.
ويجب ألا ننسى أننا نحن من يخلق عالمنا الداخلي، وأن طاقتنا وأفكارنا هي ما يشكل العالم من حولنا. نعم، ثمة أشياء لا نستطيع السيطرة عليها، ولكن لدينا القدرة على اختيار الطريقة التي نعيشها بها. نستطيع أن نغيّر الطريقة التي نهتم بها بأنفسنا. ونستطيع أن نغيّر تفسيرنا لما يحيط بنا، ونغير علاقاتنا مع الناس الذين نحبهم، نستطيع أن نغير طريقتنا في الاتصال مع ذاتنا ونعدّل بالتالي الطريقة التي نرتبط بها بباقي العالم.
إن إمكانات التطور والتغيير هي إمكانات دائمة، والعودة إلى ماهيتنا الأصيلة، وإلى وعينا العميق، هي ما سيجعلنا على اتصال مع ذواتنا الحقيقية، ومع الطاقة الكامنة في كل واحد منا.
لا أحد يعرف المستقبل، لكن لدينا حدسنا، ولدينا ثقتنا بأنفسنا، ولدينا مشاعرنا، والمعلومات، والمعارف التي اكتنزناها، وكل هذا يمكنه أن يساعدنا على اتخاذ أفضل القرارات الممكنة. هذا هو الشفاء: أن نطوّر الخيار، والثقة بالأدوات التي نستخدمها من اجل أن نعيش حقاً هذه الحياة المؤقتة، مهما كانت نهايتها.