09 نوفمبر 2025

اقتراحات مدمرة لعلاقتك مع أولادك... لو سمعتها أهمليها

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

يسلك الآباء والأمّهات، خلال رحلتهم في تربية الأبناء، بعض السلوكات النمطية بشكل تلقائي، إما لأنهم تربّوا عليها، وإما لأنهم تلقوها كنصائح ومقترحات من الآخرين للمساعدة في مشوار التربية.

والحقيقة أن الكثير من هذه النصائح يكون مفيداً، ويأتي بنتائج إيجابية، بخاصة إذا كنا من قليلي الخبرة، وفي بداية عهدنا مع التربية، والتعامل مع الأطفال، لكن في المقابل، قد نتلقى من المحيطين بنا بعض النصائح والإرشادات التي نظنها ستساعدنا، وتسهل علينا مشوار التربية، ولكنها في الحقيقة تدمّر علاقتنا مع الأبناء، وتفسد الود، وتزيد الجفاء، وتتسبب بالكثير من المشكلات والأزمات معهم.

سألنا في«كل الأسرة» عدداً من المتخصصين في نفسية الأطفال والمراهقين وخبراء التربية، للتعرف إلى أبرز النصائح المدمّرة للعلاقات بين الآباء والأبناء، وكيف نميّز بين النصائح المفيدة وتلك المدمّرة للعلاقة، وكيف نصلح ما وقعنا فيه من أخطاء نتيجة اقتراحات وتدخّلات المقرّبين:

مجلة كل الأسرة

أساليب تربية خاطئة 

بداية، يؤكد الدكتور جمال فرويز، استشاري طب نفسي لعلاج الأمراض النفسية للأطفال والبالغين، أنه خلال رحلة التربية تتشكل شخصية الطفل من خلال مزيج دقيق من الأساليب، بعضها يبني، وبعضها الآخر يهدم. والأبوان هما المرآة الأولى التي يرى فيها الطفل نفسه، وما يزرعانه فيه من كلمات، ومواقف، وسلوكات، تثمر لاحقاً في صورة شخصيته وسلوكه.

ويقول: «الهدف من التربية هو إيجاد أبناء يتمتعون بالصحة النفسية، والعقلية، والجسمية، وتربطهم بوالديهم علاقة مودّة واحترام، وهذا ما تسعى إليه أساليب التربية الإيجابية. وفي المقابل، هناك مجموعة من الأساليب السلبية التي قد يقدمها البعض لنا على أنها الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأبناء، ولكنها في حقيقة الأمر يجب على الآباء والأمهات تجنبها، لأن تأثيرها مدمر لصحة الطفل، وعلاقته بوالديه، ومن هذه الأساليب:

  • يصور البعض ضرورة وجود صداقة بين الأب والأم مع أولادهما، من خلال التوقف عن وضع حدود وقواعد في التعامل، والتساهل معهم في حالة تجاوزهم بحجة الصداقة، والقرب منهم. والأمر في الحقيقة على العكس تماماً، فوضع الحدود من الأمور الأساسية في تربية الطفل، أما التساهل بنقص، أو عدم وجود قواعد واضحة تنظم الحدود التي يجب ألّا يتعداها الطفل فقد يعطي الآباء شعوراً وهمياً بالاطمئنان إلى حب أطفالهم الدائم لهم، لأنهم يلبون جميع مطالبهم. وهذا الأسلوب يجعل من السهل على الطفل تجاوز حدود والديه، والتلاعب بهما، وبالتالي، هذا يزيد من احتمال نموه مفتقراً إلى الحب واحترام الآخرين، كما أن التساهل لا يشعر الطفل بالأمان، لكنه في الحقيقة يجعل الأجواء الأسرية مملوءة بالصراع والخلافات.
  • قد نتلقى في المقابل نصائح بضرورة وضع قواعد صارمة ونطبّقها على الأبناء بحزم، حتى لا ينفلت زمامهم.. وهذا الأسلوب أيضاً غير عادل لأنه لا يراعي احتياجات الطفل، النفسية والعاطفية، فأنت في هذه الحالة تفرض على الطفل قواعد بشكل صارم لا مرونة، فيها وتتنكر لمشاعره. كما أنه أسلوب يحمل في طيّاته معاني القسوة، والخوف، والخنوع، ولا يساعد على تطوير قدرة الطفل على تعلم كيفية تحمّل مسؤولية ما يقوم به من نشاط وواجبات يومية، نظراً لأن هناك من يفكر في ذلك نيابة عنه.
  • يقدم الأهل والأصدقاء دائماً نصائح للأبوين الجدد بضرورة أن ينفصل الطفل في النوم مبكراً عن والديه، ولا يجوز التهاون مع هذا الأمر، على الرغم من أن الكثير من الدراسات الحديثة أثبتت أن السماح للأطفال بالنوم مع الأب والأم، مرّة في الأسبوع، أو في العطلات، يعمق التواصل الروحي بينهم، ويزيل عن الطفل أوهاماً كثيرة حول علاقة الأب بالأم.
  • ينصح البعض أيضاً بضرورة تجاهل سلوكات الطفل في حالة العناد والتمرّد، ويؤكدون أن هذه الطريقة تجعله لا يتمادى في الأمر، ولكن في الحقيقة أن الحوار المقنع غير المؤجل من أنجح الأساليب عند ظهور موقف عناد من طفلك، لأن إرجاء الحوار إلى وقت آخر يُشعر الطفل بأنه قد ربح المعركة.
  • من أكثر الجمل التي قد نسمعها في رحلتنا مع التربية هي أن أفضل عقاب للطفل عند ارتكاب الأخطاء هو حرمانه من أشياء محببة إليه، وهذه الجملة تقال للأم التي يرتكب ابنها خطأ، أو الأم التي تشتكي من ابنها، وتسأل عن كيفية التعامل معه. وهم في الحقيقة كأنهم يقولون لها أوجعيه نفسياً، وذلّيه، وهم لا يعرفون أن عقلية الطفل تفكر في الانتقام عندما يتعرض لهذا الأمر، فعندما تحرمين الطفل من حاجة يحبها كعقاب ليس له علاقة بالفعل الذي أقدم عليه، لن يجلس ليراجع نفسه ويقول بالفعل لقد أخطأت، ولكنه سيفكر أنك أخذت منه أكثر حاجة يحبّها، وهذا معناه أنك تكرهينه، وتضايقينه، فيكوّن عنده رغبة في الانتقام.
مجلة كل الأسرة

إشارات تحذيرية عن الطرق الخاطئة للتعامل مع مشكلات الأبناء

من جهتها، تؤكد الدكتورة ياسمين ياقوت، خبيرة العلاقات الزوجية وتعديل السلوك بالقاهرة، أنه يجب التدقيق في كل نصيحة تقدم لنا خلال رحلتنا مع التربية، فكل تصرف، وكل كلمة هي لبنة في بناء شخصية ابنك، أو ابنتك، فاحرص على أن تكون لبناتك أمثولة من المحبة والاحترام والمسؤولية، لا من الخوف والإهانة والقلق.

وتضيف «كثيراً ما قد يتهاون الآباء والأمهات في الأساليب التربوية التي يستخدمونها مع أولادهم، ولا يدركون أن بعض الأساليب، مثل العقاب النفسي أو الحرمان، أو التخويف، أو الخصام، أو الصمت والتجاهل، أو حتى الابتزاز، لها آثارا مدمرة، لا تقل تدميراً عن الضرب».

وتشير الدكتورة ياسمين ياقوت إلى عدة علامات تكشف لنا أننا لسنا على الطريق السليم في تربية الأبناء، وأننا استخدمنا معهم أساليب تربوية خاطئة، ومن أهم هذه العلامات:

  • أن نجد مشوار التربية يسير في اتجاه واحد، وهو الأم، حيث يعتقد بعض الرجال أن مهمة التربية مقصورة على المرأة، في كل مراحلها، ويتصور أن دورها كاف، وأن مسؤوليته تنتهي عند إحضار الطعام، وما يلزم من ماديّات!! صحيح أن لكل منهما أدواراً يختص بها، لكن مسؤولية التربية في شقّها المتعلق بتنمية وتزكية أخلاق وفكر وسلوك الطفل، لا تنجح إلا إذا اشترك الأب والأم فيها.
  • الحرص الزائد من قبل الأبوين على أداء أبنائهما للواجب المدرسي بإتقان، والحرص على الدرجات النهائية ، فللأسف بعض الآباء يعيشون الحياة نيابة عن أطفالهم، ويقررون نيابة عنهم في ما ينبغي أن يكونوا مما فشلوا في تحقيقه، وقد يكون نتيجة ذلك تحطيم الطفل.
  • عندما تكثر مشكلات الأبناء السلوكية، مثل كثرة الحركة ونقص التركيز، والميل إلى العنف والمشاجرة مع الإخوة، فغالباً ما يكون ذلك بسبب استخدام أسلوب الضرب والعقاب البدني، والذي يعتبر من أسوأ الأساليب التربوية، ومع ذلك، يميل الكثير من المربّين إلى استعماله، وللأسف، هذه الطريقة تخلق شعوراً بالعداء لدى الطفل، ورغبة في الانتقام، ويقول لنفسه إنه سيئ، وغير مرغوب فيه، حتى من أبويه، وتنعكس مشاعره تلك على نفسه، والآخرين.
  • إذا ما واجهنا مع الطفل مشكلات مثل الخوف الزائد، والقلق، وعدم الشعور بالأمان، وقلة الثقة بالنفس، فغالباً ما يكون ذلك بسبب استخدام أسلوب التهديد، كقولنا للطفل «إن لم تذهب للنوم حالا سأضربك»، أو «أفعل بك كذا»، هذا الأسلوب، وما يتضمنه من صراخ وعبارات غير منطقية وغير عادلة، يثير مخاوف الطفل، ويجعله لا يشعر بالأمان والقبول.
  • يظن البعض أن الصراخ المستمر على الطفل يمكنه أن يعمل على تعديل سلوكه نحو الأفضل، ولكن في الحقيقة سيعمل على إزعاجك، وإزعاج طفلك، ويفسد التواصل بينكما، وتدخلان في دائرة من التفاعل السلبي الذي من أهم نتائجه مشكلات سلوكية ونفسية لدى الطفل.
  • إذا ما وجدنا أولادنا لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم فإن ذلك بالتأكيد مسؤوليتنا، بسبب تضييق الخناق على الأبناء، وعدم منحهم حرية التصرف، من منطلق الحماية الزائدة والخوف عليهم، حيث قد يظن البعض أنه أفضل طريقة للتربية السليمة، ولكن في الحقيقة يحتاج الطفل في كل مراحل عمره إلى مقدار مختلف من الحرية، بخاصة في فترة الشباب، لأنه يحتاج إلى التعبير عن أفكاره، ومشاعره، ورغباته، من دون أن يفكر ألف مرة في الإعلان عنها. أما الطفل، فهو يحتاج منذ نعومة أظفاره، إلى الحرية في اختيار لعبه، وملابسه، وأصدقائه، ونحن دائماً نقف في دور المراقب الذي يتدخل، إذا لزم الأمر.
مجلة كل الأسرة

نصائح تستحق التجربة وأخرى يجب الابتعاد عنها

ومن خلال خبرتها في تحليل ودراسة أفضل الأساليب التربوية، وكذلك أخطرها وأكثرها تأثيراً في سلوك الأطفال، تؤكد الدكتورة إيناس إحسان، استشاري التربية وتعديل السلوك في القاهرة، أنه يجب التوقف تماماً عن استشارة الآخرين في كيفية حل مشكلاتنا مع الأبناء، وكذلك التوقف عن الاستجابة لكل النصائح التي تقدم لنا، لأن البعض منها يكون جيداً، والبعض الآخر يكون مدمراً، والأفضل في حالة فشل الأبوين في إيجاد صيغة تفاهم مع الأبناء أن يلجآ إلى المتخصصين حسب نوع المشكلة، وهذا هو الحل الأمثل عندما نشعر بالعجز عن التفكير والتعامل، وحلّ الأمور.

وتقدم الدكتورة إيناس إحسان مجموعة من النصائح والإرشادات تساعدنا على اختيار الأسلوب الأفضل في التعامل مع الأولاد والتمييز بين النصائح المفيدة وتلك المدمرة، من أهمها:

1 - دور التربية يجب أن يكون محصوراً بين الأبوين، فهما اللذان يعيشان مع الطفل، ويعرفان بالتحديد ما يريده، ويدركان ما هي الظروف التي تحيط به، أما دور المقرّبين فيجب أن يكون استشارياً من دون تماس مباشر مع الطفل، فيمكن للأم أن تسأل أمها عن أمور خاصة بالتربية، ويمكن للشاب أن يفعل الشيء نفسه، من دون أن يقوم أحد غيرهما بتربية الابن.
2 - كثيراً ما نسمع عن مآسٍ كان سببها توجيهات خاطئة استقاها الأبوان من المقربين، وتسببت بفجوة كبيرة داخل الأسرة، لكن هذا لا يمنع من أن يكون للأقارب دور توجيهي، أو تعليمي مكمل لدور الأب والأم، وليس بديلاً عنه.
3 - يجب التوقف عن التصرف نيابة عن أولادنا بدعوى مساعدتهم وحمايتهم من الأخطاء، فعندما تقدم لطفلك مساعدة، ولا تعطيه فرصة المحاولة فإنك بذلك تبلغه رسالة تقول له فيها: أنت غير قادر على التفكير السليم، ولا تستطيع الاعتماد على نفسك، فتقلل من قدرته على التعامل مع المشكلات وحلّها، كما أنك تولد لديه المخاوف.
4 - يجب إدراك أن لكل طفل طبيعته الخاصة، وحتى الإخوة لا يتشابهون، ولذلك لا داعي من تقديم نصائح للآخرين، والصمت عندما يواجه المقربون منا بعض المشكلات مع أولادهم قد يكون أفضل كثيراً من النصائح المدمرة.
5 - الأطفال يكررون السلوك الذي يجلب لهم الانتباه. تجاهل التصرفات السلبية البسيطة والتركيز على الإيجابيات يشجّع على تكرار السلوك المرغوب.
6 - كلمة السر في تربية الأبناء هي أن يعتدل الأهل في تربية طفلهم، وألا يبالغوا في حمايته وتدليله، أو إهماله كذلك. وعليهم أن يعوا أنهم عندما يمنعون عنه بعض الحاجات فليس معنى ذلك حرمانه، بل تنشئته تنشئة صحيحة حتى يخرج الطفل للمجتمع قادراً على مواجهة الحياة.
7 - الأطفال يحتاجون دائماً إلى المدح والتحفيز، والكثير من المكافآت، بشرط ألا تتحول كل هذه الحوافز إلى رشوة، فعلى الرغم من أن مكافأة الطفل من الأساليب والأدوات التربوية المشجعة على تطور قدراته، واكتسابه الكثير من المهارات والصفات الجيدة، إلا أنها بسبب سوء تصرف بعض الأهالي تتحول إلى رشوة، وإلى حب مشروط، تضر بالطفل أكثر ما تفيده وتترك أثراً سلبياً خطراً لديه، وتفسد تفكيره وسلوكه.
8 - قلة تشجيع الأبناء لها تأثيرات سلبية لا حصر لها، وهو الفخ الذي تقع فيه الكثير من الأسر، فلا تشجع أولادها، ولا تتوقف عن اللوم والعتاب، ما يعزز العداوة والخصومة تجاه الأهل.
9 - ليست هناك قواعد ونظريات ثابتة تكون مفيدة ونافعة ويمكن تطبيقها على جميع الأبناء، وهذا الأمر بديهي، لذلك يجب أن نقترب من أولادنا، ونفهم طباعهم، ونقدر اختلافاتهم، ولا نفرض عليهم نمطاً معيناً في التعامل، حتى لا ينعزلوا وندخل في معاناة ومشكلات لا حصر لها معهم.
10 - أكثروا من استخدام العبارات التالية مع أطفالكم: إنني فخور بك، أنت شخص رائع، ما هو رأيك في...؟ هل يمكنني مساعدتك؟...

اقرأ أيضاً:
- من المسؤول عن تربية الأبناء: الأم أم الأب؟
- 9 نصائح جوهرية لتحقيق الاستقرار النفسي للطفل