تقول الكاتبة بيجي أومارا (كاتبة في التربية)، «إن الطريقة التي نتحدث بها لأطفالنا تصبح صوتهم الداخلي»، لذا عندما تصبح كلماتنا القاسية جزءًا أساسيًّا من الحديث عند ارتكاب الأخطاء، فسوف يتعرض طفلك لخطر تشكيل أنماط طويلة المدى من «النقد الذاتي القاسي».. إذاً، قد يصبح طفلك أفضل حليف لنفسه أو أكبر عدوٍ لها، فما الذي تفضّله لطفلك؟
يهمل بعض الآباء تأثير أسلوب «التشجيع» في تقويم بعض السلوكيات وإبراز الأخطاء للأبناء ليكونوا أكثر تهذيباً وانضباطاً فيلجؤون إلى التلويح بالأخطاء وتوجيه «الانتقاد» بطريقة مؤذية وبمفردات صارمة لاذعة تولد نفوراً وصداً دون مراعاة لمشاعرهم وتشكيل شخصياتهم في المستقبل، فتتحول فيها عملية النقد إلى عملية هدم تجر وراءها انتكاسات تزيد من الهوة وحدة الخلافات، فرحلة التربية والوصول بالأبناء لبر الأمان ليست بالعملية السهلة، يمكن أن يرتكب خلالها الآباء الكثير من الأخطاء لكن التعامل معها بالشكل الصحيح يعود بهم لجادة الصواب.
التشجيع يعزز ثقة الطفل بنفسه
ترصد المستشارة الأسرية والتربوية همسة يونس، أهمية التحفيز كأداة سحرية تساعد المربي على إكساب الطفل سلوكات إيجابية أو تعزيزها، أو تعديل سلوكيات سلبية، حيث يعرف علم الاجتماع التحفيز على أنه «مولد النشاط والفاعلية في العمل»، كما يعرفه علم النفس على أنه «كل قول أو فعل أو إشارة تدفع الإنسان إلى سلوك أفضل أو تعمل على استمراره فيه».
تكشف «أن من أهم أساسيات عملية التعلم بطريقة سليمة هو وجود حافز داخلي ومن ثم يأتي دور التحفيز الخارجي لتحريك هذا الحافز الداخلي وتعزيزه ومساعدة الطفل على تطويره وبالتالي نكون بذلك قد قدمنا للطفل فرصة كبيرة لاستثمار مهاراته الذاتية والعوامل البيئية من حوله لتنمية قدراته باستمرار».
تشرح يونس «كلما وجه المربون تركيزهم على إيجابيات الطفل وتشجيعها، كلما ازداد إقبال الطفل على السلوك الإيجابي الذي يؤهله للحصول على القبول والتقدير من كافة أطراف عملية التنشئة الاجتماعية، مما يعزز ثقته بنفسه ويرفع من مستوى تقدير الذات لديه وبالتالي يشكل وقاية مهمة لصحته النفسية».
تبين المستشارة آثار تعرض الطفل الدائم للنقد والتقييم السلبي باستمرار وتجاهل نقاط قوته وإبراز ضعفه» يكون الطفل أكثر عرضةً للإصابة باضطراب القلق الاجتماعي الذي يصاحبه اضطراب في الاستجابة المعرفية والسلوكية والانفعالية.
إذ يفقد الطفل ثقته بقدراته وبالتالي يسهم ذلك في تعطيل جزء كبير من إمكانياته في اكتساب المعرفة، كما ينعكس سلباً على سلوكات الطفل نتيجةً للمفهوم السلبي الذي تبناه الطفل نفسه نتيجة النقد الدائم وافتقاره للتشجيع والتحفيز، إضافةً إلى لجوئه إلى تبني استجابات انفعالية غير متزنة، فقد يبالغ في حذره تجاه المثيرات البيئية من حوله فيغلب عليه الانتباه المتمركز حول الذات، وقد يترتب على حالة القلق التي تسيطر عليه استجابات انفعالية تتسم بالعنف والإحساس بعدم الأمان».
الفرق بين المديح والتشجيع
يبين الاختصاصي الاجتماعي بجامعة الخليج العربي ومدير مركز البذور الصالحة للأطفال أحمد الساعي أن «عملية تشجيع الطفل تبدأ منذ السنة الأولى من عمره، فهو بحاجه له بشكل مستمر للمشاركة والتفاعل كي يحقق الإنجازات المختلفة في حياته، ويتدرج في التعليم ويطور قدراته ومهاراته».
يوضح ماهية هذه المهارات «جميع الأمور التي تصقل شخصيته وتطوره ومهارات أخرى حركية كالجلوس والوقوف والمشي والمسك وغيرها، ومهارات اجتماعية كتكوين العلاقات الاجتماعية والتفاعل والاختلاط بالآخرين وتكوين الصداقات والحوار، ومهارات عقلية إدراكية كالتفكير والتخطيط وحل المشكلات والإبداع، وغيرها من المهارات والسلوكيات التي تساعده على تحقيق ذاته وتعزيز ثقته بنفسه».
وعن أفضل الأساليب التي تسهل عملية التربية، يوضح الساعي «يبدأ الأبوان التربية العملية بالقدوة من خلال كلامهما وأفعالهما الإيجابية التي تنعكس على تصرفات الأبناء إيجابياً، من خلال ممارستها أمامهم كالبذل والعطاء وحب التحدي والمغامرة والسعي والمحاولة، ثم مشاركة الطفل ومساعدته في تحقيق أهدافه وتشجيعه بشكل عملي من خلال الانخراط معه في أداء المهام والواجبات التي يسعى لتنفيذها، فالطفل بطبيعته مقلد بامتياز يتأثر بما يراه، قيامنا بالأمور الإيجابية والصحيحة تؤثر فيه وممارستها أمامه سواء بالكلام أو الأفعال تعزز لديه هذا التأثير ومشاركتنا له تؤصل لهذه الأفكار والسلوكيات».
يلفت الساعي للخطأ الذي يقع فيه أغلب الآباء في عدم التفريق بين المديح والتشجيع «يعتبر المديح نوعاً من المكافأة وهو يعتمد على التنافس، يدفع الطفل لإنجاز هدف معتمد على المؤثرات والمعززات الخارجية أكثر من دوافعه الداخلية للإنجاز فينشأ الطفل على المثالية الزائفة، واهتزاز الشخصية ويعرضه للهشاشة النفسية، على العكس من التشجيع الذي يقوم على أهمية تقدير الجهد المبذول ويعتمد على نقاط القوة والتميز عند الطفل».
وينبه لتأثير وضع أهداف كبيرة تفوق قدرات الطفل «دائماً ما نقول إن العملية التربوية تمتد إلى 18 عاماً، منذ ولادة الطفل إلى دخوله للمرحلة الجامعية التي يعتمد فيها بشكل شبه كلي على نفسه «ما عدا مصروفه الشخصي»، فلا داعي للعجلة في وضع الأهداف وتحقيقها، ومن المهم التدرج في التربية والتعليم وفق المرحلة العمرية التي يعيشها الطفل».
أساسيات عملية التحفيز
تنبه المستشارة الأسرية والنفسية همسة يونس إلى أنه كي يكون التحفيز حقيقياً ويؤدي غرضه المرجو منه في عملية تنشئة الطفل يجب أن يقوم على عدة أساسيات مهمة، منها: