
التواصل مع الأهل والأقارب، من خلال الزيارات العائلية، أمر واجب، وضرورة ملحّة، ليس من جهة صلة الرحم فقط، ولكن لتوطيد علاقاتنا مع من نحبهم أيضاً.
لكن، للأسف هذه الزيارات العائلية لا تكون خفيفة الظل على الأبناء، في مختلف أعمارهم، فالطفل الصغير يشعر بأن هذه الزيارات متعبة ومرهقة، لذلك لا ننجح في السيطرة على الطفل، وتصرفاته التي قد تسبب لنا الخجل والإحراج، أو إزعاج من نزورهم، ونضطر، أحياناً، إلى تخفيف هذه الزيارات، إن لم يكن إلغاءها. وعندما يكبر الأبناء يتحوّل الجهد المبذول معهم إلى زاوية أخرى، وهي تعليمهم آداب الزيارة، وكيفية التعامل مع الأهل والأقارب بشكل مهذب، واستقبالهم بشكل لائق.
هذا الأمر لم يكن يشكل معاناة كبيرة في الماضي، لكن مع تغيّر الزمن، وانشغال الأهل بالعمل، أو التكنولوجيا، بدأت هذه القيم تتراجع لدى البعض.
سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء العلاقات الأسرية والتربية حول أبرز المظاهر التي يجب تجنبها خلال الزيارات العائلية، وكيف نعلّم الأبناء آداب الزيارات، وكيف تتعامل الأم مع الأبناء في حالة ارتكاب خطأ خلال الزيارة، وكيف يمكننا الحفاظ على علاقات أسرية صحية، وسط ما يُعرف بـ«مشاكل الأقارب» في التجمعات التي تتكرّر في أغلب المناسبات العائلية؟

استعدادات «الطوارئ» قبل الزيارات العائلية!
في البداية، يؤكد الدكتور يحيي فؤاد، استشاري العلاقات الأسرية وتدريب المراهقين بالقاهرة، أن الزيارات العائلية من العادات الاجتماعية التي يجب علينا الحفاظ عليها، لأنها مرتبط بصِلة الرحم، ويجب علينا، كآباء وأمهات، ترسيخ هذه القيمة لدى الأبناء، وزرع المحبة في نفوسهم تجاه أقاربهم، وعدم زرع البغض، والكره، والحقد، في نفس الطفل تجاه أهله، حتى إن كانت هناك مشكلات معهم.
ويقول: «على الرغم من أن التجمعات العائلية فرصة للتقارب لكنها في بعض الأحيان تكشف عن توترات وخلافات قديمة، تتسبب بحدوث مشكلات بين الأقارب، وتؤثر في صفاء العلاقات داخل العائلة».
ويضيف د. يحيي فؤاد: «أحياناً قد تفاجأ الأم بتعامل طفلها بطريقة غير لائقة مع كبار السّن، ما يسبب لها الشعور بالإحراج والدهشة، لأنها لم تغرس هذه الأخلاق في طفلها، ولأن هذا السلوك لا يتوافق مع أخلاقنا الجميلة التي نشأنا عليها».
ويشير الاستشاري الأسري الدكتور يحيي فؤاد إلى مجموعة من الاستعدادات التي يجب أن يقوم بها الآباء والأمهات قبل الزيارات العائلية، منها:
أولاً: تنبيه الابن بكلمات واضحة لضرورة الالتزام بالسلوكات الواجب اتّباعها، والتأكد من أنه استوعب الكلام وفهمه.
ثانياً: احترموا أولادكم حتى أثناء العقاب، فلا تعنيف زائد، ولا شتيمة أمام الأهل، لأنها إهانة وتؤلمهم جداً أمام الآخرين، حتى لو كان الجد والجدّة. الأفضل أن تأخذ ابنك في غرفة، وتتحدث معه وحده، ويكون هذا الأمر بينك وبينه بعيداً عن الناس، والأفضل أن تتفق معه على مكافأة سينالها لو التزم، وعقاب إذا لم يلتزم.
ثالثاً: لو تكرر الخطأ تدخله غرفة بمفرده، وتعاقبه بالعزل. وتقول له: «طالما أنت غير قادر على أن تحترم الناس بالقدر الكافي، وتكفّ عن مضايقتهم، إذن، فلتجلس بمفردك في الغرفة، ولا تنتقل منها من دون إذْن». ولو كان الطفل صغيراً جداً، ولا يجوز تركه بمفرده، عليك أن تبقى معه لمدة محددة، مثلاً نصف ساعة.
رابعاً: احترام طبيعة الطفل وحدوده الشخصية، بمعنى آخر، لا تهتمي كثيراً بكلمات أمك، أو حماتك. فمع كل الاحترام لهما، لكن هذه شخصيات مختلفة، والمجتمع أيضاً مختلف، ونحن جميعاً كنا مختلفين.
خامساً: أنت أيضاً أيتها الأم، حتى لا تقعي في مشكلة أثناء الزيارة في ما يخص موضوع الأكل، يجب أن تكوني حريصة على أن يتناول طفلك وجبة الطعام قبل خروجك من المنزل، وأن تحملي في حقيبتك دائماً طعاماً يحبه (موزة، تفاحة، كعك)، وخذي معك ألعابه الخاصة، وألوانه، لينشغل بها أثناء الزيارة.
سادساً: من الأفضل تعليم الطفل وتذكيره قبل الزيارة بضرورة احترام خصوصية المنزل، أو المكان المتواجدين فيه، مثلاً، القيام بخلع الحذاء قبل دخول المنزل، والاستئذان عند الدخول لأي غرفة فيه، وقبل استخدام أيّ شيء، أو أيّ لعبة، وعدم فتح الأدراج أو الخزائن، والتأكيد عليه بأنه ليس من المسموح التحرك بحرية داخل بيوت من نزورهم، والعبث بالأثاث، أو فتح الأبواب المغلقة، أو القفز على الأريكة، أو إلقاء الطعام على الأرض، وعدم دخول المطبخ وفتح الثلاجة وحده، عندما يريد أن يشرب، وترتيب المكان بعد اللعب، وإعادة الألعاب التي كان يلعب بها إلى مكانها.

آداب هامة علّميها طفلك قبل زيارة الأقارب والأصدقاء
وتتفق معه الدكتورة غادة حشاد، استشارية التربية والعلاج الأسري وصعوبات التعلم لدى الأطفال والمراهقين بالقاهرة، في أن زيارة الأقارب من أهم صور صِلة الرحم، وهي تعبير صادق عن المحبة والاهتمام، لكنها تختلف من شخص لآخر حسب الظروف، ويكفي أن تكون منتظمة ومتوازنة، من دون إفراط أو تفريط. لكنها في الوقت نفسه، ترى أنه مهما وجّهنا من ملاحظات وتعليمات لأطفالنا لن يؤثر فيهم بنفس درجة تعلّمهم منا، وتأثرهم بتصرفاتنا. فالطفل يلاحظ كل تصرف يقوم به والداه. لذلك يجب أن نكون قدوة لهم في سلوكنا، لأنهم سيقلدوننا، ويكررون تصرفاتنا وأقوالنا مع الآخرين.
وتشدد د. غادة حشاد على أهمية أن يكون الوالدان قدوة، ويعاملان كبار السّن باحترام حتى يقلدهما أطفالهما، وترى ضرورة التحدث الدائم مع الطفل عن أهمية احترام وتقدير الكبار، وشرح قيمتهم في حياتنا، وتعليم الطفل أساسيات التعامل مع الكبار، وجمل الاحترام، مثل «من فضلك، وشكراً، ولو سمحت...».
وتلفت د. غادة حشاد إلى أن كثيراً من الآباء يحرصون على تعليم أبنائهم الاحترام واللباقة في التعامل مع الأهل والأقارب خلال الزيارات العائلية، لكن أحياناً يتحول هذا الحرص إلى مبالغة مفرطة، تجعل الطفل يشعر بأنه محاصر من الآخرين، وأن المحيطين به يراقبون تصرفاته، وأنه يجب أن يخشاهم دائماً، ويتجنب الخطأ أمامهم بأيّ ثمن. وهنا، بدلاً من أن نربّي أبناء واثقين بأنفسهم نخلق أشخاصا خجولين، متردّدين يخشون المواجهة، ويتجنبون المواقف الاجتماعية خوفاً من الإحراج.
وتحذر د. غادة حشاد الأبوين من زرع الخوف من الزيارات والتعامل مع الناس في نفس الطفل، من خلال تكرار بعض الجمل على مسامعه، مثل: «انتبه لا تخطئ أمام الناس الجميع يراك!»، «الناس لن يسامحوا الأخطاء عليك أن تكون مثالياً»، «إذا قلت شيئاً خاطئاً سيسخرون منك»، «لا تجادل الكبار فقط أسكت واستمع»، «احترس لا ترفع صوتك أبداً، الناس سيأخذون عنك انطباعاً سيئاً».
وتقول: «هذه العبارات رغم نوايانا الحسنة، إلا أنها ترسل رسائل سلبية للطفل، مفادها أن رأيه لا قيمة له، وأن قيمته في أعين الناس أهم من ذاته. فالأبناء بحاجة إلى التوازن بين احترام الآخرين واحترام أنفسهم. لا تجعلهم يشعرون بأن قيمتهم تأتي من إرضاء الناس، أو عدم ارتكاب الأخطاء أمامهم».
وتستطرد: «وعندما يظهر الطفل سلوكاً سيئاً من المهم التعامل مع الموقف بهدوء ووعي، مع التركيز على تعديل السلوك بطريقة إيجابية. فلا نردّ بغضب أو انفعال، لأن ذلك قد يجعل الموقف أكثر توتراً. بل علينا أن نأخذ نفساً عميقاً، ونفكر في السبب وراء السلوك. فالأطفال لا يتصرفون بشكل سيئ من دون سبب، بل فقد يكونون جائعين، متعبين، يشعرون بالإحباط، أو يبحثون عن الانتباه. كل ما علينا فعله هو أن نحاول فهم الدافع وراء تصرفهم. وأن نقول لهم بطريقة واضحة وبسيطة، ما الخطأ الذي فعلوه، ولماذا هو غير مقبول. وأن نستخدم العواقب المناسبة مع السلوك، مثل حرمانه من شيء يحبه لفترة قصيرة، أو تكليفه بمهمة تصحيح خطئه (مثل تنظيف ما أفسده). تأكد من أن العواقب فورية وثابتة».

نصائح ذهبية لتعليم الأبناء آداب التزاور و«الخطوط الحمراء»
من جهته، يوجه الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي السلوكي وعلاج وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، بجامعة عين شمس، مجموعة من النصائح والإرشادات للآباء والأمهّات، تساعدهم على تعليم الأبناء آداب التزاور، وحسن التعامل مع الأقارب، وتوجيههم للطريق الأنسب في التعامل مع الأبناء في حالة ارتكاب خطأ خلال الزيارة:
- إذا صلح البيت صلح المجتمع، وإن كان هناك تقصير فلا عجب أن نرى أجيالاً لا تحترم الكبير، ولا تميّز بين الصح والخطأ، لأن التربية ليست مجرّد طعام وملبس، بل غرس قيم تبقى مدى الحياة. لكن للأسف، بعض الأهل لا يعلّمون أبناءهم احترام الآخرين، والتعامل بأخلاق حسنة، وبسبب غياب القدوة فإن الطفل يتأثر بما يراه في بيئته، فإذا كان الأهل أنفسهم لا يحترمون الآخرين سيفعل مثلهم.
- يجب على الوالدين تعليم الطفل أنه عند الدخول إلى منزل من نزورهم عليه إلقاء السلام والتحية، و مصافحة أصحاب المنزل، والرد على أسئلتهم بطريقة مهذبة، واستخدام الألقاب عندما يتكلم مع من هم أكبر منه سنّاً، وهذا يعلّمه احترامهم أيضاً.
- استخدام كلمات «من فضلك، لو سمحت …. » عندما يريد شيئاً، وشكرهم عند تلبية طلبه.
- يجب على الأهل احترام طبيعة الطفل، وعدم إجباره على فعل أشياء لا يريدها، فالطفل الذي لا يسلّم على الغرباء ليس وقحاً، أو غير مؤدب، بل قد يكون خجولاً، أو لا يشعر بالأمان. وهنا يجب احترام مشاعره، وعدم إجباره على التصرف وفق معايير الكبار.
- قدموا لأطفالكم تعزيزات إيجابية، فعندما يتصرف الطفل بطريقة جيدة علينا أن نمدحه ونشجعه. لأن التعزيز الإيجابي يعزز السلوك الجيد، أكثر من العقاب وحده.
- كلمات الكبار تخزن في ذاكرة الطفل، وقد تترك أثراً عميقاً في نفسه، لذا يجب مساعدة الطفل على قضاء وقت الزيارة من دون مضايقات، فاللسان قد يجرح أكثر من السيف، لذا مرفوض تماماً، من أيّ شخص مهما كانت صفته، السخرية من الأطفال، أو وصف أحدهم بأنه «سيئ»، أو «غبي» لأن الأمر ليس نكتة، بل تنمّر صريح، وقلة احترام.
- يجب تنبيه الآخرين، حتى لو كانوا أقرب الأقربين، للابتعاد عن الأسئلة المزعجة نفسياً للأبناء، مثلاً عن سبب تأخر الزواج، والوظيفة، والدراسة، والتخرج، وكذلك الابتعاد عن التعليقات المحرجة عن تغيّر الوزن، ونوع الملابس، والشكل.
- الابتعاد عن العتاب لعدم التواصل، وتقدير أن الناس مشغولون بأعمالهم وهموم حياتهم، وكذلك الابتعاد عن كثرة الشكوى ونشر السلبية .
- الزيارات العائلية ليست مكاناً مناسباً للحديث عن أسرار الأبناء، وتفاصيل حياتهم الخاصة، والأولى بالوالدين أن يحترما أولادهما أمام الناس، كي نعلمهم كيف يحترمون الآخرين، فلا يجوز أن نشكو منهم، ونعدّد أخطاءهم أمام الأهل والأقارب، وعلى مرأى ومسمع منهم، ولا يجوز أن نتعامل معهم بالإهانة والسخرية، لأن ذلك مرفوض تماماً.
- من المهم جداً أن نتعامل مع الطفل على أنه واعٍ، ويفهم ما يقال أمامه، لذا يجب عدم التقليل من قدر الأقارب من الجد، أو العم، أو الخال، وغيرهم، حتى لا تكسر قيمة الاحترام تجاههم، حتى إن حدث خلاف أمامه، فالواجب هنا عدم انتقاد الأشخاص بعينهم، وإنما نقد السلوك السلبي الصادر عنهم فقط، فالهدف هو تقويم سلوك الطفل، وليس التجريح في الأقرباء، وعزله عنهم.