يرى أن الاستسهال في الفتاوى من جانب المنتسبين زوراً إلى عالم الفقه وعلوم الشريعة يشكل كارثة كبيرة، وأن ثوابت الدين لا تحتاج إلى مثل هؤلاء، بل تظل آيات محكمات إلى يوم القيامة، ويؤكد أن فيروس «كورونا» تسبب في تغيير مجموعة من السلوكيات التي كانت تضيع لذة العبادة في رمضان.. هو الداعية الإسلامي الدكتور عمر عبدالكافي، يتحدث إلى «كل الأسرة» في لقاء يتجدد كل عام يجيب خلاله عن تساؤلات حول بعض القضايا المتعلقة بأمور شهر رمضان الفضيل وغيرها مما ارتبط بأزمة «كورونا»، وكانت السطور التالية:
للعام الثاني على التوالي تلاحق أزمة «كورونا» الشهر الفضيل، من خلال ملاحظاتك هل اختلفت نظرة البعض للحياة؟
انقسمت البشرية منذ أن بدأت الجائحة إلى ثلاثة أنواع، الأول حدث له حالة هلع وخوف شديد وهؤلاء الجمع من الناس رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى لإيمانهم بأنه المنجي الوحيد والقادر على خروج الخلق من أزمته، أما النوع الثاني فهم السببيون أي الذين يوكلون كل شيء للأسباب فلا علاقة بخالق الأسباب ومسهلها وميسرها بالأمر، إنما ينصبّ تفكيرهم على الناحية العلمية البحتة وهؤلاء هم من من انشغلوا بترقب العالم المتقدم ليخرج لهم بالحلول ويكشف عن العلاجات التي تنهي المسألة، أما القسم الثالث فتمركز حول اعتقاد أن الفيروس انتقام من الخالق بعد أن ابتعد الناس عن الله سبحانه وتعالى فطبق سنته الكونية في تعذيبهم، مستشهدين بحال من سبقوهم عندما ضلوا طريق الهداية، فعذب أقواماً بالطوفان، والريح العقيم، والجراد والقمّل والضفادع والدم، وغيرها، وأقول إن من تعلم الدرس هو المؤمن الحق الذي يلجأ إلى رب العباد في كل الأوقات مع الأخذ بالأسباب.
هل متابعة الأخبار المتعلقة بالوباء يزيد تمسك الإنسان بالطاعات؟
ليس بالضرورة، فهناك من يعتاد تلقي الأخبار وتصبح دون تأثير عليه، فمثلاً عند قيام الحروب يبدأ تلقي الناس أخبارها بذعر وخوف وربما يخشى البعض على آخرته، ثم يبدأون في أن يألفوا مشاهد الموت وعدد القتلى والجرحى، وكذلك فعلت «كورونا»، فبعد مرور ما يزيد على العام اعتاد البعض سماع أخبار الإصابات وأعداد الوفيات وهو ما لم يعد يؤثر فيهم، فكما يألف الإنسان النعم وينسى شكرها يألف أيضاً النقم ويتعود عليها، بل ويبدأ في التعامل معها وكأنها مرض مزمن لا مفر من التعايش معه.
يؤلمني عدم اكتظاظ المساجد بالناس لكن هذه ضرورة لتحقيق التباعد الاجتماعي
وهل ترى تغيراً في سلوكيات المسلمين خلال رمضان عن الأعوام التي سبقت الجائحة؟
كنا ننادي بالابتعاد عن كثير من السلوكيات التي تضيع لذة العبادة في رمضان لتأتي الجائحة وتفرض على الكثيرين التخلي عما علا فيه صوتنا بالتخلي عنه دون جدوى، مثل إقامة الولائم والعزائم، وهو شيء جيد، أما الذي يؤلمني فهو عدم اكتظاظ المساجد بالناس الذين يطلق عليهم الرمضانيون الموسميون ولكن هذه ضرورة لتحقيق التباعد الاجتماعي والحفاظ على حياة الناس.
الأزمات تكشف معادن الناس، من وجهة نظرك هل ما نمر به من ظروف استثنائية أفرز عن وجه آخر للبشرية؟
بكل تأكيد، إذ أفرز عن وجه القبح المادي، فالدول التي كانت تدّعي التقدم حدث فيها مفارقات عجيبة، فمنها من تعاملت مع ملف كبار السن بطريقة غير آدمية؛ إذ أخرجتهم من دور المسنين عندما أصابتهم الجائحة، وهناك ما كانت تدفن موتاها بطريقة وحشية، وأخرى غلبها الخوف المستبد من مصابيها، أما على مستوى الأشخاص فقد غلب الافتراس على طابع البعض، فخاف الغني على انتقاص ماله وامتنع عن مساعدة المحتاج، وتعامل قليل الحيلة دون رحمة مع من هو أقل منه فقطعت أرزاق ناس كثيرة بسبب الهمجية، وغيرها من المفارقات التي جعلتنا نحمد الله تعالى على تماسكنا بمبادئ ديننا الحنيف، الذي أوصانا بالتراحم والإيثار فيما بيننا.
تعاملت الإمارات بطريقة احترافية في مواجهة جائحة «كورونا»، وكانت من الدول السباقة في تطعيم القاطنين فيها، كيف تقيّم معالجتها لهذا الملف منذ البداية؟
قدمت الإمارات ما يجب أن تقدمه المجتمعات المتحضرة لقاطنيها، واتخذت كافة التدابير الممكنة لحماية الناس من فيروس «كورونا»، واستقر الوضع الصحي داخلها، فقدمت نموذجاً يحتذى به في هذا الملف المهم، ولا يخفى على الجميع الهدوء والسكينة التي ينعم بها الجميع نتيجة إدارة تلك الأزمة بحكمة واقتدار.
تحدثت عن أهمية أن يتحصن المسلم بالإيمان للنجاة من البلاء ومن ثم الأخذ بالأسباب، فهل افتقدنا لتلك البوصلة في حياتنا؟
مشكلتنا الحقيقية هي الجري وراء تحصين الأبدان فقط ونتوقف عن أخذ اللقاحات التي تزيد في قوة الإيمان، والتي تتمثل في التوبة الصادقة، والتخلي عن ظلم الناس، وعلاج القلوب من حسدها وغلها، والنفوس من كبرها وريائها، وغيرها من الأمور المنجية التي ترفع البلاء،
فقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124})، وقلت من أربعين سنة مضت أن الأمة الإسلامية تعيش حالة التيه، ويجب أن نعود منها حتى تستقيم البوصلة التي تقودنا إلى الوجهة الصحيحة ولقوة الإيمان.
ناديت كثيراً بتقليل الولائم في رمضان وهو ما فرضته الظروف للوقاية من العدوى، فما البديل لمن كان يقصد ثواب إطعام صائم؟
عن طريق الأبواب المشروعة التي تعمل تحت مظلة القانون، فلا يجب أن نسد باب ثواب تعلقت قلوبنا به، بل نبحث عن طرق شرعية تؤدى من خلاله.
يعاني البعض من الوحدة بسبب التباعد الاجتماعي، كيف نحيي طاعة كصلة الرحم خلال رمضان دون ضرر ولا ضرار؟
باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي أتاحت الفرصة للتقريب بين الناس، وعلى الجميع في ظل وجود الجائحة إحياء صلة الرحم بهذه الطرق الحديثة وجعلها أداة خير تجلب الثواب لمن يستخدمها.
قيام الليل والإتيان بالنوافل وقراءة القرآن الكريم مشروع طوال العام
تخشى بأن يكون القرآن الكريم مرتبطاً بطقوس موسمية عند المسلمين، فما السبيل لحل هذه الإشكالية من وجهة نظرك؟
لا أميل إلى الطاعات الموسمية، فمثلاً عندما يدخل رمضان أكون مسلماً جديداً وعند اقتراب انتهائه أعود أدراجي، فلا يجب أن يتحول الدين الإسلامي إلى طقوس مرتبطة بوقت معين، فقيام الليل والإتيان بالنوافل وقراءة القرآن الكريم مشروع طوال العام، وإنما يضاعف في رمضان لنيل الثواب وزيادة الحسنات، فيجب أن نكون عباداً لله وليس للمواسم.
دائماً ما تنظر للأمة الإسلامية بأن وضعها غير مثالي، فما الذي يخرجها من النفق المظلم؟
لم يصلح أمر هذه الأمة إلا بتطبيق كتاب الله وسنة رسوله، فالصحابة رضوان الله عليهم سمعوا نفس قرآننا وطبقوا سنة نبينا وصنعوا من المجد ما لم تصنعه أمة أخرى، فلماذا لا نكون مثلهم؟ فنحن أصحاب دين قوي في ذاته وباقٍ إلى يوم القيامة يتغير عليه أتباعه، إلا أنه صامد حتى زوال البشرية.
تلهينا الدنيا بمشاغلها، فكيف السبيل إلى صلاة تراويح وتهجد بها خشوع؟
إذا تعود الإنسان طوال العام إلى الإتيان بالنوافل ولو بالقليل، فسيأتي عليه رمضان وهو يصلي كل فروضه ونوافله بخشوع وتدبر، فلننظر في البدايات حتى تكتمل النهايات.
* تصوير: السيد رمضان