قسوة الوالدين لا تُنسى.. 12 قاعدة لتغيير أسوأ عاداتك في التعامل مع الأبناء

ليس هناك وجع أصعب من قسوة الأب، أو الأم، فهذا النوع من الوجع يظل موجوداً دائماً في الروح، مهما مرّ عليه الزمن، إذ إن أولادنا يولدون مثل الأواني الفارغة ونحن من نملأها بالحب، والدعم، والتشجيع، أو بالقسوة والصرامة الزائدة.
وللأسف، أن القسوة مهما كانت نيتها «التربية»، أو الحرص، تترك علامات لا تمحى بسهولة حتى مع الزمن، ولكن ما الحل إذا كانت قسوة الأب، أو الأم، ابتلاء يتعرض له بعض الأبناء؟
لكن الجميل أن خبراء التربية والعلاج الأسري يؤكدون دائماً، أن هناك فرصة جديدة، فرصة أن نبادر ونقول كلمة طيبة، ونمد أيدينا بالمحبة، ونسعى لإصلاح ما أفسدته القسوة، والصرامة الزائدة..
ولهذا طرحت «كل الأسرة» هذه القضية على عدد منهم وسألتهم: هل التربية الصحيحة لا تحتاج أبداً إلى القسوة؟ وما هو القدر المعقول الذي لا ينبغي تجاوزه؟ وما هو الدور الأساسي للأبوين في حياة الأبناء؟ وكيف يمكننا أن نربّي طفلاً سويّاً نفسياً؟

القسوة والصرامة لا تخلق أجيالاً صالحة
في البداية، يؤكد الدكتور جمال شفيق، أستاذ علم النفس الإكلينيكى ورئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، أن بعض الآباء والأمّهات يتصورون أن القسوة على الأبناء هي السبيل الأمثل لتربيتهم، بخاصة إذا ظهرت عليهم مظاهر التمرّد، على الرغم من أن الطفل الذي تظهر عليه بوادر العصيان وكثرة ارتكاب الأخطاء هو أحوج إنسان إلى المعاملة الرفيقة الليّنة، بخاصة أن التمرّد هو سلوك شائع في فترة الطفولة والمراهقة، ويكون غالباً أحد مظاهر النمو والرغبة في الاستقلال، والإحساس بالذاتية، وهو بهذا الاعتبار يحتاج إلى رعاية، وعناية، وحسن تعهد، فيؤتي ثمرة طيبة يكون الآباء أسعد الناس بها.
ولكن، يقول د. جمال «للأسف ينسى هؤلاء الآباء والأمهات أن العنف يحطم الشخصية، ويفقد الإنسان، حتى لو كان طفلاً، الثقة بنفسه، ويورثه كره الذين يمارسونه معه، ولا ينشأ إلا إنساناً جباناً، يخاف ولا يستحي، ويطيع رهبة وخوفاً، لا رغبة وحباً، وينفذ ما يؤمر به رعباً من العقاب، لا اقتناعاً بجدوى الصواب».
وينصح د. جمال شفيق الآباء والأمّهات بتعلّم اختيار العقوبة المناسبة، والمتناسبة مع السلوك السيئ للطفل، أو المراهق، حتى لا نثقل عليه بعقوبة شديدة لا تتناسب مع السلوك الذي ارتكبه، وتكون عواقب ذلك وخيمة. ويرى أن أفضل عقاب في الفترة العمرية من عمر 10 إلى 14 عاماً، تكون بإبعاده عن الأشياء المحبّبة إليه، مثل حرمانه من الذهاب إلى تمارين الرياضة التي يفضلها، أو حرمانه من الهاتف المحمول لفترة محدّدة، لكن ينبغي عدم الرجوع في هذا القرار إذا اتخذناه مهما حدث، لأن الرجوع فيه سيفقد الوالدين المكانة والهيبة أمام أولادهما.

أسباب القسوة ولماذا تعتبر الطريق الأسوأ في التربية؟
وتتفق معه الدكتورة أمل رضوان، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك بالقاهرة، في أن ظلم وقسوة الآباء على أبنائهم بمختلف صورها وأشكالها، المادية والمعنوية، يكون سببها الجهل، وقلة الوعي، وقلة الوازع الديني والأخلاقي عند بعضهم، أما البعض الآخر فتكون نتيجة لعقد نفسية بسبب ظروف قاسية عاشوها هم بدورهم، إضافة إلى كثرة ضغوط الحياة، وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، ما يدفعهم إلى القسوة على أبنائهم، والإحساس بأنهم عبء ثقيل ينغّص عليهم حياتهم، كما أن هناك بعض الآباء والأمّهات ليس لديهم أي استعداد لتحمّل مسؤوليات الزواج، سواء المتعلقة بالشريك، أو بالأبناء.
وتحذر د. أمل رضوان الآباء والأمّهات من القسوة والغلظة في التربية، كاستخدام الضرب المستمر، والسب، والشتم، بداعٍ أو من دون داع، وكذلك الجفاء الدائم في المعاملة، والنقد المستمر للابن، وعدم الإنصاف في هذا النقد، والاستهزاء به، والسخرية منه أمام الناس.
وتبيّن «يخطئ بعض الأهل في التصريح دائما بشعور عبء التربية، وإظهار ذلك أمام الأبناء، والتحدث به أمامهم، فيشعر الابن بالتالي بكره أبيه لأبوّته، كما أن البعض الآخر يخطئ في رغبته في صنع نسخة منه في ابنه، ويقارن بين ابنه وبين نفسه، ما يدفع الابن لكره شخصية أبيه. كما أحذر دائماً، وبشدّة، من استخدام الضرب كوسيلة لتهذيب الطفل، لأنه مرفوض تماماً، اجتماعياً و دينياً وتربوياً، حتى إن كان هذا الضرب خفيفاً، ولا يؤذيه جسدياً».

الآثار السلبية للقسوة على الأبناء
وترصد الدكتورة بعض التأثيرات السلبية للقسوة على الأبناء، وكيف يمكن للصرامة والحزم الزائدين أن يؤذيا الطفل ويسبّبا له المشكلات، ومنها:
- معاقبة الأطفال بالضرب، حتى لو كان الضرب رمزياً وخفيفاً، مثل ضربهم على أيديهم، يؤثر في صحتهم النفسية، ويزيد من السلوك العدواني العنيف، ويصبحون أكثر عصبية وعنفاً ويميلون إلى الانعزال. فالأطفال الذين يتعرضون للضرب على أيديهم بصفة مستمرة ترتفع لديهم احتمالات أن يكونوا أكثر تمرداً في سن البلوغ.
- تعرّض الطفل للعنف الأسري، حتى لو كان بالتعنيف اللفظي والإهمال النفسي، يتسبب بمشاكل مرضية مزمنة قد يصعب علاجها في بعض الحالات، ومنها اضطرابات النطق والكلام، والتبوّل اللاإرادي.
- وبخلاف الأعراض العضوية، هناك أيضاً أعراض نفسية، منها الشعور الدائم بعدم الأمان، الأحلام والكوابيس، القلق، الاكتئاب، الإحباط، المخاوف المرضية، الانحراف والممارسات الجنسية في مرحلة المراهقة، والسلوكات الخطرة، مثل التدخين، أو تعاطي المخدرات، وغيرها من المشكلات النفسية.
- نتيجة التعنّت مع الأبناء والقسوة والصرامة في التعامل معهم، نجد لدينا أولاداً وجيلاً يعانون ضعفاً في التقدير الذاتي للمسائل، وشخصيات عادة ما تكون مهتزة ومرتبكة، مع غياب كبير في الثقة بالنفس، وانعدام النضج.
- شعور الطفل بالنقص والاحتياج نتيجة قسوة الأبوين عليه ينتج طفلاً بليد المشاعر، لا يقدّر الآخرين، وقاسياً، وغليظ القلب عند التعامل مع الآخرين.
- كذلك يتصف الطفل بالأنانية، ووقتها لن يهتم بأحد، بل يهتم بنفسه فقط، وبالتالي، سينعكس على معاملته على والديه بالجحود، بمعنى أن القسوة التي حصل عليها في الصغر سيردّها لهما عند الكبر.
- يمكن أن يؤثر الحرمان من حنان الأب والأم، في قدرة الأولاد على بناء علاقات صحية في المستقبل. فيفشلون لاحقاً في القدرة على بناء العلاقات.

12 قاعدة للتخلص من القسوة مع الأبناء
من جهتها، تشدّد الدكتورة إيمان الريس، استشارية تعديل السلوك والخبيرة في العلاقات الأسرية بالقاهرة، على أن الكثير من الأسر تحتاج إلى حسن تعامل وتقدير لحجم مشاكل الأبناء.
وتقدم وصفات نفسية للتعامل مع أزمات التربية، ولكن من دون قسوة، من خلال قواعد تربوية لتغيير أسوأ العادات التي تفسد علاقتنا بالأبناء:
1. يجب على الآباء والأمّهات التحلّي بالهدوء عند التعامل مع الأبناء المراهقين في بداية تمرّدهم، أو حتى في أشد مراحل تمرّدهم، لأنهم في الحقيقة لا يزالون أطفالاً يحتاجون إلى من يفهمهم فقط.
2. ضرورة التوقف تماماً عن التعامل القاسي مع الأبناء، أياً كانت أعمارهم، وعدم تهديدهم وصفعهم، وضربهم، وحبسهم، ومنعهم من الأمور المفضلة لديهم، حتى إن كانت كل هذه الطرق تؤدي إلى نتائج رائعة.
3. ضرورة إظهار الحب والحنان لأولادنا، والتعبير عنهما بشكل صريح، فهم في هذه المرحلة العمرية يتخبّطون في مشاعرهم، وفي تقديرهم للأمور، ويحتاجون دائماً إلى الإحساس بأنهم أشخاص مرغوب فيهم.
4. للأسف، بعض الآباء والأمّهات ينظرون إلى مظاهر الحنان والحب على أنها ضعف تجاه الأبناء، فتمرّ السنون من دون أن يسمع الابن من أبيه، أو أمه، كلمة حانية، لأنهما للأسف يعتبران ذلك من مظاهر الترف الذي لا يضيّع فيه الأب والأم وقتهم.
5. الكثير منا لا يفهم أنه قد يقدم لأولاده أشياء عظيمة، ويضحي من أجلهم بالغالي والنفيس، ولكننا قد ننسى أحياناً التعبير عن حبنا لأولادنا بالكلام، مثل كلمات «أنا أحبك»، وكذلك ننسى احتضانهم وتقبيلهم، لكي يشعروا بالدفء والحنان.
6. يجب على الآباء والأمّهات أن يتركوا لأولادهم دائماً الحق في الاختيار، بدءاً من الدراسة، وشركاء الحياة، والمستقبل المهني، حتى لو كان لدى الأب والأم وجهات نظر صحيحة، وحكمة اكتسبوها بعامل السن، وخبرات حياتية كثيرة، لكن كل ذلك لا يعطيهم حق تقرير مصير ورغبات الابن، أو البنت، بإكراهه مثلاً على دراسة شيء لا يحبه، وتحقيق أمنية هو لا يتمناها، وواجبهم آنذاك هو النصح والإرشاد.
7. الاحتواء قبل التوجيه، فالأبناء لن يستجيبوا للأوامر، لكنهم سيفتحون قلوبهم عندما يشعرون بأننا نسمعهم ونتفهمهم، لذا يجب أن نستمع لهم من غير حكم، ونفتح لهم باب الكلام حتى إن لم يكن وفق أهوائنا.
8. كن قدوتهم لا رقيباً عليهم، فأطفالنا يتعلمون منا من دون أن نشعر، وعندما يرون أننا نتعامل مع الناس باحترام، أو نحلّ مشاكلنا بهدوء يتعلمون الشيء نفسه، فالتربية بالمثال وليست بالكلام.
9. نعطي للأبناء مساحة يتحركون فيها، نساعدهم على تحمّل مسؤولية تصرفاتهم، ونناقشهم من دون أن نفرض رأينا، لأنهم في كل الأحوال يبحثون عن استقلاليتهم.
10. نساعدهم على بناء ثقتهم بأنفسهم: فمثلاً استخدام كلمة أنا فخور بك تقوّي شخصيته أكثر من أيّ نقد. ووقت الخطأ يجب ألا نكسره، بل نعلّمه أن الخطأ دائماً فرصة للتعلم، وليس حكماً بالفشل.
11. في حالات الطلاق والانفصال يجب أن يتفاهم الأبوان حول طريقة التربية والقواعد المنظمة لعلاقتهما بالأبناء، فلا يجوز أن يستغني أحدهما عن دور الآخر تماماً، ويحاول أن يحل محله.
12. يجب على الوالدين، وكذلك الأبناء، البحث عن الدعم من الأهل والأصحاب، أو المتخصصين في الصحة النفسية.
اقرأ أيضاً: العنف ضد الأبناء.. يدمّر نفسيّاتهم ويقطع روابط المحبة