عندما تتحول المنازل من مكان آمن إلى مكان خطر جداً بفعل «العنف» نكون في حاجة إلى وقفة للإشارة لهذه الظاهرة التي بدأت تنتشر في المجتمعات المعاصرة بشكل كبير، ولمعرفة أسباب هذه الظاهرة ودوافعها وأشكالها والآثار المترتبة عليها وطرق مواجهتها والتصدي لها، تطل بنا سهير العليان، المستشارة الأسرية و«الكوتش» والمدرب المعتمد لدى مركز positive mind للتدريب والتطوير والاستشارات ومستشارة الرضاعة الطبيعية لدى مراكز شؤون الأسرة، على خطورة «العنف الأسري» وتهديده للأمن الشخصي والأسري والمجتمعي على حدٍ سواء.
تعرف العليان العنف بأنه «إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بأحد أفراد الأسرة بشكل نمطي متكرر وقد يشمل عدة صور مختلفة منها العنف تجاه الزوجة أو العنف تجاه الأطفال أو عنف الزوجة تجاه زوجها وهي حالات قليلة، وعادة ما يكون المعنف الذي يمارس العنف هو الطرف الأقوى ضد المعنف والذي يمثل الطرف الأضعف، ويمكن أن يكون العنف جسدياً أو نفسياً أو اقتصادياً وتختلف طبيعته بين الإساءة بالكلام أو الإساءة أو الإهمال أو الحرمان الاقتصادي ويمكن أن يصل مداه بأن يكون أذى جسدياً، وغالباً ما يتم التغاضي عنه لاعتقاد البعض بأنه مقبول ويندرج تحت باب المشكلات الأسرية».
أثبتت الدراسات أنه كلما زاد المستوى العلمي والتفكير والاطلاع على الثقافات قل مستوى العنف وكلما قل مستوى التعليم زادت نسبة العنف
توضح أن للعنف دوافع عديدة منها:
1- دوافع اجتماعية
متمثلة بالعادات والتقاليد التي يرثها الأبناء عن الآباء والتي ترتكز على الفهم الخاطئ والأفكار القديمة كقيادة الرجل للأسرة بالقوة و فهم الرجل الخاطئ للقوامة وحقه في السيطرة على المرأة وممتلكاتها، وقدرة الرجل وهيبته تكون بمدى فرض سيطرته على أسرته وإرهابها، ويصنف انعدام التواصل والحوار نوعاً من أنواع العنف الاجتماعي لما يتسبب به من آثار نفسية في الشخص.
وهذا النوع من العنف لا يقتصر على الأسرة إنما يمكن أن يمارس على مستوى العديد من العلاقات الاجتماعية ويمكن أن يكون تعامل بعض الأصدقاء يحمل نوعاً من أنواع العنف عندما ينقل هذا الشخص العنف الذي تعرض له داخل الأسرة بالتنمر على أصدقائه، وبالتالي تختلف طبقات المجتمعات، فهناك المتعلم والمتوسط التعليم وغير المتعلم، ومستوى العنف يختلف في هذه الطبقات لكن هذا لا يعني أن المتعلم لا يمكن أن يكون شخصاً عنيفاً، فهناك من يعاني اضطرابات نفسية متعددة وقد أثبتت الدراسات أنه كلما زاد المستوى العلمي والتفكير والاطلاع على الثقافات قل مستوى العنف وكلما قل مستوى التعليم زادت نسبة العنف.
2- اضطراب العلاقة بين الزوجين
نتيجة عدم الانسجام في جوانب مختلفة من الحياة منها التعليمية والاجتماعية والتربوية كالاختلاف على طريقة تربية الأبناء وتضارب عاطفة الأم وقساوة الأب في التعامل، فبينما يفرض الأب قوانين صارمة تمنح الأم لأبنائها أي شيء بدافع العاطفة وهذا الأمر يسبب في رد فعل عكسي من قبل الأب تجاه الزوجة والأبناء.
3- دوافع اقتصادية
وهو من أكثر أنواع العنف الموجودة في وقتنا الحاضر خاصةً مع انتشار جائحة «كورونا» وتأثر الكثير من فئات المجتمع بهذه الجائحة وفقدانهم وظائفهم وتراكم الديون أو اللجوء للرهن مسببةً ضغوط نفسية على الزوج أدت إلى ممارسته العنف تجاه أفراد أسرته بسبب مشاعر الإحباط والخيبة والتوتر التي يعيشها لعدم قدرته على الإيفاء بالتزاماته والقيام بمسؤولياته تجاههم، كذلك الجهل بمفهوم المشاركة وممارسة الزوج ضغوطه على زوجته وإجبارها على الإنفاق على المنزل عندما تكون موظفة أو ادخار الزوجة مرتبها وعدم مشاركتها الزوج في مسؤولية الإنفاق هو نوع من أنواع العنف الاقتصادي، وهذا لا يتناقض مع مسؤولية الزوج في الإنفاق فالزواج شراكة لمؤسسة كلا الطرفين مسؤول عن إدارتها.
4- الدوافع الذاتية والنفسية
هي الدوافع النابعة من داخل الشخص وتدفعه لممارسة العنف بسبب سوء التربية أو النشأة في بيئة عنيفة مسببة صعوبة التحكم في الغضب وتدني احترام الذات والإحساس بالنقص و بسبب سوء التعامل سواء من الأبوين أو الإخوة مسبباً اضطرابات شخصية، لذا على الأبوين الاهتمام بالتربية النفسية للطفل كاهتمامهم بالأكل والشرب والتعليم، بالرفع من ثقته وتقديره لذاته من خلال تزويده بالثقافة والمعلومات وتوفير مصادر العلم لينشأ شخص قوي يمنع أو يقاوم تعرضه للعنف من صاحب شخصية قوية، والقوة لا تعني السيطرة على الآخرين ومصادرة رأيهم ومعتقداتهم وثقافاتهم فالاختلاف لا يعني أن الآخر عدوي، نضع القوانين ونزرع القيم في أطفالنا وإعطاؤهم فرصة لاتخاذ بعض القرارات وتحميلهم بعض المسؤوليات.
تشرح العليان أن العنف يتخذ أشكالاً عدة، ويمكن تحديد أنواعه بـ:
العنف الجسدي:
وهو من أوضح الأنواع لما يترتب عليه من إصابة وألم في الجسد مثل الضرب والصفع والدفع واللكم، وهو من أسهل أنواع العنف التي يمكن معالجتها لسهولة كشفها وإدانتها من قبل المجتمع أو الهيئات المعنية بالأسرة.
العنف النفسي أو اللفظي:
وهو من أكثر أنواع العنف انتشاراً إلا أنه من أصعب الأنواع من حيث القدرة على كشفه ومعالجته، وتكمن خطورته في تدمير نفس الضحية من دون دليل أو آثار ويكون بنعت الشخص بألفاظ نابية أو شتمه أو الاستهزاء به باستخدام أسلوب التهكم والسخرية، النقد المستمر والدائم في جميع المواقف، التقليل من الشخص وإيهامه بالعجز، عدم اهتمام الأهل بالأبناء وإهمال احتياجاتهم أحد أسباب العنف النفسي، بالتالي يفرز للمجتمع شخص غير سوي يهدم المجتمع بالكامل، بناء الإنسان يحتاج لوعي الأب والأم والأسرة الكبيرة.
العنف الجنسي:
هو أي فعل جنسي سواء كان مباشراً أو غير مباشر دون إرادة الشخص أو موافقته.
العنف الاقتصادي:
والذي غالباً ما تعانيه النساء بسبب سيطرة الرجل على الموارد المالية وجعل المرأة تابعة له من هذه الناحية للسيطرة عليها، وكذلك التصرف بأموال الزوجة أو إجبارها على إنفاق دخلها على المنزل.
وللعنف آثار، توضحها العليان:
للعنف الأسري آثار كثيرة تلقي بظلالها على المجتمع الأسرة والفرد، منها ما هو اجتماعي واقتصادي وأمني وصحي بالدرجة الأولى، فمن آثاره النفسية الإصابة بالاضطرابات والضغوط النفسية والتوتر، واجتماعياً أسرة ضعيفة مفككة بسبب الطلاق وتشتت الأبناء وانحرافهم ومعاقرة الخمر والمخدرات، مسبباً تمزقاً في الروابط الاجتماعية وتدمير العلاقات الأسرية، وصحياً التسبب في التهابات المفاصل بسبب الضرب وأمراض الضغط وعاهات مستديمة في الجسم قد تؤدي إلى الموت، ومن الناحية الأمنية جنوح الأحداث وانتشار الجريمة وبالتالي تهديد كيان المجتمع بأسره.
* للإبلاغ عن عنف أسري .. أنقر هنا
اقرأ أيضًا: هل ينصف القانون الإماراتي المرأة المعنفة؟
هل تعرضت للعنف؟