يقع الكثير من الآباء دون قصد في فخ استخدام أسلوب التهديد بفضح أخطاء أبنائهم أمام المقربين، زارعين في نفوسهم بذور الخجل والخوف، فيتحول هذا الأسلوب إلى شكل من أشكال العنف التربوي الصامت الذي لا يرى بالعين، لكنه يحس ويخزن في ذاكرة الطفل كجرح يصعب نسيانه أو تجاهله.
في هذا الإطار تسلط د. أسماء نزار أدلبي، المتخصصة في القياس والتقويم النفسي والتربوي، الضوء على الآثار الخطرة لهذا السلوك، مقدمة رؤية علمية وتربوية حول مخاطره، وسبل تجاوزه بأساليب داعمة تبني شخصية الطفل بدلاً من تقويضها:
تقول د. أسماء أدلبي «في زحمة التحديات اليومية وتحت ضغط المثالية الأبوية، يقع كثير من الآباء في فخ تربية أبنائهم بالخجل، لا بالتوجيه، مستخدمين سلوكاً شائعاً وخطراً في آن واحد معاً، ألا وهو «تهديد الطفل بفضح أخطائه أمام الآخرين»، سواء أمام الأقارب أو الأصدقاء، ويتحول هذا السلوك إلى شكل من أشكال العنف الصامت الذي قد لا يرى، لكنه يحسّ ويخزن في أعماق الطفل ووجدانه كذكرى مؤلمة يصعب محوها».
لكن ما الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن تهديد فضح خطأ الطفل؟ وكيف يمكن للآباء أن يعالجوا الأخطاء بأسلوب يدعم شخصية الطفل بدلاً من تقويضها؟ تشير د. أسماء أدلبي «حين يهدد الطفل بفضح خطئه، فإن أول ما يصاب هو ثقته بنفسه، وعوضاً عن أن يكون هذا الخطأ تجربة يتعلم منها، يتحول إلى (عار داخلي)، يعيد إنتاجه في شكل خجل دائم، أو خوف من التكرار، أو ذنب يذكره بمرارة التشهير. وبدلاً من تعلم فضيلة الاعتراف بخطأ وتصحيحه، يتعلم كيف يخفيه أو ينكره. لتتشكل في داخله آليات دفاع نفسية مبكرة، تبني شخصيته حول تفادي العقاب لا حول تحمّل المسؤولية».
كما تبين أن استخدام الآباء أو المربين سلطة تخويف الطفل وإذلاله نفسياً بغاية التهذيب أو التعليم يدخل في دائرة (التنمر التربوي). ومع تكرار التهديد، تتسرب إلى نفسية الطفل أعراض نفسية وسلوكية خطرة، أبرزها:
أما عن تأثير التهديد والتقليل من الشأن في الطفل وانعكاسه على تطوره وعلاقته بوالديه، فتوضح د. أسماء «يختلف وقع هذا السلوك باختلاف المرحلة العمرية. ففي مرحلة الطفولة المبكرة يكون الأثر أشد وقعاً، لأن الطفل لم يطور بعد أدوات الفهم النقدي أو الحماية النفسية، فيترجم الموقف على أنه تقليل من قيمته الشخصية. أما في مرحلة المراهقة، فإن التهديد يتحول إلى شرخٍ حاد في العلاقة مع الأهل، مولداً مقاومة عنيفة أو انغلاقاً تاماً، خاصة أن المراهق يدرك مفهوم الكرامة الاجتماعية ويبدأ بتكوين صورته الذاتية من خلال الآخرين. على المدى الطويل، تتأثر العلاقة بين الطفل ووالديه بشكل عميق، ويبدأ بفقدان الشعور بالأمان في الحديث معهم، مفضلاً الصمت أو الانسحاب، حتى في الأمور التي تمس حياته، وتتحول العلاقة إلى علاقة مشروطة، أساسها الخوف والرقابة، بدلاً من الحب والثقة، ما يضعف النسيج الأسري ويهدد التماسك العاطفي داخله».
التربية الناجحة ليست ساحة لإصدار الأحكام أو العقوبات القاسية، بل هي مساحة للفهم، والإصغاء، والدعم، وتصحيح السلوك بأسلوب يحفظ كرامة الطفل ويقوّي ثقته بنفسه. في هذا الإطار، تقدم د. أسماء أدلبي جملة من التوصيات العملية للآباء والمربين، لضمان التعامل الصحيح مع أخطاء الأبناء:
تختم د. أسماء «كرامة الطفل النفسية ليست ترفاً تربوياً يمكن تجاهله، بل هي حق أصيل من المهم أن يصان في كل موقف. فالطفل الذي تجرح كرامته اليوم يصعب ترميم ما كسر في داخله في الغد، وكل طفل يستحق أن يخطئ في بيئة تحتضنه وترعاه، لا في عيون ترصده وتهدده بالفضيحة كلما تعثر. هكذا يمكن أن نمنح أبناءنا فرصة لينشؤوا أقوياء واثقين بأنفسهم، قادرين على مواجهة أخطائهم وتصحيحها بشجاعة».