15 يونيو 2025

كيف نحمي الأبناء من دراما العنف ومواقع الإنترنت المظلم؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تجسد الدراما العربية، بين والحين والآخر، بعض الحوادث والجرائم التي وقعت بالفعل، وفي أحيان كثيرة تسلط الضوء على المتعلقة منها بالقتل، والعنف، وإيذاء الغير، والتي يكون أبطال العمل فيها من الأطفال والمراهقين، سواء كانوا جناة، أو ضحايا، وفي الأغلب تحقق مثل هذه الأعمال نسب مشاهدة عالية، لكونها تمسّ الواقع من دون تزييف للحقائق، لتأتي مواقع الإنترنت المظلم لتضيف هي الأخرى خطراً لا يقل بشاعة عن سابقته.

والسؤال الذي يطرح نفسه، ما مدى تأثير تعرّض الأطفال والمراهقين لمشاهد تعكس تلك الحوادث المؤلمة؟ وهل يُعد علمهم بتفاصيلها جانباً إيجابياً يزيدهم وعياً بخطورة إعطاء الثقة لمن لا يستحقها، أم أنها تفتح مجالاً لإثارة الفضول لديهم، والتعمّق أكثر في فحواها؟. أسئلة كثيرة تشغل بال بعض الآباء والأمهات.

مجلة كل الأسرة

الدكتورة عائشة الجناحي، كاتبة ومدربة ومحاضرة في شؤون الأسرة والأبناء، تقول «توعية الأبناء بأهمية تجنّب الغرباء شيء غاية في الأهمية، بخاصة في المرحلة العمرية المبكرة، لكونها تجنبهم ويلات الوقوع فريسة سهلة للغرباء، أو المرضى النفسيين، الذين يضمرون الشر، ولديهم رغبة في استغلال الأطفال الأبرياء، والمراهقين. ولكن المشكلة تكمن في فحوى المعروض على الشاشات، وتفاصيله غير الإنسانية، لأن الجرعات المكثفة والتفاصيل البشعة ربما تثير حب الاستطلاع، بخاصة لدى المراهقين، الذين تعّد مرحلتهم العمرية مرحلة إثبات الذات، والخطر الحقيقي يكمن في أن يطّلع عليه الطفل قبل أن يكتشف نفسه، وهويته، ومعاييره الأخلاقية».

وتضيف «بلا شك، الطفولة المبكرة من أهم المراحل العمرية التي يمرّ بها الإنسان، لكونها تؤثر بشكل كبير في المراحل اللاحقة، سواء في النموّ الجسدي، أو النفسي، أو الاجتماعي، أو العقلي، لذا ينبغي الاهتمام بالطفل، بخاصة أنه لا يتلقى ما تعرضه الدراما فقط، بل يتعرض لما يتم تداوله في الفضاء الإلكتروني الواسع من مواقع يقودها إما مرضى نفسيون، وإما باحثون عن كسب المال السريع. لذا، وجب التنويه بأن هذا الأمر يُعد سلاحاً ذا حدّين، لأنه من جهة يعتبر تنبيهاً ووعياً واقعياً بمخاطر هذا العالم، وما يُدار في الخفاء، وبما يوقظ الأهل والأبناء من حالة الغفلة، ومن جهة أخرى، قد يُثير فضول المراهقين لاكتشاف «ما هذا الذي يخيف الجميع؟»، بخاصة لدى من لديهم حب الاكتشاف، والتجربة، أو التمرّد. وهذا يحتم علينا اليوم توفير طرح توعوي ومدروس بإتقان، لا صادماً درامياً بهدف الإثارة، والتشويق الذي قد يكون له نتائج عكسية».

لابد من مشاركة الأبناء ما يشاهدونه أو يتابعونه عبر الوسائل الإعلامية المختلفة

ولحماية الأبناء ممّا يعرض عليهم من محتوى دموي في أيّ وسيلة إعلامية، ترى الدكتورة عائشة الجناحي أنه «لابد من العمل على مشاركة الأبناء ما يشاهدونه أو يتابعونه، سواء في الإعلام التقليدي، أو الحديث، وتقديم شرح مبسط عن ماهية المواقع التي تعرض مشاهد دموية، ووضع قواعد استخدام واضحة للشبكة العنكبوتية، بما في ذلك حظر الوصول إلى ما يعرف بالإنترنت المظلم، واستخدام برامج الرقابة الوالدية، لما لها من دور في تتبّع نشاط الأطفال على المواقع، وحمايتهم من المحتوى الضار، بجانب توعية الأبناء بكيفية حماية خصوصيتهم على هذه الشبكات، وتعزيّز وعيهم الرقمي، تجنباً للوقوع في مصيدة الغرباء، وأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأطفالهما في انتقاء ما يتابعونه على الشاشات، بجانب استخدام الإنترنت بشكل إيجابي ومسؤول».

مجلة كل الأسرة

نصائح لحماية الأبناء من المحتوى الدرامي الدموي

تقدم د. عائشة الجناحي، نصائح لحماية الأبناء من مخاطر ما يتعرضون له من محتوى درامي دموي، أو محاكاة للحوادث عبر الإنترنت المظلم:

  • شارك ابنك في محتوى الدراما التي يشاهدها، وتأكد من مشاهدته للأعمال التي تناسب عمره، واحرص على عدم تعرّضه لمشاهد العنف، لأنها من الممكن أن تترك أثراً سلبياً فيه.
  • أظهر لابنك أهمية التعامل الآمن مع الإنترنت، وتوعيته بأن العالم الرقمي ليس أقل خطراً من الواقعي، وأن خصوصيته ومعلوماته لها حدود لا يجب تجاوزها، وشاركه قصصاً حقيقية (بلغة مناسبة لعمره)، تبين العواقب المحتملة، لكن من دون تخويف مفرط.
  • اجعل من وجودك الرقمي رسالة تربوية صامتة، فسلوكك الرقمي هو أقوى من أيّ توجيه مباشر، وعندما يراك ابنك تحترم وقتك، وتتجنب المواقع غير المسؤولة، وتستخدم الإنترنت بوعي، يتعلّم تلقائياً من دون أي محاضرات، ونصائح متكررة.
  • شجّعه على مصارحتك بأي شيء يشكل مصدر قلق بالنسبة إليه، وقل له بوضوح «إذا صادفت شيئاً غريباً أو مخيفاً على الإنترنت، أخبرني فوراً، فأنا موجود لحمايتك، وليس لمعاقبتك»، فهذه الجملة البسيطة تخلق جسراً من الثقة يُقلل من احتمالية اللجوء للأصدقاء، أو اتّباع حلول خطرة.
  • أخبره أنك دائماً إلى جانبه، وطمئنه أنك لن تصدر أحكاماً، بل ستساعده على تجاوز أيّ مأزق قد يواجهه، فالثقة المتبادلة هي خط الدفاع الأول ضد الغرباء الرقميين.
  • اجعل منزلك بيئة آمنة للحوار الرقمي، وخصّص وقتاً دورياً للحديث عن الإنترنت، والتطبيقات الجديدة، فهذه الجلسات المفتوحة تعني وعياً مستمراً وتدخّلاً مبكراً في حال حدوث أي مشكلة.
  • افتح باباً للحوار المفتوح والحديث الواعي، واجعل حضورك الأبوي يتحدث عن نفسه، فهذا يُعد جدار الحماية الحقيقي، والأقوى، الذي يُنجي الأبناء من العثرات، والانزلاقات الحياتية.