غالباً ما يستخدم الأهل الطعام كوسيلة للعقاب، أو المكافأة، من دون تكلف عناء البحث عن أساليب أخرى سليمة، وفي حين أن هذا النهج قد يبدو مجدياً على المدى القصير لتحفيز السلوك المطلوب، أو ردع السلوك غير المرغوب فيه، إلا أنه قد يحمل آثاراً سلبية في نمو الأطفال على المدى البعيد.
في تحقيقنا هذا سنستعرض مع المختصين في المجالات التربوية، والنفسية، والصحية، أهمّ الآثار السلبية لهذا الأسلوب، كما سنقدم الاستراتيجيات المناسبة والفعالة التي تساعد على تربية الأطفال بطرق أكثر صحية:
الكثير من هذه الجمل، أو ما على شاكلتها يستخدمها الآباء والأمهات لتعديل سلوك الأبناء، أو تشجيعهم على القيام بالأمور المطلوبة منهم، فما مدى فاعلية هذا الأسلوب؟ وما مدى تأثيره؟.. أسئلة تجيبنا عنها أخصائية تعديل السلوك، فيروز محمد الغنما «في الكثير من الآحيان سهولة استخدام الطعام لتنفيذ العقوبة، أو المكافأة، تجعل منه خياراً مناسباً للعديد من الآباء والأمهات لتعزيز سلوك إيجابي، حيث يعرف الطفل أنه سيحصل على مكافأة لو فعل شيئاً جيداً، أو حقق هدفاً معيناً، على الجانب الآخر يكون الطعام عقاباً عندما لا يلتزم بالقواعد والتعليمات المحددة، وإن نجح هذا الأسلوب في بعض الأحيان بالتأكيد ستكون له عواقب سلبية».
تبيّن فيروز «يضطر الأهل أحياناً لاعتماد هذه الطريقة، لكن عليهم أن يعوا أهمية البحث عن أساليب سليمة لتوجيه الأطفال، وتعليمهم السلوكات الصحيحة، بدلاً من الاعتماد على الطعام كوسيلة رئيسية لتشجيعهم، فالهدف الرئيسي هو تعزيز السلوك الإيجابي، وتعليمهم الانضباط، وهنا تبرز أهمية البحث عن طرق أخرى لتحفيز الأطفال، وتربيتهم بشكل سليم، بعيداً عن هذه الأساليب».
وتوضح الأبعاد السلبية لهذا الأسلوب «مع مرور الوقت تتوتر العلاقة بين الطفل والأهل، فيشعر بأن حصوله على حبهم مرتبط بالأكل ما يؤثر سلباً في تقديره لذاته، وتطوره العاطفي والاجتماعي، ويبدأ بربط الطعام بالمشاعر والسلوكات بدلاً من الإحساس بالجوع، أو الشبع، وبالتالي تكون النتيجة اضطرابات في الأكل، فإما يصاب بالسمنة، أو سوء التغذية».
خطوات تعزيز السلوك الإيجابي لدى الأطفال
للابتعاد عن الأساليب السلبية غير الناجحة، تضع أخصائية تعديل السلوك مجموعة من الخطوات لمساعدة الآباء والأمهات على تعزيز السلوك الإيجابي لدى الأطفال:
في النهاية من الأفضل أن يتبع الأهل نهجاً يعتمد على التواصل الفعاّل لبناء علاقة إيجابية مع الأطفال وتدريبهم على التعبير عن مشاعرهم والاستماع لهم.
الآثار السلبية لاستخدام الطعام مكافأة أو عقاباً
من جهتها، ترصد أخصائية علم النفس الإكلينيكي، د. ميرنا شوبح، أثر ربط الأكل بالمكافأة أو العقاب، في العلاقة النفسية للطفل مع الطعام على المدى الطويل «الاهتمام بعادات الأكل عند الطفل منذ نعومة أظفاره يُعد أمراً في غاية الأهمية، ولأجل تطوير علاقة صحية وسليمة يجب ألا يكون الطعام موضع مساومة، كما لا يجوز استخدامه كمكافأة، أو عقاب، أو لأي غرض آخر غير الغذاء، لكونه أحد العناصر الأساسية للحياة، لكن للأسف من الشائع إقدام الأهل على استخدام هذا الأسلوب كمكافأة، أو عقاب على سلوك الطفل، بالتالي يقوّض هذا التصرف عادات الأكل الصحية، أو السلوكية التي يحاولون تعليمها لأطفالهم، والتي تتعارض مع قدراتهم الطبيعية، كما أنه يشجعهم على تناول الطعام عندما لا يكونون جائعين لمكافأة أنفسهم».
تشرح د. ميرنا مبدأ المكافأة والعقاب «يبدو المفهومان مختلفين تماماً في الظاهر، لكنهما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة، فكلاهما مجرد دافع خارجي يركّز على سلوك الطفل، وله تأثير فوري، فلا يرى الأهل سوى النتيجة الرئيسية «الطاعة»، من دون استيعاب الأثر السلبي في المدى الطويل المرتبط بشخصية الطفل في طور النمو والذي يظهر على شكل:
توضح د. ميرنا مدى تأثير هذه الممارسات في تشكيل عادات غير صحية «السعي وراء مكافأة الطفل على تناول الطعام، واستخدامه كـرشوة يهيئ الأطفال للشعور بالإحباط، ونشأة علاقة غير صحية مع الطعام، عندما يكبر، وهذا قد يتسبب باضطرابات في الأكل، مثل فقدان الشهية، أو الإفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن، والنفور من الأطعمة الصحية المغذية في حال إجبارهم على تناولها. كذلك هو الحال عند منح الطفل مكافأة على تناول الطعام، حيث يمكن أن يتسبب بخيبة أمل لديهم عندما يكبرون ويدركون عدم وجود من يقدّر جهودهم في تناول طعام لا يروق لهم. فاستخدام أسلوب المكافأة والعقوبة لا يؤدي إلى تبديل مواقف الطفل الذي يعمد لتكييف سلوكاته وفقاً لمصالحه الخاصة، ويحصل الشيء نفسه عندما لا يكون الأهل موجودين لمراقبة الطفل، إذ في هذه الحال، يغيب نظام العقوبات والمكافآت، فيسرح الطفل ويمرح على هواه، ويتصرف كما يريد، متجاوزاً رغبات الوالدين».
تكشف د. ميرنا تداعيات استخدام هذه الممارسات على الارتباط العاطفي بالطعام «استخدام الأكل كمكافأة يعلم الطفل أن الطعام هو الشيء الوحيد الذي يجلب له السعادة، كما يعلمه أنه الوسيلة الوحيدة لملء الفراغات العاطفية، ووفقاً للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فإن الصغار قد يستخدمون الطعام لتفادي المشاعر، أو المواقف التي يصعب عليهم التعامل معها، من ناحية أخرى استخدام الطعام كعقاب، يعلّم الطفل أن الطعام شيء سلبي».
بروز عادات غذائية سيئة لدى الطفل
لا يخفى أيضاً، أن التأثير السلبي لاستخدام الطعام كمكافأة أو عقاب لا يتوقف عند السلوكات تربوية، بل يمكن أن يتطور إلى عدة عادات غذائية سيئة عند الطفل، تتوقف عندها د. لينا دوماني، أخصائية التغذية في مستشفى ميدكير- جميرا:
تؤكد د. لينا أهمية تشجيع الأطفال على تناول الطعام بشكل متوازن، والاستماع إلى إشارات أجسامهم لتجنب تطور بعض العادات السيئة، كما تضع جملة من النتائج التي يمكن أن تؤثر في علاقة الطفل النفسية مع الأكل نتيجة استخدامه كمكافأة أو عقاب منها:
كما ترصد د. لينا أهمية دور الأهل في تعزيز علاقة الطفل الصحية بالطعام، من خلال تشجيعه على الأكل المتوازن والمتنوع من دون استخدامه كأداة للمكافأة، أو العقاب، وتطوير سلوكات غير صحية من خلال بعض الأمثلة: