الكاتبة الإماراتية نادية النجار: الكاتب نتاج البيئة التي نشأ فيها وتجاربه وقراءاته
ترى أن الكاتب نتاج بيئته التي نشأ فيها، وتجاربه في الحياة، وقراءاته منذ صغره، رحلاته ومعارفه وأصدقائه، فعندما تكتب لا يشغلها التفكير في قضية معينة لأنها ترى أن في كل حكاية تسرّ بها للقلم تكمن قضية مهمة، وفي كل شخصية روائية مهما بدت بسيطة تجد جانباً عميقاً يستحق أن يبرز ويضاء، لها إصدارات عديدة في مجال الرواية والقصة القصيرة وأدب الطفل، كما حصلت على جوائز كثيرة، منها: جائزة معرض الشارقة للكتاب لأفضل كتاب إماراتي عن «ثلاثية الدال» وتمت ترجمته إلى عدة لغات، و«جائزة الإمارات للرواية» و«جائزة العويس»، و«جائزة الدكتور عبدالعزيز المنصور»، ورشح عدد من كتبها لجائزة الشيخ زايد للكتاب.
هي الكاتبة الإماراتية نادية النجار، التقيناها لنتعرف إلى جانب من ملامح شخصيتها وطريقتها الإبداعية في الكتابة:
تخصصت في دراسة الحاسب الآلي، فهل تعملين بنفس المجال بجانب ممارستك للكتابة؟
كانت دراستي الجامعية في علوم الحاسب الآلي وكان تخصصاً حديثاً حينها، ولكني لم أعمل في نفس المجال، ولم أتوقع أبداً أن أدخل مجالاً مختلفاً ألا وهو الكتابة الإبداعية.
ما طبيعة الإصدارات التي تضمها مكتبتك الخاصة، وهل تحبين القراءة في مجال محدد؟
على المؤلف والروائي والقاص ومن يعمل في مجال الكتابة الإبداعية أن يقرأ المعارف المختلفة، وكل الأجناس الأدبية، فأنا أقرأ الشعر والرواية والقصة وأتمعن التاريخ والتراث والفلسفة والسياسة، ولا تخلو مكتبتي منها، ولكن بطبيعة الحال تبقى الرواية على قائمة قراءاتي.
أصدرت تسعة كتب للأطفال والناشئة، منها كتابين مصورين صدرا في مهرجان الشارقة القرائي للطفل في دورته الأخيرة.
لديك مؤلفات عدة، هل يمكن أن تطلعينا على بعض منها؟
بدأت بكتابة الرواية، وكانت أولها «منفى الذاكرة» ثم تلتها «مدائن اللهفة»، التي فازت بجائزة الإمارات للرواية عن فئة الرواية القصيرة، ثم كتبت رواية «ثلاثية الدال»، بعدها نشرت مجموعة قصصية عنوانها «لعبة البازل» وهي مجموعة قصص قصيرة، وقصيرة جداً، واتجهت أيضاً إلى أدب الطفل وحتى اليوم أصدرت تسعة كتب للأطفال والناشئة، منها كتابين مصورين صدرا في مهرجان الشارقة القرائي للطفل في دورته الأخيرة.
ما أبرز العوامل التي لعبت دوراً في تكوين ملامح شخصية الكاتب بداخلك؟
الكاتب نتاج البيئة التي نشأ فيها، وتجاربه في الحياة، وقراءاته منذ صغره، ورحلاته ومعارفه وأصدقائه، وأظن أن كل تلك العوامل تؤثر في تكوين ملامح الكاتب بداخلي.
ما أبرز القضايا التي تشغل تفكيرك، وتحبين الكتابة فيها؟
عندما أكتب لا أفكر في قضية معينة، إنها تأتي لوحدها، ففي كل حكاية تكمن قضايا مهمة، وفي كل شخصية روائية مهما بدت بسيطة تجد جانباً عميقاً يستحق أن نبرزه ونضيئه، أنا عندما أكتُب، أفكر في الإنسان.
فزت بجائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب عن أفضل كتاب إماراتي ما أكثر ما يميزه عن غيره؟
تدور أحداث رواية «ثلاثية الدال» عن كارثة حقيقية حدثت في إمارة دبي، وهي احتراق وغرق سفينة «دارا» في 8 إبريل عام 1961، قبل رحلتها المفترضة إلى الهند، واخترت الكتابة عن حدث حقيقي لأرويها من وجهة نظر شخصيات عادية تخيلتها عاصرت الحادثة، ومن جنسيات مختلفة. وبحثتُ في جميع المصادر، المكتوبة، المصورة، الشفهية، المتوفرة عن تلك الحادثة والفترة الزمنية، ومن ثم تخيلت الحادثة بأعين ومشاعر الأشخاص الذين كانوا على متنها، المسافرون، التجار، الباعة الجائلون، وغيرهم. أشبعت كتابتي للرواية جزءاً من الفضول الروائي لدي، والتقى فيها شغفي بالتاريخ والرواية.
تحدثت عن الكتابة للطفل بأنها أكثر متعة ولكنها ليست سهلة، فكيف توازنين بين ذلك في إصداراتك؟
لم أتصور أنني سأحب الكتابة للأطفال إلى هذا الحد، وأن تكون فرحتي كبيرة عندما أجد نصوصي تحولت إلى ألوان ورسومات في يد الأطفال، ولكن لا يعني ذلك أن أستسهل الكتابة للطفل، إذ أتعامل مع صناعة كتابه باحتراف ومهنية عالية، فعندما أعمل على أي نص يخص الطفل، أرسم له الطريق، ثم أتركه يمشي وحده، كما أحترم كثيراً ذكاءه، فلا أكون مباشرة معه، ولا أفرض عليه رأيي، وأبتعد عن أسلوب الموعظة، بل أتركه يستنتج الأمور بنفسه، وأترك لخياله التحليق والحرية والحلم، وأفتح له باب الأسئلة. وما لاحظته أنني كلما صرت أكثر نضجاً وخبرة في مجال الكتابة للطفل، تتضح لي هذه العلاقة أكثر. إنها علاقة متساوية تشبه الصداقة، فأنا أحاول أن أفكر معه، لا أفكر بدلاً عنه.
تذكرين أن الأدب يساعدنا على اكتشاف الأشياء التي تجمعنا، لا التي تفرقنا، فماذا تعنين بذلك؟
عندما نقرأ أدباً جيداً من ثقافة أخرى نكتشف عالماً مختلفاً وتفاصيل قد لا تشبهنا، ولكن هنالك أيضاً أشياء كثيرة تشبهنا، فالحزن هو ذاته، والفرح والقلق والخوف والحب والكراهية، فنتعاطف معها ونشعر بها ونكتشف كم نحن متشابهون في هواجسنا وهمومنا.
الحياة تجارب، وكذلك الكتابة، ولا بأس من خوض الكتابة في أجناس مختلفة بشرط امتلاك أدواتها
امتلأت الساحة الأدبية بكثير من الكتاب الذين يتماهون في أجناس الأدب المختلفة، هل ترين في ذلك ميزة أم عيباً؟
أردد دوماً بأن الحياة تجارب، وكذلك الكتابة، ولا بأس من خوض الكتابة في أجناس مختلفة بشرط امتلاك أدواتها، فهنالك الكثير من الشعراء الذين كتبوا الرواية أو القصة أو المقال، والعكس كذلك. أظن أن تلك ميزة تضاف إلى مشروعهم الأدبي إن كان المحتوى جيد ويستحق.
كتاب أصوات العالم للكاتبة الإماراتية نادية النجار
هناك الكثير من المؤلفات التي تتوجه لأدب الطفل، إلا أن الأهم هو نشأته في بيئة تقدر الكتب والمعرفة، فكيف السبيل إلى ذلك؟
ربما هذا أصعب سؤال، وللأسف لا توجد له إجابة واضحة، وما يجب علينا فعله أن نتعاون، وأن نوفر الكتب الجيدة التي تدهش الطفل وتجعله يترك ما بيده ويقرأ، والكتاب الجيد يحتاج إلى نص جيد ورسومات جيدة وإخراج جيد، وأعني بذلك: مؤلفون رائعون، ورسامون مبدعون، ودور نشر جيدة، وأن يكونوا جميعهم على درجة عالية من الوعي والمسؤولية، وأيضاً للمؤسسات الثقافية دور كبير، وللمعلميين والتربويين، ولا ننسى الدور الأهم للأسرة، فكلنا نعرف بأن الطفل يقلد الكبار، فكيف تطلب من ابنك أن يقرأ وأنت لا تقرأ؟.
ما السبيل إلى جذب الطفل لقراءة قصة، وهل يستلزم ذلك مجهوداً مضاعفاً من الكاتب الذي يتوجه إليه؟
السبيل في أن نوفر الكتب الجيدة التي تدهشه وتجذبه، والكتاب الجيد يحتاج إلى أدوات جيدة، وعلى الكاتب أن يكتب نصوصاً مبتكرة، وغير مباشرة، وممتعة، وبلغة سهلة، فطفل اليوم يمتلك الكثير من الأشياء التي تلهيه، وكتاب عادي كتب بطريقة تقليدية لن يلفت نظره.
أشرت من قبل إلى وجود كتاب يسرد قصة دون أن يحتوي على أي كلمة، فماذا تقصدين؟
إنه الكتاب الصامت الذي يكتفي برواية القصة من خلال الصور والرسومات، فقد وقعت في سحر هذا الكتاب من أول نظرة، لعمق وقوة السرد البصري، ولكن هناك سبباً آخر أكثر أهمية، ألا وهو الهدف النبيل من هذه الكتب، إذ جاءت فكرة الكتاب الصامت عام 2012 بمبادرة من المجلس الدولي لكتب اليافعين، في جزيرة «لامبيدوزا» الإيطالية، التي تعد نقطة الدخول الأساسية للمهاجرين من منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، إلى أوروبا، لقد اكتشفوا حاجة ملحة لتجاوز حاجز اللغة الذي وقف بينهم وبين الأطفال اللاجئين الموجودين على الجزيرة. وأثبتت هذه الكتب فائدتها وخاصة بالنسبة للمهاجرين واللاجئين، كونها سهلت عليهم الاندماج مع واقعهم الجديد، ومن هنا انتشرت الكتب الصامتة على نطاق واسع وأصبح الرسامون يتنافسون في الإبداع والتفنن بإخراج كتب على درجة عالية من الجودة، والمفارقة أنني ما إن أتصفح الكتب الصامتة، حتى أشعر بصخب القصة وشخصياتها.
ذكرت أن الإنسان يكتب لأنه يحتاج لأن يفضفض ويتسلى، فمتى بدأ تعلقك بالقلم والورق، وما فحوى أول شيء أسررت به لقلمك؟
منذ طفولتي وأنا أعشق القراءة، وكانت زيارة معرض الكتاب مثل حلم أعيش تفاصيله كل عام، ففيه أقرأ قصص المكتبة الخضراء، وكلاسيكيات الأدب المترجمة المخصصة للناشئة، وكنت أتخيل شخصيات القصص، وأغير بعض النهايات والحبكات، ومن هنا بدأت أكتب ولا أذكر القصص التي كتبتها ولكنها كانت بسيطة وطفولية، ولكني أتذكر أنني كتبت ذات مرة نصاً وأرسلته لمجلة ماجد، ووجدته بعد أسابيع منشوراً بين صفحاتها، وتلك كانت تجربتي الأولى في النشر وبقيت عالقة في الذاكرة.
فزت بالعديد من الجوائز الأخرى، ما الأثر الذي تركته بداخلك؟
الفوز بأية جائزة بمثابة تقدير وتشجيع للكاتب، ويبعثُ فيه الثقة ليُكمل طريق الكتابة، إلا أنه في الوقت نفسه يضعه تحت مسؤولية كبيرة، وبالنسبة لي أصبحت أكثر حرصاً على جودة أعمالي وأحاول ألا أخذل القراء بعمل مستواه دون الأعمال السابقة.
ما رسالتك في الحياة، والتي تودين أن تتركي من خلالها بصمة لا تنسى؟
أتمنى أن أترك ما يستحق أن يُقرأ ويفيد الأجيال القادمة.
*تصوير: صلاح عمر