«العرس التراثي الرابع» لـ«نسائية دبي»... عرائس من بريق اللؤلؤ وذاكرة البحر
تلالأت قاعة زعبيل 1 في مركز دبي التجاري، ببريق ساطع من ذاكرة البحر. تلك الذاكرة استقاها واستعادها العرس التراثي لجمعية النهضة النسائية بدبي، في نسخته الرابعة، والتي تعدّ النسخة الثلاثين من مبادرة الأعراس الجماعية، «زفة حراير»، وتنظمها «نسائية دبي»، برعاية حرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، سمو الشيخة هند بنت مكتوم بن جمعة آل مكتوم.
كانت القاعة عبارة عن تحفة بصرية مستوحاة من بيئة الإمارات البحرية، حيث «القراقير» تحولت إلى منظومة بصرية، تعيدك إلى الماضي، وإلى أصوات «النوخذة» التي تحمل روح البحر، ووقع المجاديف، وتخلل العرس العديد من الفقرات، منها زفة المعاريس مع فرقة العيالة، ورزفة المعاريس، واختتمت فقراته بفعالية زفة العرائس.
أما الديكور، فاعتمد على تدرجات ألوان البحر، وحركات الأمواج التي تتسلل على رمال الشاطئ، لتشكّل أشبه ما يكون بـ«ممرات» لؤلؤية للعرائس اللواتي أُطلق عليهنّ أسماء لآلئ البحر، لتعبّر عن الجوهرة الكامنة داخل كل منهن.
ففي هذا العرس الذي تشرف عليه وتنظمه إدارة التدريب والاستشارات في «نسائية دبي»، شارك 20 عروساً وعريساً، في سابقة هي الأولى من نوعها في النسخ التراثية، ما يعكس الإقبال المتزايد على هذه المبادرة التي تحمل بين طياتها، في كل نسخة، نسيماً من نسائم الماضي، والتراث، والأصالة.
كانت العرائس أشبه بـ«عرائس الضوء»، وهنّ يتهادين بفساتينهنّ التراثية التي جسّدت أمواج البحر في انسيابها، وتطريزاتها، حيث كتبت أسماء اللآلئ على طرحة كل عروس كرسالة اعتزاز بجذور المكان، وأصالته.
لم تكن الأسماء هذه المرة عادية. فكل عروس حملت اسم لؤلؤة، كما لو أن البحر نفسه قرّر أن يمنحها من بريقه ودفئه، هويّة خاصة. جاءت أسماء العرائس امتداداً لهذا التراث، وحملت كل عروس سيرة الغوص والتحدّي.
العروس «ميثه عبدالله بن حريف المري»، حملت لقب «الدانة»، اللؤلؤة الأكبر حجماً، والأكثر قيمة في اللؤلؤ، أما «موزة سعيد حمد سالة»، فحملت اسمها نفسه «موزة»، وهي لؤلؤة كريمة مشهورة بصفاء لونها.
في كل عروس لؤلؤة، وفي كل لؤلؤة قصة من البحر. «عائشة علي الزحمي» ازدانت بلقب «الفريدة»، لؤلؤة تتميّز بفرادتها، بينما كانت «اليازية محمد غانم القبيسي»، «الجوهرة»، لؤلؤ مميّز وذات قيمة عالية.
كل لؤلؤة منحت اسمها لعروس تشبهها. «آمنة أحمد الطنيجي» كانت لؤلؤة «اليكة»، و«حصة راشد الطنيجي» كانت لؤلؤة «حصة»، وحملت «نورة حمدان الذيب» لقب لؤلؤة «قماشة»، في حين تألقت «فاطمة حسن الحمادي» بلؤلؤة «الدرة»، وأطلق «الحصباه» على «مهرة شهيل عبدالله آل شهيل»، و«النقوة» للعروس «اليازية سعيد سعيد الكعبي».
بدت القاعة كأنها امتداد لبحرٍ يروي حكاياته القديمة، ليجسد العرس التراثي رحلة رمزية إلى عمق التراث الإماراتي. ففي الماضي، كان البحر مصدر الحياة والرزق للإماراتيين، حيث غاص فيه الرجال بحثاً عن اللآلئ، وصاغوا حكايات الصبر والعطاء، لتُعيد هذه الأعراس الجماعية، وبالأخص العرس التراثي، إحياء تلك العلاقة، وإحياء تراث ممتد عبر الذاكرة والروح. وهكذا، بدا العرس التراثي كأنه غوصٌ جماعيّ في ذاكرة التراث، يستحضر قصص البحّارة والغوّاصين الذين جعلوا من اللؤلؤ عنواناً للنضال والحياة.
وفي لمحة فلسفية لأبعاد هذا العرس، يمكن القول إن تلك الثيمة التي استوحاها من البحر لم تقف عند حدود الثيمة، واللون، والثوب التراثي، بل تتعداها إلى معايشة حقيقية لذاكرة الغوص، حيث يلتقي الحاضر بالماضي، في مشهد بحري نابض بالحياة.
بهذا العرس التراثيّ، كان البحر روحاً حيّة حضرت في تفاصيل العرس، وحكاية تمتدّ من أعماق اللؤلؤ الذي لا يفقد بريقه أبداً. هو عرس أعاد إلى البحر صوته، وأعاد إلى الغواصين في أعماق البحر بحثاً عن اللؤلؤ، صورهم ووجوههم التي لم تزل نابضة في الذاكرة، وفي مسار مراكبهم القديمة، ما يشكّل هذا التماس الحي والمباشر بين الأجيال الجديدة، وجذورها.
وفي هذا الصدد، أكدت خولة سعيد النابودة، نائبة رئيسة الجمعية عضو مجلس الإدارة المشرف العام على إدارة التدريب والاستشارات، أن النسخة الرابعة من نموذج العرس التراثي ترسّخ مفهوم الاحتفاء بالتراث الوطني بروح عصرية، تجمع بين الماضي والحاضر، لافتة إلى أن العرس التراثي «يعّد تجربة إنسانية بامتياز، تجمع بين الفرح والانتماء، وتترجم قيم الأسرة والتكافل الاجتماعي التي تحرص الجمعية، في كل مبادراتها وبرامجها، على ترسيخها في المجتمع الإماراتي، تماشياً مع عام المجتمع، ودعماً لأجندة دبي الاجتماعية، ومواصلة لجهود الجمعية في دعم الشباب المقبلين على الزواج، وتخفيف أعبائهم، وترسيخ قيم التكافل والتلاحم الأسري».
وأوضحت خولة النابودة أنه منذ إطلاق أول عرس جماعي عام 2014، نظمت الجمعية ثلاثين نسخة من هذه المبادرة الرائدة، احتضنت خلالها مئات الأزواج المواطنين، وأسهمت في بناء أسر مستقرة ومتماسكة وفي ترسيخ قيم التماسك الأسري، وتعزيز الهوية الإماراتية، لتصبح الأعراس الجماعية علامة مضيئة في مسيرة العطاء التي تقودها الجمعية، على مدى أكثر من خمسة عقود، حيث نفذت الجمعية خلال هذه المدة ( 29) عرساً جماعياً لتزويج (594) شاباً وشابة، نتج عنها إنجاب( 342) طفلاً، خلال عشر سنوات من هذه المبادرة الوطنية.
وقالت إن استمرار تنظيم «زفة حراير» بنسخها المختلفة، يعكس التزام الجمعية بدعم التلاحم المجتمعي وترسيخ القيم الوطنية عبر مبادرات تُجسّد الموروث الإماراتي في أجمل صوره.
* تصوير: سيد رمضان ومن المصدر
