14 سبتمبر 2025

علياء النيادي: الباليه فن راقٍ يجعلني نسخة أفضل من نفسي ويحمل رسالة إلى الناس

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

خاضت رحلة استثنائية كسرت فيها الصور النمطية، وواجهت التحدّيات بعزيمة لا تلين، لتصبح أول راقصة باليه إماراتية تفتح الباب أمام جيل جديد من المواهب للفن الراقي في مجتمعها.

هي علياء النيادي، التي في حوارنا معها أطلّت بنا على بداياتها، وأهم المواقف التي صنعت شخصيتها، ورؤيتها لمستقبل الباليه في الإمارات، والكثير من التفاصيل الأخرى:

مجلة كل الأسرة

كيف كانت بدايتك مع الباليه، ومتى أدركتِ أن هذا النوع من الفن سيكون جزءاً أساسياً من حياتك؟

البداية كانت ربما في عمر الخمسة أعوام، كنت منجذبة بشكل كبير إلى الموسيقى والحركة، وعندما حضرت أول درس باليه شعرت بالانتماء لهذا العالم، ومع مرور الوقت، وتحديداً مع التمرين والعمل لساعات طويلة، أيقنت أن الباليه ليس مجرّد هواية، بل أسلوب حياة يمكن أن يجعلني نسخة أفضل من نفسي، عندها عرفت أن هذا الفن سيظل حاضراً في حياتي، ليس بصفتي راقصة فقط، بل كإنسانة اكتشفت ذاتها، وأعادت تشكيلها من خلاله.

يتميّز المجتمع الإماراتي بخصوصية ثقافية واجتماعية، كيف واجهت تحدّي تقبّل فكرة ممارسة هذا النوع من الفنون؟

كل ما هو جديد وغير مألوف يقابل أحياناً بالرفض، والتغيير بطبيعته يحتاج إلى وقت. عندما كنت في الثالثة عشرة، وجدت نفسي مضطرة لإثبات أن الباليه فن حقيقي، على الرغم مما قد يراه البعض من مظهره الخارجي. في جوهره، هو تدريب يتطلب جهداً كبيراً، وساعات طويلة من العمل، لا أنكر أنني واجهت الكثير من الانتقادات، بشكل خاص من الأشخاص الأكبر سناً في فترة كان من الصعب فيها تقبّل التغيير. لكن مع مرور الوقت، تغيّرت النظرة، لتثبت المرأة الإماراتية تألقها في مجالات متعدّدة. واليوم ،أصبح الفن جزءاً من نمط حياتنا المعاصرة، من دون أن يتعارض مع الحفاظ على التقاليد والهوية. ومن جانبي اخترت أن أسلك طريقاً مختلفاً وحديثاً، محافظة في الوقت نفسه على قيم مجتمعي.

كيف تمكنتِ من المواءمة بينهما؟

الباليه لغة تجمع بين الجمال والانضباط والرّقي، وهي قيم لا تتقاطع مع جوهر ثقافتنا الإماراتية. وبصفتي أوّل راقصة باليه إماراتية، كنت دائماً أعتز بجذوري، وأمثل ثقافتي بصورة مشرفة، على المسرح وخارجه، باختيارات تتفق مع معاييرنا الاجتماعية، وقيمنا الأصيلة. ومع مرور الوقت، بدأت رسالتي التي أردت أن أقول فيها «إن الباليه فن راقٍ يحمل رسالة» تصل إلى الناس.

مجلة كل الأسرة

هل هناك طقوس أو استعدادات تحرصين على الالتزام بها قبل أيّ عرض؟

بالتأكيد، ابدأ الاستعداد بجلسة إحماء تتراوح بين 30 إلى 45 دقيقة، أتفرد بعدها للحظات خلف الكواليس للتنفس بعمق، ومراجعة الحركات في ذهني كما لو كنت أؤدّيها على المسرح. نفسياً أحرص على الحفاظ على هدوئي الداخلي، وأدعو الله بالتوفيق في كل حركة، وتذكير نفسي دائماً بأن قمة النجاح هي أن تؤدي ما تحب.

ما الإنجاز الأبرز في مسيرتك الفنية؟

أعظم إنجاز بالنسبة لي هو فرصة لقاء العديد من الفنانين من مدارس وأساليب مختلفة، وخوض تجارب فريدة ما كانت لتحدث. أؤمن بقيمة التعاليم والأساليب التقليدية التي تنتقل عبر الأجيال، وجمال ذلك يكمن في تكريم تراث الفن نفسه. هذه الفكرة شجعتني على منح الأمل، وإيصال فكرة للأجيال القادمة بأن الجد والاجتهاد يؤتيان ثمارهما طالما أننا نسعى لتحقيقها.

كيف أثرت تجربة أكثر من 20 عاماً من الرقص في نظرتكِ للحياة والفن؟

مسيرتي في مجال الرقص غيّرت رؤيتي بشكل كبير، حيث أدركت أن الفن ليس مجرّد عرض على المسرح، بل لغة للتعبير عن المشاعر والتجارب الإنسانية، ووسيلة للتواصل مع الآخرين على مستوى أعمق. تعلّمت روح الانضباط، والمثابرة، والقدرة على مواجهة التحدّيات بصبر واتزان، وهي قيم انعكست على جميع جوانب حياتي. كما أيقنت أن الفن رحلة لا تنتهي من التعلّم، وأن الكمال ليس الهدف، بل الإخلاص والشغف في ما نفعله.

كيف ترصدين تطوّر المشهد الثقافي والفني في الإمارات.. وما الخطوات اللازمة لجعلها مركزاً إقليمياً لفنون الباليه والفنون الاستعراضية من وجهة نظرك؟

يشهد المشهد الثقافي والفني في الإمارات قفزة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، بفضل الاستثمارات الضخمة في دعم الفنون، وصقل المواهب المحلية، ما أفرز جيلاً جديداً من الفنانين والمبدعين الذين يرفعون اسم الدولة على الساحة العالمية. وتبرز أبو ظبي كمثال بارز، كمدينة للموسيقى ومحور للفنون والثقافة، ما يعزز مكانة الإمارات كوجهة فنية عالمية. ولجعل الدولة مركزاً إقليمياً لفنون الباليه والفنون الاستعراضية، لا بد من تعزيز البنية التحتية الثقافية، من خلال إنشاء المزيد من المدارس المتخصصة، إلى جانب توعية وتشجيع الشباب على المشاركة في هذه المجالات، فالموازنة بين الحفاظ على التراث والانفتاح على الحداثة يمثلان مفتاح نجاح هذا التطور.

مجلة كل الأسرة

ما هي الدروس والقيم التي اكتسبتها من هذه التجربة؟

ما تعلمته من رحلتي في عالم الباليه أن النجاح ثمرة مثابرة لا تعرف الانقطاع، وصبر لا ينفد، وأن التحدّيات ليست عوائق بل محطات أساسية في طريق التطور والتميز. والانضباط، والشغف والحب لما نفعله هما الدافع الأكبر للاستمرار، على الرغم من الصعوبات. كما أدركت أن التعبير الفني لا يتوقف عند الحركات الجسدية، بل هو حوار صامت تنقله الروح والجسد، يحمل المشاعر، والقصص، للمشاهد.

كيف ترصدين تأثيركِ في الجيل الجديد من الفتيات الإماراتيات؟

أؤمن بأن تأثيري يتجاوز حدود تقديم عروض الباليه، ليصل إلى غرس الثقة بالنفس، وتعزيز روح المثابرة في نفوسهنّ، ما يمنحهنّ القوة لمواجهة التحدّيات وتحقيق طموحاتهن. أسعى لإيصال رسالة مفادها أن الإصرار والاجتهاد والالتزام هي مفاتيح النجاح، وأن الفتاة الإماراتية قادرة على التألق في هذا الفن، بكل فخر واعتزاز.

ما هي النصيحة التي كنتِ تتمنين سماعها في بداية رحلتك؟

كنت أتمنى لو قيل لي منذ البداية «اصبري، فالأمور ستتحسن مع مرور الوقت، حتى إن لم يكن ذلك في القريب، فالنهاية ستصبح أجمل وأفضل»، لأدرك لاحقاً أن الصبر والمثابرة هما مفتاح النجاح.

مجلة كل الأسرة

بعيداً عن الباليه، ما هي هواياتك المفضلة وكيف تقضين أوقات فراغك؟

رغم أنني لم أعد أمارس الباليه بشكل احترافي، فإنني أحرص على ممارسة التمارين الرياضية يومياً، انطلاقاً من مبدأ «الجسم السليم هو أصدق تعبير عن الامتنان للحياة»، ما ينعكس بشكل إيجابي على صحة العقل والروح. كما أجد في القرب من البحر ملاذاً يمنحني الهدوء والسكينة، ويتيح لي فرصة التواصل مع الطبيعة، والشعور بالسلام الداخلي.

ما هي رؤيتك لمستقبل الباليه في الإمارات، وهل هناك فكرة للمساهمة في تطويره محلياً؟

أطمح إلى أن أرى في الإمارات بيتاً للفنون الأدائية، ونظاماً تعليمياً متكاملاً يتيح للفنانين فرصة التطور والنمو بالشكل الصحيح، وجود مثل هذا الصرح يلهم المواهب الشابة للاستمرار في التدريب. من جانبي، أشعر بالفخر لكوني جزءاً من هذا التغيير، وأعتبر نفسي صوتاً يشارك في رسم ملامح هذا التحوّل، وعلى الرغم من حاجته إلى وقت، لكنني واثقة بأننا سنصل إليه، كما اعتدنا دائماً.