03 أغسطس 2025

تجارب شعرية إماراتية تنسج الخصوصية المحلية بالرؤية العالمية

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

الهوية، الثقافة، الانفتاح... أدوات يحرص جيل من الشباب الإماراتيين على تشكيل علاقتهم بالشعر من خلالها، لا بوصفه مجرّد تراث لغوي، بل كمساحة حرّة لاكتشاف الذات، والتفاعل مع العالم بلغة جديدة تنسج بين المحلي والعالمي. هؤلاء الشعراء لا يكتفون باستحضار القصيدة الكلاسيكية، بل يعيدون ابتكارها، ويمزجون بين اللهجات واللغات، ويستدعون ذاكرتهم الشخصية كمنصة للقول الشعري الحر، بعيداً عن القوالب الثقافية الموروثة.

مجلة كل الأسرة

حضرت «كل الأسرة» فعالية «أصداء الحداثة»، ضمن مبادرات «مكتبات الشارقة» للاحتفال بمئوية تأسيسها، في «بيت الحكمة» بالشارقة، حيث التقينا عدداً من الشباب المشاركين في الفعالية لاستعراض تجاربهم الشعرية المعاصرة، في الشعر الإنجليزي، ومواكبة التحوّلات الإبداعية التي تشهدها الساحة الثقافية، وتعكس نبض هذا العصر المتسارع، حيث تنوّعت النصوص بين الحنين إلى طفولة تتسلّل من زوايا الصور، واستدعاء البحر كرمز للأمان واللا يقين معاً، وصولًا إلى تمجيد المكتبات كحاضن للمعرفة، ومرآة للهوية الثقافية. وتميّزت القراءات بلغتها المتجدّدة، حيث مزج الشعراء بين اللهجة الإماراتية والشعر الإنجليزي المعاصر، ما أضفى على النصوص طابعاً فنياً متفرّداً، يعكس وعياً لغوياً متعدّد الأبعاد، ويعبّر عن الجيل الإماراتي الجديد بلغة محلية النَفَس، مخاطبة الجمهور العالمي.

مجلة كل الأسرة

قدرة على التعبير والابتكار

وفي حديثها لـ«كل الأسرة»، قالت الشاعرة شهد ثاني، التي تمتد تجربتها الشعرية لأكثر من خمسة عشر عاماً، إنها رغم مشاركاتها الكثيرة في فعاليات شعرية، داخل الدولة وخارجها، شعرت بسعادة خاصة خلال هذه فعالية، ليس لكونها جزءاً من الحدث فقط، بل لأنها خاضت مع المشاركين تجربة مختلفة تماماً، تمثلت في جلسات قرائية تفاعلية، وجلسات تدريبية أتاحت لها أن تكتشف جانباً جديداً من تجربتها، وهو القدرة على التوجيه والإلهام، وأضافت: «لأول مرة أجد نفسي في موقع يمكنني فيه أن أشارك أدواتي مع جيل جديد من الشعراء، وأن أرى عن قرب كيف يحوّلون القصص العربية والإماراتية إلى نصوص حية، نابضة بالشغف والصدق، بقدرتهم على التعبير والابتكار، وكان من الملهم بالنسبة لي أن أرافقهم في هذه الرحلة الشعرية».

مجلة كل الأسرة

الشعر تجسيد لتجربة شخصية عميقة

من جانبه، عبّر أحمد بن سليم، أحد المشاركين في الفعالية، عن اندهاشه من عدد الحضور من الشباب، قائلاً: «لم أتوقع هذا الحضور الكثيف من الأصوات الشابة، كان الأمر مفاجئاً ومشجعاً في الوقت ذاته. وجود هذا العدد من المبدعين منحني شعوراً بالانتماء، كأننا نكتب من أماكن مختلفة لكننا نلتقي عند الشغف نفسه. بدأت الكتابة بالصدفة، في إحدى ورش المكتبات العامة، حيث اكتشف كمّ الكلمات لديّ، فلم أخطط لأن أكون شاعراً، لكنها كانت طريقتي لفهم ما أشعر به. واليوم، من خلال هذه الفعالية، أدركت أن ما أكتبه ليس مشاعر شخصية فقط، بل هو تجربة تستحق أن تُروى وتُقرأ، فقد اعتدنا على وجود مبدعين في الشعر النبطي، ولكن اليوم الساحة الأدبية تشهد المزيد من المبدعين في الكتابات الأدبية المختلفة، فأنا أكتب بحرية تامة، بعيداً عن القوالب والتقاليد، لأن القصيدة بالنسبة لي كائن ينبض من ذاكرتي وهويتي. كل نصّ أكتبه هو امتداد لتراث الإمارات، وتجسيد لتجربة شخصية عميقة، لا أراه ترفاً لغوياً، بل فعل وجود يُعبّر عني قبل حتى أن أنطق به».

مجلة كل الأسرة

تحدي حدود القصيدة وكسر القوالب الجاهزة

كما أوضحت الشاعرة ميرة البوسميط أن علاقتها بالكتابة بدأت كوسيلة لمقاومة النسيان، محاولة منها لالتقاط اللحظات والتفاصيل التي كانت تتلاشى بصمتن، وقالت إن الذاكرة كانت بوابة العبور الأولى نحو عالم الكتابة، لكنها لم تكن الوجهة الوحيدة. وكامرأة إماراتية تعيش في بيئة متعدّدة الثقافات، ولديها شغف كبير بالأدب الإنجليزي، ترى ميرة أن تجربتها الإبداعية تتقاطع عند مفترقات متعدّدة، فلا تلتزم بمسار شعري واحد، فهي تجد في الإيقاع الكلاسيكي مساحة للهدوء أحياناً، لكنها سرعان ما تعود لتتحدّى حدود القصيدة، وتكسر القوالب الجاهزة، كاتبة بما تمليه مشاعرها، لا ما يُفترض أن تكتبه. وبالنسبة إليها، الكتابة هي فعل إنساني عميق، لا يمكن محاكاته أو تقليده، لأنها تنبع من التجربة الصادقة، لا من الأنماط المكرّرة.