
لم تكن رحلة سميّة من عمّان إلى الرياض، عادية، على الإطلاق. فخلال عام واحد فقط، انتقلت من شريكة جديدة في «ستاربكس»، إلى بطلة الباريستا في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، ثم وصيفة البطلة العالمية، واليوم هي سفيرة القهوة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تتولى مهمة إلهام الجيل الجديد من الأبطال في طريقهم إلى المنافسة العالمية في لندن.

رسالة القهوة والإنسان
تقول سميّة بابتسامة تعبّر عن شعور وكأن الأمر لا يُصدَّق: «ما زلت أشعر بأنني أحلم. فنحن نضع الإنسان في جوهر رسالتنا، والقهوة وسيلتنا، وأنا محظوظة بأني أمثل هذه الرسالة يومياً».

من عمّان إلى العالمية
بدأت قصة سميّة في عمّان. فبعد عام واحد فقط، من انضمامها إلى «ستاربكس»، شاركت في بطولة الباريستا لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لعام 2024، وتوّجت باللقب، لتنتقل بعدها إلى لاس فيغاس، حيث أقيمت أول بطولة عالمية في هذا المجال. ووسط منافسة حماسية انطلقت بـ 84 ألف باريستا حول العالم، حجزت سميّة المركز الثاني، في لحظة غيّرت مسار رحلتها إلى الأبد. اليوم، وفي الرياض، تتولى سميّة تدريب عشرة أبطال من مختلف دول المنطقة، لتساعدهم على تمكين مهاراتهم، وتعزيز ثقتهم على الساحة الإقليمية.

مفارقة صنعت الحلم
تتذكر سميّة تلك اللحظة في يوم عيد ميلادها، وتقول: «كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن بطولة الباريستا. شعرت بشيء رائع في داخلي، والمفارقة أن الزميل الذي عرّفني على البطولة كان هو نفسه من رافقني في التدريب حتى وصلت إلى النهائيات العالمية». وتضيف: «تلك هي روح «ستاربكس» وثقافتها الحقيقية: ثقافة تؤمن بك، وتشاركك في رحلتك خطوة بخطوة»|.

من شغف الرائحة إلى عشق الإسبريسو
لكن القهوة لم تكن شغف سميّة الأول، تقول ضاحكة: «حين كنت في الخامسة عشرة من عمري لم أكن أشرب القهوة، لكنني كنت أعشق رائحتها. كنت الفتاة التي تطلب الكراميل الإضافي. اعتدت على زيارة «ستاربكس» مراراً ليس من أجل القهوة، وحسب، بل من أجل الناس وأجواء المكان، قبل أن أكتشف عالم الإسبريسو.»
لحظات إنسانية لا تُنسى
هذا البعد الإنساني ظل يوجّه طريق سميّة منذ ذلك الوقت. وتروي موقفاً في إحدى الأمسيات في عمّان حين دخل زبون متأخر يطلب إسبريسو سريعاً. دار بينهما حديث قصير، وقبل أن يغادر توقّف عند الباب وعاد ليقول ببساطة: «شكراً». ثم أخبرها أنه لم يحظَ بمحادثة حقيقية منذ أسابيع بسبب عمله بعيداً عن عائلته. تضيف سميّة: «تلك الدقيقتان كان لهما أثر عميق. أصبح زبوناً دائماً. وبالنسبة لي، تلك اللحظات لا تقل قيمة عن تحضير جرعة مثالية من الإسبريسو».

مشروب يروي حكاية
وعلى منصة المسابقة، عبّرت سميّة عن فنها من خلال مشروبها المميز: إسبريسو مثلج ممزوج بالهيل والعسل. وفي هذا السياق، تقول: «الهيل يذكّرني بالمنزل، والعسل يمنح التوازن. كان المشروب رمزاً للقاء الشرق مع الغرب، نكهة عربية أصيلة ممزوجة بتقنية عصرية. لم يكن الهدف ابتكار شيء غريب، بل إيجاد الانسجام: القهوة أولاً، ثم التوابل والحلاوة في توازن متناغم».
تدريب الأبطال الجدد
حالياً، يتمحور تركيز سميّة حول رفع معنويات الآخرين. وبصفتها سفيرة القهوة، تعمل مع أبطال في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، معتمدة على نهج واضح وبسيط: ضبط معياري بوتيرة أسبوعية، وتقييمات على غرار لجان التحكيم، وتدريبات حسّية، والأهم من كل ما سبَق، سرد القصص. وتقول: «نبني معاً قصة للسرد. لماذا هذا المُكوّن؟ لماذا هذه الطريقة، لماذا الآن؟ يتمثل دوري بمساعدة كل بطل على جلب جزء من وطنه إلى منصة المسابقة، واعتماد الإلهام نفسه في مقهاه».

القهوة بروح محلية
تمنحها مسيرتها العابرة لحدود الثقافات منظورا فريداً، وتقول: «تُمثّل «ستاربكس» معايير عالمية يتم تقديمها من خلال الثقافة المحلية. وفي الولايات المتحدة، تُعد فترة الصباح مفعمة بالحيوية في سباق مع الوقت. وفي عمّان، فإن فترة الصباح مُخصّصة للدردشة. أما في الرياض، فأرى كرم الضيافة والفخر بالنكهات المحلية. «ستاربكس» تنسجم مع المكان الذي تتواجد فيه، وتصبح جزءاً من المجتمع».
نجاح يتحول إلى عطاء
امتدّ تأثير نجاحها إلى ما هو أبعد من المنافسة. فقد أسهمت سميّة، بصفتها متأهلة للنهائيات العالمية، في الحصول على تبرّع بقيمة 10,000 دولار أمريكي لمصلحة «هابيتات فور هيومانيتي»، في الأردن، لدعم تطوير مهارات ومؤهلات الشباب. وتقول: «يُشكّل تحويل إنجاز شخصي إلى تأثير مجتمعي واسع، أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لي».
كسر الصورة النمطية
وقد أدى إنجازها إلى تغيير المفاهيم في محيطها المجتمعي الأقرب «في البداية، كان بعض أقاربي يقولون لي: إذن، أنتِ تُحضّرين القهوة. لكنني لم أتقبّل ذلك أبداً، فنحن لا نُحضّر القهوة فحسب، بل نضفي السعادة على يوم شخص ما، يعد عمل الأطباء والمهندسين أساسيّاً، لكنّ الكثير منهم يستريحون بين ساعات العمل الطويلة في المقاهي، مع مُعدّي قهوة يعرفون أسماءهم، ويهتمون بشأن التفاصيل».

رسالة إلى الشابات
وتتوجه سميّة للشابات اللواتي يفكرن في العمل في مجال الأطعمة والمشروبات بالقول: «اخترن هذا المسار بفخر. درّبن حواسكنّ، وامتلكن قصتكنّ، واسمحن لمهاراتكنّ بأن تتحدّث عنكن».
نحو لندن بثقة
وفي ما يتعلق بالمستقبل، تقوم سميّة بإعداد المتدربين لديها للذهاب إلى لندن، حيث يستكشفون النكهات المحليّة، مثل التمر، والزعفران، والورد، والتي تعتقد أنها يمكن أن تلقى صدى عالمياً عند التعامل معها بشكل متوازن، وقيّم. وتقول: «لا يقتصر الأمر على إضافة نكهة معيّنة إلى القهوة، بل هو عبارة عن حوار متبادل»، مُردّدة الفلسفة نفسها التي قادتها إلى ابتكار المزيج بين نكهتي الهيل والعسل.
رحلة ملهمة تتخطى القهوة
من مُراهقة لا تشرب القهوة، إلى مُرشدة تعمل على تمكين وتأهيل روّاد المستقبل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقود سمية مسيرة مُلهمة. قد تكون لندن هي الوجهة، لكن بالنسبة إليها يبقى العمل ثابتاً: التواصل، والاتساق، وكوب قهوة يروي قصة حقيقية.