في حوار مع «كل الأسرة»... أبطال مسلسل «سلمى»: العمل يغوص في أعماق النفس البشرية

من خلال شخصيات كُتبت بعمق، وأُدّيت بصدق، استطاع مسلسل «سلمى» أن يربك المشاهد، ويجعله يتعاطف مع من لا يُفترض أن يتعاطف معهم، فقد نجح المسلسل المعرّب «سلمى» في تقديم قصص واقعية تعكس تناقضات وتعقيدات، ليحمل بين طيّاته حكاية إنسانية تُشبهنا، تُشبه مجتمعاتنا، وتطرح أسئلة لا إجابات جاهزة لها... فهو أكثر من مجرّد قصة درامية، بل عمل غاص في أعماق النفس البشرية، ولامس قضايا دقيقة وحساسة، مثل الصحة النفسية، الصراعات العائلية، والشر الكامن في تفاصيل الحياة اليومية.

وفي هذا الحوار الخاص، نقترب من أبطاله الذين حضروا الأمسية التي أقامتها «مجموعة MBC»، في دبي، للاحتفاء بإطلاق الدراما الرومانسية الجديدة «سلمى»، على MBC1، و«شاهد». والمسلسل هو النسخة العربية من المسلسل التركي الشهير «امرأة»، ويجمع في بطولته كلاً من: مرام علي، نيكولا معوض، ستيفاني عطالله، تقلا شمعون، نانسي خوري، نقولا دانيال، مجدي مشموشي، وآخرين، وتدور أحداثه حول امرأة كرّست حياتها لتربية طفليها بنفسها، في واقعٍ معيشيّ قاسٍ بعد اختفاء زوجها في ظروف غامضة، لتكتشف لاحقاً حقائق قاسية تغيّر نظرتها إلى الحياة، وتفتح أمامها أبواباً جديدة من التحدّيات.

مرام علي: استلهمت شخصية سلمى من كل أم مكافحة
من جهتها، تحدثت بطلة المسلسل مرام علي، عن دورها في مسلسل «سلمى»، قائلة «أداء دور الأم في المسلسل كان بالنسبة لي تجربة مملوءة بالمشاعر والتفاصيل الدقيقة التي حاولت أن أعيشها بكل جوارحي، وليس كممثلة فقط تؤدي دوراً على الشاشة. شخصية سلمى، الأم القوية والمضحية، استلهمتها من كل أمّ مكافحة عرفتها في حياتي، من النساء اللواتي رأيتهنّ يواجهن الحياة، بكل ما فيها من صعوبات، من أجل حماية أولادهنّ، وتأمين مستقبل أفضل لهم. كنت دائماً أراقب أمّهات حقيقيات، في محيطي، وفي المجتمع، لأفهم أكثر كيف يمكن أن تتحوّل الأمومة إلى طاقة خارقة تدفع المرأة لأن تكون جبلاً من الصبر، وأحياناً من القسوة، لأنها ترى أن واجبها أن تحمي أولادها فقط، مهما كلف الأمر».
وأضافت: «في المسلسل، كان على سلمى أن تواجه تحدّيات قاسية، منها الفقر، والخذلان، والتهديدات، وحتى المغريات التي كان يمكن أن تنقذها مؤقتاً، لكنها كانت ستدمّر مبادئها، ومع ذلك، لم تسمح لنفسها بالانكسار، أو التنازل. هذه القوة الداخلية هي ما أردت أن أُبرزه في الشخصية، لأنني أؤمن بأن كل امرأة في داخلها هذه الطاقة إذا آمنت بنفسها، ولم تستسلم. رسالتي من خلال هذا الدور أن المرأة قادرة على أن تكون سندًا حقيقيًا لعائلتها ولنفسها، مهما كانت الظروف صعبة، ومهما بدت الخيارات محدودة. كنت أنقل من خلالها صوت شريحة واسعة من النساء في مجتمعنا. أتمنى أن تكون شخصية سلمى قد لامست قلوب المشاهدين، وذكّرتهم بقيمة الأم، وبقوّة المرأة عندما تختار أن تواجه بدلاً من أن تنكسر».

نيكولا معوض: المسلسل نقل قلب المشاهد إلى الأحياء البسيطة الفقيرة
أما بطل المسلسل الفنان نيكولا معوض، فيعتبر مشاركته في مسلسل سلمى المملوء بالغموض، تجربة استثنائية، لأنها منحته مساحة واسعة لتجسيد صورة الزوج العربي، في أبهى معانيها؛ الزوج الذي يتعامل مع شريكة حياته كشريكة حقيقية، يقدّر مشاعرها، ويمنحها الأمان والاحترام «لقد حاولت من خلال هذا الدور أن أقدّم نموذجاً واقعياً، يعكس ما نتمنى جميعاً أن يكون عليه الرجل العربي في حياته الأسرية، بعيداً عن الصور النمطية المعتادة التي كثيراً ما تحصر الرجل في شخصية متسلطة، أو غامضة. وقد أسعدني أن يلقى هذا الدور صدى واسعاً لدى الجمهور، لأنني لمست من خلال ردود الأفعال حجم التوق لرؤية هذه النماذج المضيئة على الشاشة، بما تحمله من دفء، وصدق، وإنسانية. وهذا على النقيض تماماً، من دوري في مسلسل «الأميرة ظل حيطة»، في رمضان الماضي، حيث جسّدت شخصية الزوج النرجسي، الأناني، الذي يعيش في دائرة ذاته، ويعجز عن رؤية احتياجات الآخرين».
وأضاف: «مسلسل «سلمى» نجح في نقل المشاهد إلى قلب الأحياء الفقيرة التي قلّما تُعرض على الشاشة، أحياء تعجّ بالقصص الإنسانية القاسية، وتخفي وراء صمتها معاناة ممتدة عبر أجيال. لقد جاء العمل في قالب درامي، رومانسي وغامض، ما أضفى عليه جاذبية خاصة، وسمح للرسالة الاجتماعية بأن تصل بقوة أكبر، لأن المشاهد تعرّف إلى هذه البيئات من خلال حكاية مشوّقة ومؤثرة، في آن واحد».

ستيفاني عطا الله: شخصية ميرنا مريضة نفسياً وليست شريرة
أما الممثلة ستيفاني عطا الله، فتصف دور ميرنا، كأحد أصعب وأعمق الأدوار التي قدمتها خلال مسيرتها الفنية، وبيّنت: «شخصية ميرنا ليست مجرد شخصية شريرة بالطريقة النمطية، بل هي إنسانة تعاني اضطراباً نفسياً حاداً، وهذا ما جعلني أقترب منها بطريقة مختلفة تماماً. ومنذ قراءتي الأولى للنص، شعرت بأن هذا الدور يتطلب مني تحدّياً داخلياً، ومواجهة حقيقية مع ذاتي كممثلة، لأن تقديم الشر هنا لم يكن قائماً على الكراهية، أو النية السيئة، بل على معاناة حقيقية لم تُفهم، ولم تُعالَج، فقد عملت على دراسة شخصية ميرنا بعمق، واستخدمت كل حواسي في الأداء، من نظرات العين إلى حركات الجسد، من نبرة الصوت إلى تفاصيل دقيقة في تعابير الوجه، حتى أتمكن من إيصال هشاشتها، وغضبها، ووجعها، في آن واحد. كنت حريصة ألا أُظهرها كشريرة بالمعنى السطحي، بل كشخصية مريضة ضائعة، تائهة بين واقعها المؤلم، ومحاولاتها المستميتة للسيطرة على كل من حولها».
وواصلت الحديث «هذه الشخصية لا تشبهني إطلاقاً، وكانت مختلفة عن كل ما قدمته سابقاً، لكنها سمحت لي بالغوص في منطقة إنسانية حساسة، ومملوءة بالتعقيدات. وأكثر ما شعرت بأنه يجب أن يُقال من خلال هذا الدور هو أهمية فهم الصحة النفسية، والتعامل مع الاضطرابات النفسية كحالة مرضية حقيقية، تماماً مثل الأمراض الجسدية. وللأسف، مجتمعاتنا لا تزال ترى في المريض النفسي شخصاً غريباً، أو حتى خطراً، في حين أن كل ما يحتاج إليه هو التفهم، والرعاية، والعلاج. أؤمن بأن الفن مسؤول أيضاً عن تسليط الضوء على هذه القضايا، وأتمنى أن يكون دور ميرنا قد أسهم – ولو قليلاً – في فتح هذا الحوار مع الناس».

مجدي مشموشي: هلال شخصية تعكس الشر الموجود في دواخل النفس البشرية
بدوره، جسد الفنان مجدي مشموشي، شخصية هلال التي تُصنّف على أنها شريرة، لكنها كانت مكتوبة ومبنية بطريقة مختلفة تماماً عن الشخصيات النمطية التي اعتادها الجمهور، وأوضح: «قدمت شخصية شريرة، ولكن داخل هذا الشر نوع من الطرافة، من السخرية الذكية، ومن المفارقات التي جعلت الشخصية أقرب إلى الناس، وأكثر واقعية. لم يكن شراً مطلقاً، أو شيطانياً، بل أقرب إلى الشر البشري الذي نحمله جميعاً، بنسب مختلفة. أعتقد أن كل إنسان لديه جانب مظلم، جانب أناني، أو غاضب، أو انتقامي، لكن الفرق يكمن في الطريقة التي يظهر بها هذا الجانب، وفي مدى قدرتنا على التحكم فيه، وشخصيتي في العمل كانت أحياناً تُضحك الناس، ليس لأنها شخصية كوميدية بحتة، وهذا جزء من جمال الكتابة والإخراج في المسلسل. أحببت هذا التوازن، لأن تقديم شخصية شريرة تضحك المشاهد بسبب تصرفاتها العفوية، هو تحدٍّ جميل لأي ممثل».
«الواقع اليوم يجعلنا نتقبل الشر أكثر مما نعتقد. العالم مملوء بالأحداث المخيفة، من حروب، إلى أزمات، إلى خيبات شخصية، وهذا ينعكس على شخصياتنا، وسلوكنا، وتعاطينا مع الآخرين. أصبحنا نعيش في زمن نُبرّر فيه الغضب، ونُبرّر فيه التصرفات السلبية، لأننا تعبنا من الكبت، ومن الادعاء بأن كل شيء على ما يُرام. لهذا، وجدت أن شخصية مثل التي قدمتها في المسلسل تعكس جزءاً من الحقيقة، وتدعونا لنفكر: هل نحن فعلاً مختلفون عن هذا الشرير؟ أم أننا لم نُختبر بعد بنفس الظروف فقط؟».

نقولا دانيال: القضايا الإنسانية متشابهة في كل العالم
أما الفنان القدير نقولا دانيال، فقد لفت إلى تشابه القضايا الإنسانية في مختلف دول العالم، وقال: «صحيح أننا في العالم العربي نعرّب الكثير من الأعمال التركية، لكن في رأيي، السبب في ذلك لا يعود إلى نجاح الدراما التركية فقط، بل لأن النسيج الإنساني واحد، والقصص التي تُروى هناك كثيراً ما نجد أصداء لها في مجتمعاتنا. القضايا الأساسية التي تمسّ الإنسان من الداخل — كالحب، والخيانة، والانتماء، والصراع العائلي، والهوية — كلها مشتركة، حتى وإن اختلفت التفاصيل الثقافية. نحن شعوب متقاربة في الأحاسيس، في العلاقات الأسرية، في مكانة الأب والأم، وفي التحدّيات الاجتماعية التي نعيشها. ولهذا، عندما نُعرّب عملاً تركياً، فهو لا يشعرنا بالغربة، بل نراه مرآة لنا. وفي مسلسل «سلمى» أديت دور الأب الذي يقع أمام خيار مؤلم، وإنساني للغاية، بين أبنته المتبنّاة، وابنته البيولوجية، هذا التمزق العاطفي عميق ومؤلم، وهو ليس بعيداً عن أيّ أب، في أيّ مكان من العالم، سواء كان في تركيا، أو في لبنان، أو في أي دولة عربية».