كل فنجان يروي حكاية.. قصص ملهمة لشابات إماراتيات في عالم القهوة

لحظات خاصة يعيشها عشاق القهوة في كوب دافئ يُقدَّم بابتسامة صادقة. خلف هذا المشهد البسيط، تقف شابات إماراتيات اخترن أن تكون بداياتهن المهنية من داخل فروع «ستاربكس»، ليصنعن قصصاً ملهمة عن الشغف، والطموح، والقدرة على التوازن بين الدراسة والعمل، وبين المسؤوليات الشخصية والهوية الوطنية.
ومن خلال مقابلاتنا مع أربع منهنّ، تكشفت لنا تفاصيل إنسانية جميلة: قصص عن تحدّيات الذروة، ابتسامات تُغيّر يوم زبون كاملاً، ورحلات صعود مهني تُبرهن أن النجاح يبدأ من التفاصيل الصغيرة:

بين الطوارئ الطبية وصناعة القهوة
طرفة سلطان المقبالي، طالبة في تخصص الطوارئ الطبية، تعمل بدوام جزئي في مجال تقديم القهوة، واختيارها لم يكن صدفة، بل نابع من رغبتها في خوض تجربة عملية تثري شخصيتها، وتكسبها مهارات حياتية، وتقول: «أحب البيئة السريعة، والمملوءة بالتفاعل مع الناس. كل يوم هنا يمنحني فرصة لاكتشاف شيء جديد عن نفسي، وعن الآخرين، فعملي ليس مجرّد تقديم قهوة، بل صناعة لحظات إنسانية تبقى في الذاكرة. فمن القصص التي لا أنساها، عندما دخل أحد الزبائن وكان يبدو عليه الحزن. قدّمت له مشروبه المفضل مع كلمه لطيفة، وعاد لاحقاً ليخبرني أن هذه اللفتة البسيطة غيّرت يومه بالكامل. هذه اللحظة ذكّرتني بأن عملي لا يقتصر على تقديم القهوة فقط، بل على صناعة تجارب إيجابية للزبائن».

وأضافت: «الموازنة بين العمل والدراسة لم يكن أمراً سهلاً في البداية، لكنني سرعان ما اكتشفت أن التنظيم هو مفتاح النجاح، بحيث أخصص وقتاً للدراسة، ووقتاً للعمل، ووقتاً آخر للراحة، والأنشطة الشخصية، مثل ركوب الخيل والرياضة. فقد تعلمت أن أتعامل مع ضغوط ساعات الذروة بمرونة، فعندما بدأت العمل في «ستاربكس» كنت أشعر بخليط من التوتر والحماس، كنت خائفة من ضغط الطلبات، وسرعة الشغل، لكن في الوقت نفسه كنت متحمسة لأتعلم. فلا أنسى موقفاً لعميل ابتسم في وجهي، وقال لي «شكراً على روحك الحلوة»، هذه الكلمة أعطتني دافعاً للاستمرار، وهذه المواقف بشكل عام، أكسبتني قدرة على ضبط النفس، ما يساعدني أيضاً على دراستي في مجال الطوارئ».

التفاصيل الصغيرة تصنع فرقاً كبيراً
بدورها، تصف ليلى هلال القهوة كجسر إنساني، فقد عملت قرابة عامين في «ستاربكس»، وتعتبر التجربة بالنسبة إليها أكثر من مجرّد وظيفة، وتبين «لقد شكلت أول تجربة تذوّق للقهوة لحظة فارقة جعلتني أنظر إلى القهوة كثقافة مملوءة بالنكهات والقصص، لا كمجرّد مشروب. فشغفي بالقهوة جعلني أبحث عن مكان يقدّر ثقافتها، إذ تعلمت من خلال عملي أن الخدمة ليست في تقديم مشروب فقط، بل في خلق تجربة كاملة للزبون، فقد أواجه أحياناً ضغطاً كبيراً أثناء مواسم العطلات أو أوقات الازدحام، لكن هذه اللحظات بالذات هي التي تصقل مهاراتي». وتضيف: «تعلمت أن أكون هادئة تحت الضغط، وأن أعمل بكفاءة عالية ضمن فريق متعاون، وأطمح إلى أن أكون جزءاً من فريق تطوير المنتجات في العلامة العالمية، فأنا أؤمن بأن القهوة عالم واسع يستحق الابتكار المستمر، فعندما أسمع الموسيقى الهادئة في المقهى أشعر بأنها مصدر إلهامي اليومي، وتمنحني طاقة وطمأنينة وسط الزحام».

وتصف ليلى حبها للقهوة منذ اللحظة التي شاركت فيها لأول مرة في تجربة تذوّق القهوة (Coffee Tasting)، حيث ركزت في التذوق لتكتشف طعم التحميص، والفروق الدقيقة بين كل نوع، وتدرك أن القهوة ليست مجرد مشروب «بل عالم متكامل من التفاصيل، والنكهات، والقصص القادمة من بلدان وثقافات مختلفة، ومنذ ذلك اليوم، بدأت أنظر إليها بعين التقدير والشغف، فأنا أرى ثقافة القهوة في المقهى أبعد من شراء كوب، حيث يحمل كل فنجان ابتسامة واهتماماً، ولحظة خاصة بكل زبون، سواء كان في طريقه إلى عمله، أو يدرس، أو يشارك صديقاً وقتاً دافئاً».
وتصف لنا بعض المواقف «أجمل اللحظات التي عشت أثرها بعمق، كانت حين التقيت بزبونة أجنبية أبدت دهشتها وإعجابها برؤية شابة إماراتية تعمل بابتسامة وشغف في مجال تقديم القهوة، لتسألني عن تجربتي، وكيف أوفق بين عملي وحياتي، وحين رأت حرصي على الخدمة بجودة وحب، قالت لي إنها فخورة بي، عندها شعرت بأنني أمثل بلدي بأجمل صورة، وأعكس روح المرأة الإماراتية القوية التي تعمل وتشارك العالم نجاحها».

أشارك هويتي في إعداد القهوة
أما شيخة محمد سعيد، فقد بدأت رحلتها كباريستا في فرع لولو مول، لكنها لم تكتفِ بهذا الدور طويلاً. شغفها بالقهوة وروحها القيادية دفعاها إلى الترقي سريعاً، لتصبح مشرفة وردية خلال عامين فقط، وتقول: «أحببت أن أقدّم لكل عميل كوباً مثالياً يحمل شيئاً من الاهتمام. لم يكن الأمر سهلاً دائماً، بخاصة في عطلات نهاية الأسبوع، لكنني تعلمت كيف أحافظ على الجودة، على الرغم من الضغط، وإحدى النقاط التي افتخر بها، هي قدرتي عند تدريب زملاء جدد، فأنا أشعر بالمسؤولية تجاه الفريق. نجاحهم يعني نجاحي أيضاً. كما أرى في القهوة وسيلة للتعبير عن الهوية الإماراتية، فمن الجميل أن يراني الزبائن بعبايتي وحجابي، وأنا أعدّ لهم قهوتهم. أشعر بأنني أقدم صورة مختلفة، وملهمة عن المرأة الإماراتية.

وتضيف: «أجمل ذكرياتي ارتبطت دائماً بلحظات إنسانية مع عملائي المعتادين، حيث أرى في القهوة جسراً للود والتواصل، وليست مجرد مشروب يومي، من خلال فتح أحاديث ودّية مع الزبائن عن الثقافة والحياة، كما شعرت بروح القيادة عندما بدأت أساعد زميلاتي الجدد، وأشارك خبرتي في تفاصيل العمل الدقيقة، ونجحت في التوازن بين حياتي الأسرية وعملي، بفضل دعم الإدارة لي، ما أتاح لي أن أكون قريبة من أطفالي، من دون أن أتخلى عن شغفي. وبعد عشر سنوات، أتمنى أن يُذكر اسمي لا كباريستا فحسب، بل كإنسانة تركت أثراً دافئاً، وإلهاماً في قلوب الناس. ورسالتي لكل بنت من جيلي: أحبّي الناس قبل القهوة، وكوني وفية لشغفك، فذلك سرّ النجاح، واعلمي أن حضور المرأة الإماراتية يضيف قيمة أصيلة أينما كانت».

حين يلتقي الفن بالقهوة
من جانبها، امتلكت عائشة محمد خبرة تتجاوز العامين في «ستاربكس»، حيث عملت في خدمة العملاء وتحضير القهوة، فكانت هذه التجربة بالنسبة إليها محطة غنية بالمعرفة والتطور، وتوضح «منذ انضمامي إلى الفريق، اكتسبت مهارات قيّمة في بيئة عمل احترافية تُعزز التعاون والجودة، وأسهمت في صقل شخصيتي المهنية، ومنحي ثقة أكبر بقدراتي. لقد كان شغفي بفنون القهوة حاضراً في حياتي، حتى قبل دخولي هذا المجال، وما زال يرافقني يومياً، ويمنحني متعة خاصة، في كل كوب أقدّمه. وخارج نطاق العمل، أحرص على قضاء وقت ممتع مع عائلتي وأصدقائي، ومتابعة الأفلام والمسلسلات، إضافة إلى ممارسة الرسم والتلوين كهوايات تعبّر عن ذاتي، وتزيد من إبداعي. وبفضل دعم مديري، ومرونة ساعات العمل، تمكنت من التطور والاستعداد لتولي دور مديرة الورديات، مع المحافظة على توازن صحي بين العمل، والدراسة، والحياة الشخصية. وعلى الرغم من بعض التساؤلات التي واجهتني من العائلة في البداية حول طبيعة العمل وساعاته، إلا أن شغفي وتقدمي دفعاهم لتشجيعي ودعمي حتى أواصل مسيرتي بثبات».

أما عن أبرز التحدّيات التي واجهتها عائشة، فقد تمثلت في التعامل مع ضغط العمل خلال أوقات الذروة «حين يكون عليّ أن أحافظ على جودة المشروبات وخدمة العملاء، في آن واحد، لكن مع مرور الوقت تعلمت إدارة وقتي، وتنظيم مهامي، والتعاون مع فريقي لتجاوز تلك المواقف بنجاح. وأنا أفتخر بتطوري السريع في هذا المجال، حيث بدأت كباريستا، ثم اكتسبت مهارات عالية في تحضير القهوة وخدمة العملاء، كما حصلت على ثقة الإدارة لترشيحي لتدريب SSV، وهو إنجاز أعتز به لأنه يعكس التزامي وحماسي. ومن أجمل اللحظات التي لا أنساها أبداً، حين قال لي أحد العملاء: «عندما أراكِ تعملين أشعر بالفخر، وأشكر أهلك على تربيتك»، كانت تلك الكلمات في بداياتي، فشكّلت دافعاً كبيراً للاستمرار، وزادتني طاقة إيجابية. وحتى هواية الرسم وجدت طريقها إلى عملي، فقد كنت أرسم على أكواب ستاربكس أحياناً، وأرى كيف يلتقي الفن بالقهوة في تفاصيل يومي. كما مررت بموقف هام مع زميل جديد، حين طرح فكرة بسيطة غيّرت طريقة عملنا، وساعدتنا على تجاوز تحدٍ كبير، ما جعلني أكثر انفتاحاً وتواضعاً في الاستماع للأفكار الجديدة، وتقدير قيمة العمل الجماعي. وطموحي الأكبر أن أطوّر مهاراتي القيادية لأصبح مديرة فرع، وأن أكون قدوة في الالتزام والجودة، أترك أثراً طيباً في تجربة العملاء وزملائي، وأبتكر يوماً ما مشروبي الخاص الذي يحمل بصمتي الفنية، مثل مشروب Lemon Mint Breeze مع صوص الفراولة الذي أحبه كثيراً».

قصص طرفة، ليلى، شيخة، وعائشة، تؤكد أن عملهن ليس مجرّد وظيفة عابرة، بل مساحة للنمو واكتساب مهارات، حياتية ومهنية، قيّمة. من التعامل مع الضغط، إلى تعزيز الهوية، إلى إدخال الفن في التفاصيل اليومية؛ كلها دروس تثبت أن النجاح يبدأ من لحظات صغيرة تُعاش بشغف.