27 أغسطس 2025

د. فاطمة الشامسي: المرأة الإماراتية لا تبحث عن اعتراف بل عن أثر

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في بيئة عمل تتطلب كفاءة عالية، وقدرة مستمرة على التكيّف مع التطورات، برزت الدكتورة فاطمة سيف الشامسي، أخصائية استشارات إدارية في شركة أبوظبي للخدمات الصحية ـ صحة، ورئيسة لجنة الكوتشينج في جمعية الإمارات للمستشارين والمدرّبين الإداريين، كإحدى الشخصيات الإماراتية الرائدة في مجالات التنمية البشرية والقيادة الاستراتيجية، بخبرة تجاوزت 35 عاماً، في قطاعات التعليم والإدارة والتدريب، لتشكّل نموذجاً للمرأة القيادية التي توظّف أدوات العلم والمعرفة لإحداث تحول حقيقي في بيئات العمل، الحكومية والمجتمعية.

في لقائنا معها، نفتح صفحات من رحلتها الشخصية والمهنية، لنتعرف إلى رؤيتها للعمل المؤسسي، وفلسفتها في الإدارة، وأحلامها المؤجلة، ومشاريعها القادمة التي تعيد تعريف مفهوم القيادة لبناء جيل إماراتي أكثر وعياً وتأثيراً:

مجلة كل الأسرة

كيف بدأت رحلتك المهنية في مجال التنمية البشرية والاستشارات الإدارية؟

بدأت رحلتي من الإيمان العميق بأن الاستثمار في الإنسان هو الأثمن والأبقى، إذ قضيت في جامعة الإمارات عشرين عاماً، لم أكن موظفة، أو مديرة فقط، بل كنت أزرع بذور التغيير الإيجابي، حيث أسّست مركز البرامج الخاصة والتعليم المستمر، لتلبية احتياجات المجتمع من التدريب والتطوير، وكانت هذه البيئة الأكاديمية نقطة الانطلاقة نحو إدراك أهمية التنمية البشرية كمحرك للتطور المؤسسي، ومع مرور الوقت، تعمّقتُ في عالم الكوتشينج والاستشارات، حتى أصبح جزءاً من هويتي المهنية.

هل كان التوجه للتخصص في هذا المجال نابعاً من شغف شخصي، أم تطور مهني؟

من مزيج متكامل بين الشغف الفطري لمساعدة الناس، وتمكينهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وبين التطور المهني الذي فرض نفسه من خلال التحدّيات اليومية التي واجهتها في بيئات العمل، في ظل التطورات السريعة في المهارات التي يتطلبها العمل الإداري والفني.. لم يكن توجهي صدفة، بل مسار نضج تدريجي تشكّل من مواقف الحياة، واحتياجات المؤسسات، والرغبة الحقيقية في خدمة الآخرين، وتمكينهم.

دورة تدريبية عن الكوتشينج
دورة تدريبية عن الكوتشينج

كيف ساعدتك خلفيتك الأكاديمية والعلمية على فهم ديناميكيات بيئات العمل وتطويرها؟

منحتني تلك الخلفية أدوات التحليل العميق، والبحث المنهجي، والفهم السليم لسلوك الأفراد داخل المؤسسات، إذ تخرجت في جامعة الإمارات، تخصص إدارة عامة ولغة إنجليزية، ثم الماجستير، تبعه الدكتوراه في القيادة الاستراتيجية، لتمزج تجربتي العلمية والعملية لأكثر من 35 سنة بين النظرية والتطبيق، هذا الدمج مكّنني من تصميم برامج تدريبية، ومبادرات إدارية تُراعي الثقافة المؤسسية المحلية، وتحقق تطوراً حقيقياً في الأداء المؤسسي.

يعد القطاع الصحي من أكثر البيئات ضغطاً لصعوبة الفصل بين العمل والحياة الشخصية

ما أبرز التحديات التي تواجه الموظفين في القطاع الصحي من ناحية التحفيز والتوازن النفسي؟

يُعد هذا القطاع من أكثر البيئات ضغطاً، إذ يتعرض الموظف لمواقف إنسانية ومهنية شديدة التأثير، وأبرز التحدّيات تتجلى في الإرهاق النفسي، والاحتراق المهني، وصعوبة الفصل بين العمل والحياة الشخصية، وهنا تبرز أهمية وجود بيئة داعمة ومهارات ذهنية قوية للحفاظ على التوازن الداخلي.

كيف يمكن للدورات التطويرية أن تسهم في تحسين الأداء الوظيفي وتقليل الاحتراق الوظيفي؟

الدورات التطويرية ليست مجرّد تدريب، بل هي إعادة شحن للموظف، فحين يكتسب مهارات جديدة في إدارة التوتر، والتواصل الفعّال، أو خدمة المتعاملين أو إدارة الاجتماعات ولغة الحوار، وغيرها من الدورات الحديثة حسب متطلبات مؤسسته، فإن ذلك ينعكس على ثقته بنفسه، ويمنحه أدوات للنجاح، ما يقلل من الاحتراق المهني، ويزيد من ولائه للمؤسسة، لكن أهم من ذلك أسلوب الدورات نفسه، هل هو تقليدي، أم حديث يواكب التطور والذكاء الاصطناعي؟

كيف تقيّمين بيئة العمل في «صحة» من حيث الاستجابة للتغيير والتطوير؟

بيئة العمل في «صحة» من أكثر المؤسسات التي تطور نفسها بشكل كبير، نظراً لحساسية عملها الإنساني، إذ شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبح هناك توجه واضح نحو الاستثمار في الكوادر البشرية، وتبني برامج تطويرية قيادية في التطبيب، مثل الروبوتات للجراحات، وتشخيص الأمراض، وصرف الأدوية، إضافة إلى التوسع في التدريب العملي والاحترافي، ما يعكس استجابة واعية لأهمية التغيير المستدام، من أجل خدمة المرضى بأفضل الأساليب العالمية.

هل من أمثلة على مشاريع أو مبادرات ناجحة أشرفتِ عليها وأسهمت في تحسين بيئة العمل أو أداء الفرق؟

من أبرز المبادرات التي أفخر بها، تصميم وتنفيذ برامج تدريبية موجهة لموظفي الاستقبال وخدمة المتعاملين في مستشفيات «صحة»، وقد لاحظنا تحسناً ملحوظاً في التعامل مع المرضى، وارتفاعاً في مؤشرات الرضا الوظيفي والمجتمعي. كذلك قمت بتدريب قادة إداريين على الكوتشينج القيادي، ما أدى إلى تحولات إيجابية في طريقة قيادتهم للفرق. وحالياً، نعمل على تمكين الموظفين في بعض المؤسسات الأكاديمية والإدارية لتطوير مهاراتهم، سواء كانت الشخصية، أو العملية، وخلق التوازن النفسي لدى الموظف، ما ينعكس على استقراره الداخلي، ويزيد من إنتاجيته، والعمل الجماعي، والابتكار المؤسسي.

مجلة كل الأسرة

بصفتك امرأة قيادية في مجال يتطلب الكثير من الحزم والرؤية، ما أبرز التحدّيات التي واجهتك؟

المرأة القيادية الإماراتية اليوم لا تبحث عن اعتراف، بل عن أثر، والتحدّي الحقيقي ليس في الوصول إلى المنصب، بل في المحافظة على الأداء، وبناء فرق عمل متماسكة، والاستمرار في العطاء من دون أن تفقد ذاتها، أو رسالتها. والتحدّيات في بيئة العمل أمر واقع، سواء كان القائد رجلاً أو امرأة، إلا أن إيماني برسالتي هو سرّ تخطي تلك التحدّيات، والاستمرار في الصعود للقمة.

ما الفروقات التي تلاحظينها بين الموظف الذي يعمل في بيئة مشجعة نفسياً وآخر يفتقر إلى الدعم النفسي؟

الفرق شاسع، فالموظف في بيئة مشجعة يبدع، يبادر، يتعامل بثقة، أما الذي يفتقر إلى الدعم النفسي، فتجده قلقاً، متردداً، فاقداً للشغف تدريجياً، وبلا شك تعد البيئة النفسية الإيجابية أساس الإنتاجية الحقيقية.

تمكين الموظف يبدأ من الداخل وبيئة العمل تصنع الفارق

إذا أتيحت لكِ إعادة تصميم بيئة العمل المثالية، ما أهم الركائز التي ستبنين عليها هذه البيئة؟

سأعتمد على خمس ركائز جوهرية، الكرامة المهنية والإنسانية، التمكين قبل التقييم، البيئة النفسية الآمنة، القيادة المتواضعة، ترسيخ ثقافة العطاء.. فبيئة العمل المثالية ليست فخامة مبانٍ، ولا أنظمة إلكترونية متطورة، بل هي روحٌ، وثقافة تحتضن الإنسان لتصنع الفارق.

أثناء توقيع اتفاقية في مجال الكوتشينج بين جمعية الإمارات للمستشارين وبين كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
أثناء توقيع اتفاقية في مجال الكوتشينج بين جمعية الإمارات للمستشارين وبين كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

كيف يمكن تمكين المرأة الإماراتية لتكون صوتاً مؤثراً في التنمية المؤسسية؟

التمكين يبدأ بالثقة، فعندما تمنح المرأة أدوات المعرفة، ومساحة القرار، وفرص القيادة، فإنها تصنع الفرق، وعلينا أن نؤمن بقدراتها، ونكسر الصورة النمطية عنها، ونوفر لها منصات حقيقية للتأثير، وقد رأينا نماذج إماراتية مشرفة في هذا السياق، سواء على المستوى القيادي، أو الإداري، أو الخدمي.

هل لك مساهمات تطوعية أو مجتمعية خارج نطاق عملك الرسمي؟

العمل التطوعي يمثل لي امتداداً لرسالتي المهنية، وإشباع حبي للعطاء، وتمكين أفراد المجتمع، فأنا عضوة في مجلس إدارة جمعية الإمارات للاستشاريين والمدربين الإداريين، في دبي، ورئيسة لجنة الكوتشينج في الجمعية، وعضوة متطوعة في اللجنة الاستشارية في جمعية الإمارات لرائدات الأعمال في أبوظبي، إلى جانب مشاركاتي العديدة في مبادرات مجتمعية، بخاصة تلك التي تستهدف تمكين المرأة، وتأهيل الشباب، ونقل الخبرات لأجيال المستقبل. هذه الأنشطة تضيف إلي بُعداً إنسانياً، وتعزز من رؤيتي الشاملة للتنمية المجتمعية.

كيف يمكن ترسيخ ثقافة العطاء والوعي الذاتي في بيئات العمل وبين الموظفين؟

العطاء يبدأ من القدوة، فعندما يرى الموظف أن قادته يعملون بروح الفريق، ويمنحون من وقتهم وخبراتهم، فإنه يتعلّم تلقائياً كيف يكون جزءاً من هذا النهج، أما الوعي الذاتي، فهو يأتي من مواقف الحياة، والخبرة الطويلة، ومواجهة الكثير من التحدّيات، ومن ثم يأتي في المرحلة الثانية، التدريب، الحوار المفتوح، وغرس قيم المسؤولية والتقدير في ثقافة المؤسسة.

تكريمها كرئيسة لجنة الكوتش بالجمعية
تكريمها كرئيسة لجنة الكوتش بالجمعية

ما أبرز النصائح التي تقدمينها للشباب المقبلين على الحياة العملية اليوم؟

لا تتوقفوا عن التعلم والاستكشاف، وافهموا أنفسكم قبل أن تبحثوا عن وظيفة، واصنعوا لذواتكم هوية مهنية تكون مصدر فخر، لا مجرّد مهنة عابرة.

ما الحلم المؤجل الذي ما زال يسكن طموحات د. فاطمة الشامسي؟

الحلم المؤجل الذي يسكنني منذ سنوات هو تأسيس «أكاديمية إماراتية لتمكين القيادات والكوتشز العرب»، تُخرّج جيلاً واعياً بالهوية، يؤمن بالسنع الإماراتي، محترفاً في الأداء، قادراً على الجمع بين الحداثة والجذور، مؤطراً بالأخلاق الإماراتية العربية النابعة من الدين الإسلامي، فأنا أحلم بأن تكون هذه الأكاديمية حاضنة لكل شغوف بالتأثير والتغيير، وأن نُعيد من خلالها تعريف مفاهيم القيادة، التدريب، الكوتشينج، بما يتناسب مع مجتمعاتنا وثقافتنا. أما على الصعيد الشخصي، فأطمح إلى أن أعدّ كتاب يوثق رحلتي وتجربتي المهنية، يكون مصدر إلهام لكل امرأة تسعى لأن تكون مؤثرة، من دون أن تفقد جوهرها.

* تصوير: السيد رمضان