د. فاطمة المعمري: أتوجه بكتاباتي إلى الشباب لأنهم القوة المحركة لمستقبل مشرق

أحبّت سماع الشعر منذ الطفولة، ليزداد شغفها بأن تصبح شاعرة، بعد أن تكوّنت لديها عقيدة بأن الكتابة وسيلتها للتعبير عن ذاتها، وأداة لتحقيق أحلامها، وطموحاتها. كتاباتها أشبه بالسهل الممتنع لكونها تتوجه للشباب باعتبارهم القوة المحركة لمستقبل مشرق، حصلت على الماجستير في الأدب والنقد، ونالت درجة الدكتوراه في اللغة العربية، وآدابها.

هي الكاتبة والناقدة، الدكتورة فاطمة المعمري، التي التقيناها لتطلعنا على تجربتها مع الشعر، وتكشف لنا جانباً من حياتها الشخصية:
الفن والثقافة انعكاس لفكر الإنسان، كيف ترصدين حال جيل اليوم من هذه المقولة؟
الفن والثقافة هما انعكاس حقيقي لفكر الإنسان، وتجليّاته في مختلف العصور، وجيل اليوم ليس استثناء من هذه القاعدة، فإذا تأملنا الإنتاج الثقافي والفني المعاصر، نجد أنه يعكس تحدّيات الجيل وقضاياه، مثل التكنولوجيا، التغيّر المناخي، الهوية، والانفتاح على العالم، فهذا الجيل يتمتع بقدرة استثنائية على التعبير بطرق مبتكرة، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويستفيد من الأدوات الرقمية والمنصات العالمية للوصول إلى جمهور أوسع. في الوقت نفسه، نرى اهتماماّ متزايداً بإحياء التراث الثقافي والفني، ولكن بعيون حديثة تواكب التطورات، وتستجيب لرغبات المجتمعات.
هل يواجه جيل اليوم تحدّياً في بلورة رؤيته على أرض الواقع؟
يكمن التحدّي في تحقيق توازن بين الحفاظ على القيم الثقافية الأصيلة، والانفتاح على الفكر العالمي، فما أراه اليوم هو أن الفن والثقافة أصبحا لغة مشتركة للتواصل الإنساني، وجيل اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية تطوير هذه اللغة بطرق إبداعية تُلهم الأجيال القادمة، مع الحفاظ على جوهرها، الإنساني والقيمي، فهذا التفاعل بين التراث والحداثة هو ما يجعل نتاجهم مميّزاً، ومثيراً للإعجاب.

يتوجه بعض الكتاب إلى النخبة، في حين تفضلين أنت التوجه بكتاباتك إلى الشباب، لماذا تركزين على هذه الفئة تحديداً؟
اختياري التوجه بكتاباتي إلى الشباب ينبع من قناعتي بأنهم القوة المحركة لمستقبل مشرق للمجتمعات، فهم الأكثر تأثراً بالتغيّرات السريعة التي يشهدها العالم، وهم في الوقت ذاته الأكثر قدرة على التكيف معها، وصنع الفارق، ولذلك أرى فيهم طاقة وإمكانات هائلة،تحتاج إلى توجيه وإلهام ليصبحوا قادرين على الإبداع، والتأثير في محيطهم.
علاوة على ذلك، الشباب يبحثون عن محتوى يمسّ حياتهم اليومية، ويتماشى مع اهتماماتهم وأحلامهم، ما يدفعني لأن تكون كتاباتي قريبة من واقعهم، تتناول قضاياهم، وتحدّياتهم بلغة يفهمونها، ويجدون أنفسهم فيها. وخلاصة القول، فبالنسبة لي، التأثير في الشباب يعني التأثير في المستقبل، لأنهم سيحملون مشاعل التغيير، ويعيدون تشكيل المجتمع وفقاً لرؤاهم وطموحاتهم، ومن هنا يأتي تركيزي على هذه الفئة، لإيماني بأن الاستثمار في عقولهم ووجدانهم هو أفضل استثمار يمكن أن نقدمه للمجتمع.
هل تعتبرين الأدب أكثر قدرة على نقل الأحاسيس والمشاعر الإنسانية؟
نعم، فالأدب قادر على فعل ذلك بعمق وتجرّد، لكونه يمتلك لغة خاصة تتجاوز الكلمات، فالأدب يستطيع أن يلتقط أدق تفاصيل التجربة الإنسانية، ويحوّلها إلى صور وأحاسيس يتردّد صداها في وجدان القارئ، فما يميّز الأدب هو مرونته، وقدرته على التلوّن وفقاً للتجارب البشرية المختلفة، سواء كان عبر الرواية التي تأخذ القارئ في رحلة إلى عوالم وأزمنة متعدّدة، أو الشعر الذي يترجم المشاعر إلى كلمات موجزة عميقة، أو القصة التي تعبّر عن لحظات يومية بلمسة إنسانية خاصة، إنه حقاً الجسر الذي يربط بين العقول والقلوب، وبين الثقافات والتجارب المختلفة، ما يجعله أداة استثنائية للتعبير، والتأثير الإنساني.

هل تجدين سهولة في التنقل بين الشعر والنثر والحكايات الشعبية؟
أجد نفسي مرتاحة تماماً في التنقل بين الشعر والنثر، فلكل منهما أفقه الخاص، وأدواته التي تمنحني مساحة للتعبير، فالشعر هو الأقرب إلى قلبي وروحي، لكونه لغة المشاعر المكثفة، والصور البليغة التي تختزل العالم في كلمات قليلة، ودائماً ما أصفه بأنه نبض قلمي الأول، هو الذي يشعل بداخلي الرغبة في الكتابة والتعبير، وهو الوسيلة التي أشعر من خلالها بأنني أستطيع أن ألامس أرواح الآخرين.
لذلك، أحرص دائماً على أن أُعرّف بالشاعرة، لأنها الهوية التي أجد نفسي فيها، بكل وضوح وصدق، أما النثر، فهو مساحة أخرى تمنحني فرصة للتعبير بشكل أكثر تفصيلاً، بخاصة عندما أحتاج إلى استكشاف الأفكار والتجارب بشكل عميق.
ماذا عن الشعر النبطي في إصدارات فاطمة المعمري؟
الشعر النبطي جزء عزيز من تجربتي الشعرية، وهو لون أدبي يحمل خصوصية، ثقافية وجمالية، كبيرة، فأنا أحيي العديد من الأمسيات الشعرية النبطية، وأشارك قصائدي مع الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أجد تفاعلاً مميزاً مع هذا اللون الشعري العريق، ومع ذلك، لم أجرؤ بعد على إصدار ديوان نبطي، لأنني أؤمن بأن كل ديوان يجب أن يكون إضافة نوعية وقيّمة للمكتبة الأدبية، وربما يحمل لي المستقبل فرصة مناسبة لتقديم ديوان نبطي يكون بمثابة مرآة صادقة لروحي الشعرية، ولهويتي الثقافية.

حدثينا عن تجربتك الشعرية..
تجربتي الشعرية هي مزيج متكامل بين ما أعيشه وأصنعه، وبين ما أتخيله وأبتكره، فأحياناً تكون القصيدة انعكاساً لتجارب حقيقية، أشعر بها وأعيشها بعمق، فأصوغها بأحاسيس صادقة تمثل لحظات واقعية من حياتي، وأحيان أخرى، أترك لخيالي العنان لأبتكر عوالم ومشاهد لم أختبرها، لكنني أعيشها في مخيلتي كأنها واقع، فالشعر، من وجهة نظري، قادر على أن يجمع بين الحقيقة والخيال، وبين ما هو ملموس وما هو متخيّل، وهذا هو سرّ جماله، وقوته في التعبير عن الإنسان، بكل أبعاده.
تطالبين بوضع وظيفة ناقد في المؤسسات الثقافية، هل ترين قصوراً في المشهد النقدي؟
أرى أن هناك جهوداً مقدّرة تُبذل في المشهد النقدي، سواء من خلال المبادرات الثقافية، أو الحضور الأكاديمي، ومع ذلك، فإن تعزيز وجود وظيفة ناقد داخل المؤسسات الثقافية يمكن أن يكون إضافة نوعية تُثري هذه الجهود، من خلال توفير قراءة نقدية، معمّقة ومستمرة، للإنتاج الأدبي والفني، وتوجيه المبدعين نحو آفاق جديدة من التطوير، فالنقد ليس مجرد تقييم، بل هو رافد أساسي للإبداع، ودوره يتعاظم في بيئة ثقافية، غنية ومتجددة، كبيئتنا، لذا، يمكن أن تكون هذه الخطوة داعمة لرؤية الارتقاء بالمشهد الثقافي، وتعزيز التميز في كل المجالات.

كم عدد الإصدارات التي ألّفتها وأكثرها قرباً إليك؟
ألّفتُ 10 إصدارات متنوعة، لكل منها مكانة خاصة في قلبي، حيث يعكس كل واحد منها جانباً مختلفاً من رحلتي الأدبية، وتتنوّع هذه الإصدارات بين دواوين النثر والنصوص السردية والدراسات الأدبية، ومنها «همس الربيع»، «صديق في كومة قش»، «السيف في حياة العرب»، «الخامس من الغياب»، «شغف القراءة»، «حب على هيئة بريد»، «الإمارات في قصائدنا»، «السلاح في الشعر الجاهلي.. أبعاد اجتماعية ونفسية»، «التنوّع الثقافي في السرد الإماراتي»، ومع ذلك، فإن كتابي «حب من نوع فاخر» هو الأقرب إلى ذاتي، لكونه يمثل تجربة شعورية مكثفة، نقلتُ فيها مشاعري وأفكاري بأسلوب عميق، كما عبّرت فيه كثيراً عني، كما لم أفعل في أي كتاب آخر، فمن يقرأ هذا الكتاب يقرأ فاطمة المعمري جيداً، ما جعله الأقرب إلى قلبي والأكثر تأثيراً في القراء الذين وجدوا فيه صدى لقصصهم، وأحاسيسهم.
شعراء المهجر أبدعوا في التعبير عن الاغتراب والحنين بأسلوب إنساني مؤثر
هل هناك من تأثرت به خلال تجربتك الشعرية؟
كل شاعر هو نتاج ما يتأثر به، ويستوحيه، فقد تأثرتُ بالكثير من الشعراء على مرّ العصور، ففي الأدب الجاهلي، وجدت نفسي متوغلة في عمقه وأصالته، وقضيت سنوات أستمتع بالتأمل في صوره البليغة، ومعانيه الراقية، أما في العصر الحديث، فقد ألهمتني تجارب شعراء المهجر الذين أبدعوا في التعبير عن الاغتراب والحنين بأسلوب إنساني مؤثر، وفي ما يخص الشعر الإماراتي، أجد شعر سالم الجمري مملوءاً بعذوبة المفردة، وأصالة الطرح، وهو من الشعراء الذين أعتبر أعمالهم مصدر إلهام دائم، ومنذ طفولتي كنت أتمنى أن أكتب يوماً ما شعراً يحمل نفس الرقي والعمق اللذين تميزت بهما قصائد الشاعر الدكتور مانع سعيد العتيبة، والتي أعتبرها نموذجاً للإبداع الشعري الإماراتي الذي يجمع بين الأصالة والحداثة.

هل هناك صعوبات تواجهها المبدعات الإماراتيات؟
من وجهة نظري، لا أرى أن هناك تحدّيات حقيقية تعوق المرأة الإماراتية المبدعة، فالحياة اليوم أصبحت أكثر سهولة بفضل الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة، للمبدعين والمبدعات، في مختلف المجالات. فالبيئة الثقافية في الإمارات تزخر بالفرص، بدءاً من المبادرات الداعمة للإبداع، وصولاً إلى المسابقات والجوائز التي تحفز على التميّز، فضلاً عن سهولة الوصول إلى وسائل النشر والترويج للأعمال الأدبية، كما أن التطور التكنولوجي أسهم في توفير العديد من البدائل والفرص للمبدعات لإبراز مواهبهن. ومع كل هذه المقومات، أرى أن المرأة الإماراتية قادرة على تحقيق التميّز بسهولة، إذا كانت لديها الإرادة والرغبة في العمل والإبداع، أما التحدي الوحيد فقد يكون في كيفية استثمار هذه الفرص بالشكل الأمثل لتحقيق أثر إيجابي ومستدام.
هل لديك طقوس خاصة قبل أن تنطلقي بفكرك نحو الكتابة؟
لا أمارس طقوساً خاصة قبل الكتابة، ولكن ما يميّزني هو حرصي الشديد على البحث والتحضير قبل أن أبدأ بالكتابة، أحب أن أستوعب الموضوع بالكامل، وأجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة به، وأعتقد أن المعرفة الدقيقة والمتعمقة حول الفكرة التي أكتب عنها تسهم، بشكل كبير، في تسليط الضوء على جوانب الموضوع وفتح آفاق جديدة لي، وبعد ذلك، أبدأ بتشكيل أفكاري على الورق بشكل طبيعي، حيث يكون كل شيء مدعوماً برؤية واضحة، ومبنية على أسس قوية.
حدثينا عن نشأتك وكيف أثرت في توجهك الفكري وفي رسم ملامح مستقبلك..
نشأت وأنا أحب القراءة منذ صغري، وكنت أستمتع بالبحث عن الكلمات الجميلة، وأفكار الكتاب في مرحلة مبكرة، وبدأت أكتب الشعر كمحاولة للتعبير عن نفسي وأفكاري، ورغم أن أول كتاب لي كان في عام 2008 وكان يحمل الكثير من البساطة، والنضوج غير الكامل، فقد كان بداية قوية في رحلتي الإبداعية، فالكتابة بالنسبة لي، هي أداة للتعبير عن الذات، وأداة لتحقيق الأحلام والطموحات.

حصلت على جائزة الموظف المتميّز وجائزة مفكر العام، ماذا تعني لك هذه التكريمات؟
تُعد هذه الجوائز من أبرز المحطات التي مررت بها في مسيرتي، فهي لا تمثل تقديراً لما قدمته فقط، ولكنها أيضاً نقطة انطلاق جديدة نحو الأفضل، فكل جائزة تأثرت بها بشكل مختلف. فجائزة الموظف المتميّز في المجال الإداري في برنامج الريادة الوظيفية التابع لوزارة الثقافة، شجعتني على مواصلة التفاني في العمل الجماعي، والمساهمة الفعالة ضمن الفريق، بينما جائزة مفكر العام فتحت أمامي آفاقاً جديدة للتفكير والإبداع في مجالات متعدّدة، فبلاشك هذه الجوائز تمنحني شعوراً عميقاً بالتقدير، وتحفزني لتحقيق المزيد من الإنجازات المستقبلية.

حدثينا عن عائلتك والدور الذي تلعبه في حياتك..
عائلتي مصدر إلهامي، فلكل فرد فيها دور كبير في حياتي، فوالدتي هي مصدر الأمان والحكمة، وإخوتي وأخواتي كانوا دائما متواجدين لإرشادي وتشجيعي على تحقيق طموحاتي. أما بالنسبة إلى أسرتي الصغيرة، فأبنائي وزوجي يمثلون الرفاق الحقيقيين في رحلتي، وهم مصدر السعادة والدعم الدائم لتحقيق ما أصبو إليه، ودائماً ما يحفزونني على التطور والإبداع في حياتي، المهنية والشخصية.
هل هناك مشروع فكري سيرى النور قريباً؟
أطمح إلى إكمال مشاريع فكرية عدّة، من بينها ديواني النبطي الذي أعمل عليه منذ فترة، وأتطلع لأن أتمكن من إصداره قريباً. إضافة إلى ذلك، هناك دراسات أدبية تنطوي على أبحاث معمقة في مجالات عدة، وأنا في صدد العمل عليها خطوة بخطوة، فأنا أؤمن بأن هذه المشاريع ستفتح أمامي أفقاً جديداً يعزز من تجربتي الأدبية.
* تصوير: السيد رمضان