تُعد أول طبيبة إماراتية متخصصة في مجالها، درست الطب العام في الجامعة الملكية للجراحين في أيرلندا، إلا أن شغفها بدراسة جراحة التجميل دفعها لإعادة تجربة السفر مرة أخرى، فكانت وجهتها إلى ألمانيا للحصول على البورد الألماني في جراحة التجميل، ومن ثم الانتقال إلى لندن وسويسرا لدراسة التخصص الدقيق في جراحة إعادة ترميم الثدي المجهرية للوذمة اللمفية..
هي الدكتورة نهلة عبد الرحمن المنصوري، استشارية جراحة التجميل وترميم الثدي، التقيناها لنتعرف من خلالها على هذا التخصص النادر ودوره في تحسين جودة حياة المرضى:
تعددت سفراتك طلباً للعلم، هل لك أن تطلعينا على أهم ما اكتسبته خلال مشوارك العلمي؟
يحقق السفر لطلب العلم مكتسبات كثيرة متمثلة في الخبرات التراكمية، منها فهم ثقافات وقيم وتقاليد مختلفة، والتواصل الفعال مع أشخاص من خلفيات متعددة، وتعلم كيفية الاعتماد على النفس وتنظيم الوقت؛ لتحقيق الأهداف المرجوة، ومواجهة التحديات الخاصة بتجربة العيش في بيئة جديدة والتكيف معها بطريقة مثالية..
بجانب توسيع شبكة العلاقات في المسار الأكاديمي والمهني نتيجة التعرف إلى أشخاص من مختلف أنحاء العالم، وكلها أمور اكتسبتها نتيجة وجودي بالخارج لفترة طويلة.
تُعَدّين أول طبيبة إماراتية متخصصة في إعادة ترميم الأوعية اللمفاوية المجهرية، فما الذي جذبك لهذا التخصص الدقيق والنادر؟
يواجه أطباء ترميم الأوعية اللمفاوية تحديات متنوعة ومتغيرة طوال الوقت، يحفزهم ذلك على التعلم المستمر وتطوير المهارات السريرية والفنية لديهم، كما يتطلب علاج مشاكل الأوعية اللمفاوية تفكيراً إبداعياً بحثاً عن حلول مبتكرة لتلك الأمور الطبية المعقدة..
وهو ما جذبني لهذا التخصص الدقيق الذي يسهم في شعوري بالرضا الوظيفي كوني ساعدت مرضاي على اجتياز محنتهم وصولاً لمرحلة الاستشفاء.
هل اختيار هذا التخصص سبقه موقف ما، دفعك لأن تميلين إلى كفته عن غيره من التخصصات؟
بالطبع، هناك تجربة شخصية أثرت في اهتمامي بمجال الطب النادر، وقد كانت هذه التجربة هي لقائي بشخص يعاني من مرض نادر ومعقد، ما جعلني أدرك أهمية وجود خبراء متخصصين في الأمراض النادرة لتقديم الرعاية والدعم اللازمين..
وعلى الرغم من استيعابي أن التشخيص والعلاج لهذه الحالات يمكن أن يكون تحدياً كبيراً، إلا أنني أدركت أهمية الأمل والتأثير الإيجابي الذي يمكن أن يحدثه الطبيب المتخصص الذي يعمل بجدية في هذا المجال، فكان طريقي من أيرلندا حيث دراسة الطب العام، إلى ألمانيا للحصول على البورد الألماني في جراحة التجميل، لترسو سفينة طموحاتي بلندن وسويسرا حيث دراسة تخصص أكثر دقة وندرة.
أشرت إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة باللمفوديما، فما هو هذا المرض وأسبابه؟
اللمفوديما أو (Lymphedema) هي حالة طبية تسبب تورماً مزمناً في الأطراف أو بعض الأجزاء الأخرى من الجسم نتيجة لاضطراب في النظام اللمفاوي، وهذا التورم يحدث عندما يفشل اللمف الطبيعي في التدفق بشكل صحيح في الأنسجة..
ما يؤدي إلى تجمع السوائل اللمفاوية وتورمها، أما أسبابه فمتعددة منها جراحات الأورام والتي يمكن أن تؤدي إزالتها أو علاجها بالإشعاع إلى تلف الأوعية اللمفاوية ومن ثم الإصابة باللمفوديما، كذلك الإصابة الجراحية أو الإصابة الناجمة عن الحوادث..
بالإضافة إلى العدوى بالملاريا، كما يمكن أن تؤدي العوامل الوراثية والسمنة المفرطة وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم إلى خطر اللمفوديما «الوذمة اللمفية».
الضغط والتوتر النفسي يؤدي إلى احتمالية إصابة المرأة باللمفوديما
هل هناك علاقة مباشرة بين الإصابة باللمفوديما والنساء؟
بالتأكيد، إذ يؤدي الضغط والتوتر النفسي إلى احتمالية تطور اللمفوديما، وهو ما قد يكون شائع الحدوث لدى النساء بسبب التحديات الاجتماعية والعائلية والمهنية، كما أن هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن تغير مستوى الهرمونات خلال فترة الحيض والحمل والولادة وما يلاحقها من اضطرابات يمكن أن تؤثر على النظام اللمفاوي وتزيد من خطر اللمفوديما لديهن.
تنادين بالتوعية بجراحة ترميم الثدي.. فما أهمية ذلك؟ ونوع الإصابات التي تحتاج لمثل هذا الإجراء؟
ترميم الثدي هو إجراء جراحي يهدف إلى استعادة شكله بعد إزالة الورم السرطاني خاصة إذا ترك أثراً على الشكل والمظهر الطبيعي، أو بعد الإصابة الجسدية الحادة التي تسبب تشوه شديد للثدي، ففقدان أو تشوه الثدي يؤثر على الصحة النفسية للمرأة ويمكن لجراحة الترميم أن تعزز الثقة بالنفس وتحسن الصورة الذاتية..
كما يساعد في تشجيع المرأة على تلقي الرعاية الشاملة بما في ذلك العلاج الجراحي والنفسي والدعم الاجتماعي.
فترميم الثدي أكثر من مجرد إجراء جراحي، بل هو جزء من تحسين جودة الحياة واستعادة الثقة بالنفس والقدرة على استئناف الأنشطة اليومية بأريحية، بجانب أنه يساعد على استعادة العلاقات وتعزيز الاندماج الاجتماعي، ولا نغفل دوره في تحسين الجودة الحياتية للشريك، إذ يشعر معه بالارتياح لرؤية الشريكة تتعافى وتستعيد الثقة بنفسها.
يلعب مجال التجميل دور آخر أكثر أهمية على المستوى النفسي، حدثينا عن دور الطبيب في تعزيز هذا الجانب.
يعتبر الطبيب شريكاً مهماً للمريض في مجال التجميل، ويجب عليه أن يستمع بعناية لاحتياجاته ومخاوفه وتوقعاته، ويجب أن يقوم بتوفير الدعم والتواصل الفعال لضمان شعوره بالراحة والثقة، بجانب توفير المعلومات الدقيقة والشفافة حول المخاطر والفوائد والنتائج المتوقعة، وهذا يساعد في تثقيف المريض وتهيئته للعلاج بشكل أفضل..
كما يجب على الطبيب تقديم الدعم النفسي خلال مرحلة التشاور والاستعداد للعلاج، وأيضا خلال فترة التعافي بعد الجراحة أو الإجراء التجميلي، بالإضافة إلى احترام اختيارات المريض وقراراته بشأن الإجراءات التجميلية.
هل أنت راضية عما أحرزه مجال التجميل في الدولة، وما أهم التجارب العالمية التي تأملين تطبيقها في الإمارات؟
لدينا كوادر وطنية مدربة بشكل جيد في هذا المجال، وإن كنت أتمنى أن يتم تطبيق التقنيات العالمية على نطاق واسع في مجال جراحة التجميل، فالطباعة ثلاثية الأبعاد تعد تقنية مبتكرة ومثيرة ولها تأثير هائل على تطوير وتحسين النتائج الجمالية في تلك الجراحات، إذ يمكن للأطباء عن طريقها إنشاء نماذج دقيقة لأجزاء الجسم المراد تعديلها قبل القيام بالجراحة..
كما يمكنهم إنشاء أنسجة وعظام صناعية مخصصة تناسب تماماً متطلبات المريض، ما يقلل من مخاطر الرفض ويحسن نتائج الزراعة، بل ومن خلالها يمكن تصميم الأدوات الجراحية التي تساعدهم في تحقيق نتائج أفضل وتقليل الأضرار المحتملة للأنسجة المحيطة..
كما يمكنها توفير بدائل للأنسجة الجلدية المستخدمة في جراحات التجميل، وبالتالي تقليل الحاجة إلى التبرع وتسريع عملية التعافي، ناهيك عن فوائدها في مجال الحروق وزراعة الجلد وإزالة الندبات، وزراعة أنسجة الوجه وغيرها.
هل هناك شخصية أثّرت في حياتك ومهّدت الأفق أمامك؟
أثّر مؤسس الدولة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مسيرة حياتي بشكل كبير، فمنه تعلمت القيم الإنسانية والتسامح والعطاء وحب العمل، كما تعلمت منه الإيجابية والتفاؤل والتفاني في خدمة الوطن، وأن بناء الإنسان يبدأ من تسلحه بالعلم كي يستطيع الانطلاق نحو أهدافه بسهولة.
ماذا عن طموحاتك في مجال التخصص؟
أطمح في المساهمة بشكل مكثف في تطوير تقنيات جراحية جديدة ومبتكرة في مجال التجميل والترميم، تساعد في تحقيق نتائج أكثر دقة وجودة للمرضى، كما آمل المشاركة في البحث العلمي والابتكار في مجال طب الجراحة التجميلية؛ لتطوير فهمنا للعمليات الجسدية وتحسين تقنيات العلاج والترميم، وتوعية الناس حول تلك الجراحات، وتوضيح الخيارات المتاحة لهم ومخاطر وفوائد كل إجراء..
بهدف تمكينهم من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهم ومظهرهم، كما أرغب في التعاون مع الأطباء والباحثين في جميع أنحاء العالم لتبادل المعرفة والخبرات وتعزيز التقدم في مجال جراحة التجميل والترميم.