المهندسة مروة المعمري: الذكاء الاصطناعي شريك وليس بديلاً في عالم الطيران

نجحت المهندسة مروة المعمري في تحويل شغفها في عالم هندسة الطيران إلى مسيرة مهنية مؤثرة تجمع بين الدقة التقنية واللمسة الإنسانية لتترك بصمة واضحة بتأسيسها وحدة الوقاية من الحوادث في الهيئة العامة للطيران المدني.
في حوارنا مع مروة المعمري تبحر بنا إلى قلب صناعة الطيران، لتحدثنا عن رحلتها التي بدأتها بسرد التحديات التي واجهتها، وصولاً إلى أبحاثها ورؤيتها لدور الذكاء الاصطناعي في سلامة الطيران، وحتى مسؤوليات الأمومة والعائلة:

بصفتك مهندسة طيران متخصصة في السلامة الجوية، كيف تتعاملين مع التحديات غير المتوقعة في عملك اليومي؟
في مجال السلامة الجوية، التحديات غير المتوقعة هي جزء من الواقع اليومي. أتعامل معها من خلال الاستعداد المسبق، والتحليل السريع، والتفكير الهادئ حتى تحت الضغط. أعتمد على قاعدة بيانات قوية من المعرفة الفنية والخبرة، إضافة إلى العمل الجماعي، لأن اتخاذ القرار في مثل هذه اللحظات لا يكون فردياً، بل يعتمد على منظومة متكاملة من المتخصصين.
أسستِ وحدة الوقاية من الحوادث في الهيئة العامة للطيران المدني، ما اللحظة التي شعرتِ فيها بأن هذا القرار كان نقطة تحول في مسيرتك المهنية؟
كانت لحظة تأسيس وحدة الوقاية من الحوادث بالنسبة لي بمثابة منعطف محوري في مسيرتي المهنية. حينها أدركت أنني لم أعد أكتفي بالتعامل مع الحوادث بعد وقوعها، بل أصبحت أساهم بشكل فعلي في منعها قبل حدوثها، وكان ذلك تغييراً جذرياً في فلسفة السلامة، إذ شعرت لأول مرة بأنني أحدث فرقاً حقيقياً في صناعة الطيران، ليس من خلال التقنية فقط، بل عبر النهج الاستباقي والتأثيري أيضاً.
كيف ترصدين دور الذكاء الاصطناعي في مستقبل سلامة الطيران، وهل تتوقعين أن يحل محل العنصر البشري في بعض المهام؟
في الوقت الراهن، أركز في رسالتي للدكتوراه على دراسة تأثير الذكاء الاصطناعي في تحسين سلامة الطيران، وأعتقد أنه سيصبح عنصراً أساسياً في هذا المجال، خصوصاً في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالمخاطر، ودعم قرارات السلامة. لكن مع ذلك، لن يحل محل الإنسان تماماً، إذ يظل الطيران بحاجة إلى الحس الإنساني، والحكم الأخلاقي، والفهم الاستباقي الذي يعجز الذكاء الاصطناعي عن إتقانه حتى الآن. لذلك يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي سيكون شريكاً للعنصر البشري وليس بديلاً عنه، وبتكامل قدراتهما يمكننا التقدم نحو هدف «صفر حوادث طيران» من خلال بناء منظومة ذكية تحقق أعلى مستويات السلامة والاستدامة.

لو أُتيحت لكِ فرصة العودة إلى تلك اللحظة التي شاركتِ فيها عائلتك رغبتك في دراسة هندسة الطيران، فما الذي كنت ستخبرينهم به بشكل مختلف اليوم؟
لو عاد بي الزمن إلى تلك اللحظة كنت سأتكلم معهم بنبرة أكثر ثقة، وأوضح لهم أن هذا القرار لم يكن مجرد عناد أو تمرد، بل هو شغف عميق ورسالة أؤمن بها، وتحدٍ أرغب في خوضه بكل حماس، في ذلك الوقت حاولت طمأنتهم والتخفيف من مخاوفهم، رغم عدم امتلاكي القدرة الكافية على التعبير عن السبب الحقيقي وراء اختياري لهذا المجال.
لم أعد مجرد مهندسة تطبق الحلول والمعايير، بل أصبحت باحثة تساهم في صياغة الأسئلة نفسها، وابتكار الحلول التي تصنع فارقاً
عندما تستعرضين مسيرتك المهنية اليوم، ما القرار الأكثر جرأة الذي تعتبرينه نقطة فارقة في حياتك المهنية؟
أعتقد أن أجرأ قرار مهني اتخذته كان التحول من بيئة تقنية بحتة إلى عالم الأوساط الأكاديمية والبحث العلمي. كان بمثابة قفزة كبيرة، فهو لم يكن قراراً سهلاً أو مضمون النتائج، لأنه كان يعني أن أترك ورائي مساراً مألوفاً في العمل الهندسي، لأدخل عالماً جديداً يتطلب فضولاً دائماً، واستعداداً لاكتشاف المجهول، وبناء معرفة جديدة بدلاً من مجرد تطبيقها. هذا القرار لم يغير فقط طريقة عملي، بل أعاد تعريف دوري في هذا المجال، فلم أعد مجرد مهندسة تطبق الحلول والمعايير، بل أصبحت باحثة تساهم في صياغة الأسئلة نفسها، وابتكار الحلول التي تصنع فارقاً. في تلك اللحظة أدركت أنني أريد أن أكون جزءاً من صناعة المعرفة ذاتها، لا مجرد مستخدمة لها، وهو ما سيمنحني إحساساً حقيقياً بالإنجاز والتأثير.

ما أبرز الدروس التي اكتسبتها من العمل في قطاع يتطلب دقة متناهية، وكيف تنعكس هذه الدروس على حياتك اليومية خارج نطاق العمل؟
من العمل في قطاع يتطلب دقة متناهية تعلمت أن الصبر والانضباط هما الأساس لأي إنجاز حقيقي. هذا العمل علمني قيمة التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو غير مهمة للوهلة الأولى، لكنها في الواقع تصنع الفارق الكبير في النتيجة النهائية. في حياتي اليومية، انعكست هذه الدروس على طريقة إدارتي لوقتي وتفكيري. أصبحت أقدر أهمية التخطيط المسبق، وأتأكد من أن كل خطوة محسوبة بدقة قبل اتخاذ القرار. كما أصبحت أكثر وعياً بأن القرارات، حتى تلك التي قد تبدو بسيطة وعابرة تحمل أثراً طويل المدى. كما تعلمت الموازنة بين القلب والعقل في كل ما أقوم به، ففي صناعة الطيران الأمان لا يكون فقط في الالتزام بالتقنيات، بل في امتلاك رؤية شاملة تربط التفاصيل الصغيرة بهدف أسمى وأشمل.
كيف تنجحين في تحقيق التوازن بين مسؤولياتك كأم، ومهندسة، وباحثة في مجال معقد مثل سلامة الطيران؟
تحقيق التوازن هو تحدٍ مستمر لكنه ليس مستحيلاً. أؤمن بأن سر التوازن لا يكمن في تقسيم الوقت بدقة صارمة، بل في التركيز على «جودة الوقت» الذي أقضيه في كل دور. عندما أكون مع أطفالي، أحرص على أن أكون حاضرة «بكليتي» ليس فقط جسدياً. في المقابل، عندما أكون في عملي، أدير وقتي بمرونة ذكية تتيح لي التركيز والانغماس به. هذا التوازن يتطلب مني إعادة ترتيب أولوياتي بشكل دائم، لكنه أيضاً يذكرني بقيمة كل دور ألعبه. أسعى لأن أكون قدوة لأطفالي، لا أريدهم أن يروني كأم حنونة فقط، بل امرأة قادرة على صناعة الفرق وتحقق ذاتها بشغف، دون أن تتنازل عن احترامها لدورها الأسري. فأنا أؤمن بأن التوازن ليس حالة ثابتة، بل هو رحلة مستمرة من التعلم وإعادة التقييم.

هناك تصور بأن العمل في هندسة الطيران يتطلب شخصية صارمة وحازمة، كيف تصفين شخصيتك ضمن بيئة العمل؟
صحيح أن قطاع هندسة الطيران يتطلب انضباطاً ودقة عالية، لكنني أؤمن بأن الصرامة وحدها لا تكفي لخلق بيئة عمل ناجحة. لذلك أسعى أن أكون مرنة وحازمة في نفس الوقت. فالقيادة الحقيقية تنبع من القدرة على الاستماع باحترام لآراء الآخرين، وفهم متطلبات العمل بعمق، ليتمكن الشخص من اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. كما أحاول أن أوازن بين الجانب المهني الصارم الذي تفرضه طبيعة العمل، والجانب الإنساني الذي أعتبره جزءاً لا يتجزأ من أي بيئة ناجحة. والطيران، مهما بدا في ظاهره عملاً منضبط تقنياً، يبقى في النهاية عملاً إنسانياً يلتزم فيه الجميع بقيم الثقة والتعاون والتكامل.
رغم كل التقدم الذي شهدته المرأة، ما الذي ترين أنه ما زال ينقصها لتحقيق حضورها في مجال قطاع الطيران؟
مع كل الإنجازات الملهمة التي حققتها المرأة، أعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى رؤية حضور أكبر للنساء في المناصب القيادية، حيث تُصنع القرارات الاستراتيجية التي تعيد تشكيل ملامح هذه الصناعة. كما لا نزال بحاجة لتعزيز الثقة المجتمعية بدور المرأة في المجالات التقنية، بما يفتح لها المجال لتكون جزءاً فاعلاً وطبيعياً في كل مراحل تطوير هذا القطاع. والأهم من ذلك كله، إيجاد مساحات خاصة لتشجيع وإلهام الفتيات، ليتمكنّ من الإيمان بانفتاح مجال هندسة الطيران أمامهن تماماً كما هو مفتوح لغيرهن. فغالباً ما يبدأ التغيير الكبير من شغف صغير يكبر عندما ترى الفتاة نموذجاً حقيقياً أمامها.
* تصوير: السيد رمضان + من المصدر