19 يونيو 2025

قمة المحيطات في مدينة نيس الفرنسية.. أسرار فندق «نيجريسكو» الذي جمع تحت قبته الرؤوس المتوجة

كاتبة صحافية

مجلة كل الأسرة

صاحبة البيت هي بريجيت زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي التي ارتدت أبهى فساتينها للترحيب بعدد من الأميرات وقرينات الملوك والرؤساء الذين حضروا القمة التي نظمتها الأمم المتحدة لبحث شؤون المحيطات والحفاظ عليها من التلوث والتغيرات المناخية.

الرئيس الفرنسي وزوجته مع الرئيس العراقي وزوجته في افتتاح القمة
الرئيس الفرنسي وزوجته مع الرئيس العراقي وزوجته في افتتاح القمة
الرئيس الفرنسي وزوجته مع الأميرة للا حسناء
الرئيس الفرنسي وزوجته مع الأميرة للا حسناء

حفل الاستقبال الكبير جرى في مدينة نيس على الساحل الجنوبي لفرنسا، الذي هو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. وكان من الطبيعي أن يقع الاختيار على «نيجريسكو»، أشهر فنادق المدينة، لاحتضان هذا الحفل ولإقامة ضيوف القمة. كانت هناك الأميرة للا حسناء شقيقة العاهل المغربي، والأميرة فيكتوريا ولية عهد السويد، وأميرة موناكو شارلين، وأورسولا فون دير لاين رئيسة المجموعة الأوروبية، وقرينة الرئيس العراقي شاهناز إبراهيم أحمد، وعشرات السيدات الأخريات.

مجلة كل الأسرة

حفل الافتتاح كان مباراة في الأناقة نظراً للمواقع الرفيعة التي تشغلها الحاضرات. لكن هذه الأجواء ليست غريبة على فندق «نيجريسكو» الذي يزيد عمره على 100 عام، وكان الصرح المفضل للرؤوس المتوجة في العالم، ولنجوم السينما والغناء، وكبار الأثرياء.

مجلة كل الأسرة

ملكية الفندق لكلبين!!

ما سر هذا الفندق الذي كادت أن تذهب ملكيته إلى كلبين عزيزين على قلب صاحبته؟ هذه حكاية طريفة تستحق أن تُروى.

قبل سنوات، وبملء إرادتها، طلبت مالكة الفندق الشهير، المطل على الكورنيش في مدينة نيس، وضعها تحت الحجر الصحي. وقال محامي الوارثة الثرية التي كانت في التسعين من العمر «إنها تشعر بالتعب وتريد أن تحمي نفسها وتضع حداً للطلبات التي تتلقاها». وأضاف أنها تود أن تلتقي بالناس الذين يزورونها بدافع الصداقة المحض، لا أي دافع آخر... أي طلب المساعدة.

جان أُوجييه
جان أُوجييه

على مدى أكثر من نصف قرن، أدارت جان أُوجييه الفندق ذا النجمات الخمسة والذي يعتبر واحداً من أفخم قصور العالم ومتحفاً يجمع الكثير من الروائع الفنية لكبار الرسامين والنحاتين. وهي تقيم في شقة فسيحة تقع في الطابق السادس من القصر المطل على شاطئ البحر المتوسط، في أجمل بقعة من المدينة والمسماة نزهة الإنجليز. وقد لاحظ المقربون منها أنها كانت قد بدأت تعاني بعض النسيان، كما أن حركتها باتت محدودة لأنها تتنقل على كرسي متحرك، ومع هذا ما زالت تتابع شؤون الإدارة والحسابات والحجوزات، وتدقق في الصغيرة والكبيرة باعتبارها آخر شخص مفرد يمتلك فندقاً من هذا المستوى في فرنسا.

رفضت مدام أوجييه أن تبيع «نيجريسكو» رغم العروض المغرية التي تلقتها، وقد طلبت لجنة قانونية لإدارة الفندق بعد رحيلها. ويقول المتندرون إنها أوصت بالقصر وموجوداته لكلبيها المدللين ليلو وليلي. وهي ظلت تعتبر الفندق بيتها الخاص وتؤثثه على هذا الأساس وتجمع مقتنيات من جميع الحقب، قد تكون متنافرة فيما بينها لكنها تشيع في الصالات والمطاعم أجواء من البهجة. وبمرور الوقت، تحول الفندق إلى واحد من أشهر معالم مدينة نيس، يزوره السياح ويلتقطون الصور أمامه، رغم أن صاحبته من مواليد مقاطعة «بريتاني» على الساحل الغربي للبلاد. وهي أثارت استغراب الجنوبيين وعشاق البحر الأبيض المتوسط عندما رفعت على واجهة فندقها صورة للمنطقة البعيدة التي ولدت فيها.

مجلة كل الأسرة

قصة فندق المشاهير

كان هنري نيجريسكو، وهو مهاجر ثري من رومانيا، قد طلب من المهندس جان نرمانس تشييد القصر في عام 1913 وجعل منه المكان المفضل للأرستقراطيين. ونرمانس هو نفسه مصمم مبنى الطاحونة الحمراء، النادي الليلي الذي ما زال قبلة السياح في باريس. ومع الحرب العالمية الأُولى صودر المبنى ليتحول إلى مستشفى عسكري وتعرض صاحبه للإفلاس. وهكذا اشتراه والد جان أُوجييه مقابل ثمن بخس، رغم أن قبته الزجاجية وحدها تساوي الملايين لأنها من تصميم غوستاف إيفل، مهندس برج باريس الشهير الذي يحمل اسمه. وقد أقام في الفندق مجموعة من أشهر الشخصيات في التاريخ الحديث مثل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، وشاه إيران، وونستون تشرتشل، وفريق «الرولينج ستونز»، وبيل جيتس، وريتشارد بيرتون، ومارلين ديتريش، وجريس كيلي، وسلفادور دالي، والمغني إلتون جون، وكل أصحاب التيجان والألقاب الأميرية في أُوروبا، فضلاً عن أثرياء الخليج، والصين، وروسيا، والأمريكتين.

مجلة كل الأسرة

لدى افتتاحه، كان الآلاف يقصدون نيس للتفرج على القبة الوردية للفندق. الفرجة من الخارج لأن قلائل هم من يقدرون على دفع تكاليف الإقامة فيه. إن الثريا الكبيرة وحدها تستحق أن تكون قطعة متحفية. وكان القيصر الروسي نيقولا الثاني قد طلب صنعها من فنان الزجاج الإيطالي الشهير روكو. وهناك في الفندق عشرات اللوحات التي لا تقل عما هو موجود في المتاحف الكبرى.

مجلة كل الأسرة

لا تكتمل زيارة مدن الساحل اللازوردي إلا بالتنزه في كورنيش مدينة «نيس» المطل على استدارة بحرية تسمى «خليج الملائكة». وفي أوائل القرن التاسع عشر كان الكورنيش ممراً ترابياً لا يزيد عرضه على المترين. وفي عام 1835 منح الملك شارل ألبير، عاهل سردينيا ودوق سافوا، بلدية المدينة حق التصرف في الممر، فوضعت مشروعاً لشق طريق جديد واسع بعرض 23 متراً، وعُهد إلى المهندس أنطوان شوفييه برسم مساره الذي آل إليه اليوم. وقد ابتدأت الأشغال في عام 1844 برفع الكورنيش عن سطح البحر بارتفاع 5 أمتار. ومع السنوات تم استكمال المشروع وأضيف 11 متراً إلى عرض الكورنيش.

معنى هذا أن الأشغال التمهيدية لبناء الكورنيش بدأت قبل قرنين، تقريباً، وهو سرعان ما تحول إلى الوجهة المفضلة لاصطياف النخبة من السياح الآتين من الجزر البريطانية، ولهذا حمل الكورنيش اسم «نزهة الإنجليز». وبسبب شهرة هذا الموقع وحمولته التاريخية سعى عمدة المدينة كريستيان إستروزي إلى إدراجه على قائمة «اليونسكو» للتراث الإنساني العالمي. إن تصنيف الجادة كإرث وطني فرنسي يعني الحفاظ عليها من عبث المستثمرين ومحاولات تغيير معالمها الأساسية التي اشتهرت بها. كما أن إضافتها إلى قائمة «اليونسكو» يضمن لها اهتماماً مستمراً بصيانتها وحماية منشآتها. فالكورنيش ليس مجرد شارع يطل على البحر فحسب، بل هو شريان الحياة لمدينة «نيس»، خامس أكبر مدن فرنسا، وهو يتميز بطريق للسيارات من وجهتين، ورصيف عريض للمشاة، مرصوف بأرضية ذات لون بني، تتوزع عليها مقاعد الاستراحة والكراسي الحديدية المصبوغة باللون الأزرق البحري والتي أصبحت من العلامات الشهيرة للموقع ولمنتجعات الساحل الجنوبي.

مجلة كل الأسرة

يشكو فندق «نيجريسكو» اليوم وكل «نزهة الإنجليز» من اختناقات المرور في بعض مناطقها، رغم أنها تتألف من طريقين للذهاب وطريقين للإياب، لا سيما بعد أن تحولت إلى ممر للسياح العابرين ما بين منتجع «كان» وإمارة موناكو. لكن السياح يحبون الزحمة خصوصاً حين تصطدم أكتافهم بهذا النجم الرياضي أو تلك النجمة السينمائية أو الأميرة الشرقية.