في عز الغليان العالمي حول غزة، وموقف فرنسا من هذا النزاع، تطلع علينا مجلة «باري ماتش» الباريسية، بمقابلة شاملة، وصريحة، ومدهشة، مع بريجيت، زوجة الرئيس إيمانويل ماكرون. هل هي محاولة لتلميع صورة زوجها في وقت يتعرض فيه للانتقاد من فئات داخلية عدة، أم هي خشبة إنقاذ تقدمها سيدة فرنسا الأولى للمجلة الأسبوعية الشهيرة التي فقدت بريقها وقرّاءها بسبب انصرافهم عن نسختها الورقية التي كانت توزع مئات الآلاف من النسخ؟
لا ممنوعات في هذه المقابلة. كل الأسئلة مقبولة والردود عليها تبدو صريحة إلى حد كبير. ليس من السهل أن تكشف سيدة بلغت السبعين من العمر عن تفاصيل علاقتها بزوجها الذي يصغرها بربع قرن، وكان تلميذها في المدرسة، يدرس في الصف نفسه مع ابنتها.
بريجيت ماكرون في هذا البوح لم تترك بقعة غامضة من دون أن تلقي عليها الضوء بكثير من الذكاء، واللباقة، والأناقة. كانت حكاية حبها لتلميذها ابن الخامسة عشرة فضيحة من الفضائح التي تداولها المجتمع المحافظ في مدينة آميين الصغيرة، شمالي فرنسا. ثم إنها كانت في التاسعة والثلاثين، ومتزوجة من أستاذ جامعي، وأمّ لثلاثة أطفال. وقد أشرفت على جمعية للتمثيل المسرحي في المدرسة، وكان إيمانويل ماكرون التلميذ الأكثر بريقاً بين رفاقه. أحبّها وأحبته من النظرة الأولى. أو لنقل منذ التمارين المسرحية الأولى. وثارت العائلتان ضد ذلك العشق الذي كان يعتبر شاذاً، لكنها تروي كيف تعاملت مع الأمر، وانتظرت عشر سنوات لكي تهدأ العواصف، وتتزوج بمن تحب.
بداية الحكاية بين المدرّسة بريجيت والطالب ماكرون
ولنبدأ من البداية. كانت بريجيت ترونيو في التاسعة عشرة حين حصلت على شهادة الثانوية العامة، ثم شهادة أعلى في الأدب، وكانت أطروحة التخرج عن «الحب اللطيف»، وهو مفهوم كان شائعاً في روايات العصور الوسطى. بعد ذلك عملت لمدة سنتين ملحقة صحفية في غرفة تجارة شمال فرنسا، وهي الفترة التي اقترنت فيها بزوجها الأول، وانتقلت معه إلى مقر عمله في مدينة ثانية. وكانت ثمرة الزواج ثلاثة أبناء، تفرغت بعد ولادتهم للحصول على شهادة جامعية في الأدب الكلاسيكي، وأصبحت مدرّسة للغة اللاتينية في ثانوية خاصة بمدينة ستراسبورج. ثم عادت الأسرة إلى آميين، والتحقت بريجيت كمدرّسة للغة الفرنسية في الثانوية التي كان الفتى ماكرون من طلابها.
أعجبتها شخصيته، ووقعت في غرامه. وتقول في المقابلة إنها شعرت بفداحة الموقف، أي أن تقيم علاقة مع مراهق يصغرها بـ 24 عاماً، وتضيف «حين تقع في الحب فأنت لا تختار». لكنها لم تكن تريد تحطيم حياة أطفالها. لذلك تمهلت، وانتظرت حتى يكبر الأولاد، ويتقبّلوا الأمر. وهو انتظار دام سنوات، خصوصاً أن والديها غضِبا منها، وكذلك قامت قيامة والدَي الفتى العاشق، إيمانويل. لكنها، في الوقت نفسه، شعرت بأن ذلك الحب لا يحصل سوى مرة واحدة في الحياة، وهي لم تكن تريد أن تخسر فرصة حياتها. وتعترف بأن فارق العمر كان عائقاً، لذلك حاولت الابتعاد عن الولد، لكي تتيح له فرصة أن يحب فتاة مناسبة لعمره. وقد قررت عائلته أن ترسله ليكمل دراسته في باريس لكي ينسى بريجيت. لكنه لم ينسَ. وانتهى الانتظار بطلاقها من زوجها والانتقال إلى باريس وقبول الأهل بالأمر الواقع.
تزوج الحبيبان في عام 2007 وعاشا معاً، وما زالا عاشقين حتى اليوم، رغم أن الكل راهن على فشل ذلك الارتباط. وتتساءل بريجيت «كان والداي نموذجاً في الوفاء، وحسن التربية، ولا أعرف كيف تعايشا مع طلاقي، ثم زواجي الثاني»، وتواصل «عندما توفي أبي عشت في إعصار داخلي. كنت أحب شاباً صغيراً، وكان فارق السن عائقاً». ثم تمضي لتؤكد أنها لم تندم، ولا حتى ثانية واحدة، على اتّباعها قلبها، والاقتران بالشخص الذي كانت، وما زالت، معجبة به حتى اليوم.. تقول «لكم أن تتصوروا الأقاويل التي كان يسمعها أبنائي عني...». فطوال عشر سنوات عاشت قصة الحب في العتمة، لحين نضج الأبناء. وفي نهاية الأمر، تقبّل الأبناء الثلاثة وجود رجل جديد في حياة والدتهم، شاب من عمرهم، لم ينمُ شعر ذقنه بعد. إن ابنها البكر سيباستيان يبلغ من العمر 48 عاماً، وابنتها لورنس 46 عاماً، والصغيرة تيفاني تبلغ 39 عاماً.
بريجيت وماكرون.. هل عاشا حياة زوجية عادية رغم فارق السن؟
ليس من السهل أن يسير الشاب مع سيدة يظنها الناس والدته. ومهما حافظت المرأة على شبابها، وكانت ذات قوام رشيق ورياضي، فإن تجاعيد الوجه تخونها. ولعل الأمر لم يكن مهماً قبل خوضه معركة الرئاسة، لكن الكاميرات كلها تركزت عليه، وعلى زوجته، بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية. وكان فارق السن مادة للكثير من النكات، والتعليقات، والرسوم الكاريكاتيرية. ولعل من حسن حظ بريجيت أنها ذات مظهر شاب في تسريحتها، وطريقة اختيار ثيابها. ثم نسي الناس ذلك الفارق، وأحبّ الفرنسيون زوجة رئيسهم، لأنها بسيطة، ومتواضعة، وقليلة الظهور، وا تقحم نفسها في ما لا يخصّها. كما أنها رفضت أن تلعب دور السيدة الأولى، وبقيت تعيش في ظل الرئيس.
هل تطبخ بريجيت ماكرون في البيت؟
هذا نادر، وتعترف بأن المسؤوليات تشغل كل وقت الرئيس، لكنهما يحرصان على تناول الفطور معاً كل صباح، حيث يحب البيض نصف المسلوق، أي الذي يؤكل بالملعقة. أما في المساء فإنه يعود متأخراً، ويتناولان عشاء خفيفاً، ما بين العاشرة والحادية عشرة ليلاً. وببساطة تقول «نحن زوجان عاديان». وكما في كل حياة زوجية، يحدث أن يختلفا. فمن يملك القرار في النهاية؟ تجيب «لي التأثير الذي تملكه أي امرأة على زوجها، لا أكثر ولا أقل».
هناك من يلاحظ بصمات بريجيت، الزوجة الحكيمة، على بعض خطابات ماكرون، ومواقفه في القضايا الاجتماعية والداخلية. لكنها تنفي تدخلها في القرار السياسي، من دون أن تنفي أنهما يتحدثان في القضايا العامة، وهي تقول له رأيها، وتخبره بكل ما تفكر فيه. كما أنها لا تنفي صداقتها لعدد محدود من الوزراء. وهناك علاقات خارجية تقيمها مع بعض زوجات القادة والملوك، فهي تكشف عن صداقتها لزوجة الرئيس التركي أردوغان، رغم أن العلاقة بين البلدين عرفت التوترات. كما أنها معجبة بالملكة البريطانية كاميلا، وبزوجة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فميلانيا ترامب ليست مجرد امرأة جميلة مطيعة، بل تعرف كيف تأخذ زمام الأمور.
وتختم بريجيت ماكرون المقابلة بالقول «أعرف زوجي منذ 27 عاماً، وطوال تلك السنوات لم يمرّ يوم لم يدهشني فيه. لم أعرف أحداً يمتلك ذاكرة مثل ذاكرته، بصرية وسمعية. له قدرة استثنائية على الحفظ، وتخزين المعلومات. وقد عرفت الكثير من التلاميذ اللامعين من دون أن يكون بينهم من يضاهيه».