17 يونيو 2025

بسّطت الحياة وعقّدتها في آن واحد.. ماذا فعلت بنا الهواتف الذكية؟

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

إن التكنولوجيا التي يُفترض بها أن تبسِّط لنا الحياة صارت مصدر آفات بدنية ونفسية جديدة. فأجسامنا تحمل آثار إدماننا الرقمي من تشويه الخنصر بسبب طباعة الرسائل السريعة إلى الأعناق المنحنية باستمرار فوق الشاشات. والأكثر مدعاة للقلق هو علاقتنا شبه الاندماجية مع هواتفنا الذكية التي تغيِّر نفسيتنا، كـ«السلْفيَّة»، هذا المرض الهوسي بصور السلْفي الذي يكشف شكلاً جديداً من النرجسية الرقمية، في حين أن «أثر بروتيوس» يبيِّن كيف يؤثر «الأفاتار» الذي نختاره في سلوكنا الحقيقي. هذه الأمراض الناشئة ليست مجرد أقصوصات فكاهية، بل هي ترسم ملامح مجتمع حيث يعيد الاتصال الكثيف بالشبكة تعريف علاقتنا بجسمنا وبهويتنا.

مجلة كل الأسرة

«السلْفيَّة» أو هوس صورة «السلْفي»

أطلق الباحثون على الهوس بصورة «السلفي» ونشرها على الشبكات الاجتماعية اسم «السلْفيَّة». بين عامي 2008 و2021، توفي 379 شخصاً بسبب المخاطر الكبيرة التي تجشموها لالتقاط صورتهم. تشهد الإصابة بـ«السلفية» على قلة ثقة بالنفس يحاول المرء تعويضها بأي ثمن من خلال السعي وراء الاهتمام المتمثل في عدد الـ«لايك».

أثر «زووم بوم» أو انفجار أعداد عمليات التجميل الجراحية

في عام 2022، أجري نحو 34 مليون عملية تجميل في العالم، أي بارتفاع نسبته 45% عن سنة 2018! ويحكى منذ ذلك الوقت عن «زووم بوم»، نسبة إلى تطبيق «زووم»، حيث إن عدد اللقاءات المرئية عبر هذا التطبيق قد تضاعف في خلال وباء كورونا وجعل الناس ينظرون كثيراً إلى صورتهم على الشاشة ويقارنونها بصورة الآخرين. وكانت النتيجة أن المظهر صار يحتل مرتبة عالية في الاهتمامات لدرجة أن بعضهم قرر اللجوء إلى الحقن أو إلى المشرط. وقد اشتدت هذه الصورة السلبية جداً عن الذات مع الوقت الذي يمضيه المرء على الشبكات الاجتماعية، فصار البالغون ما بين 18 و34 سنة أكثر عدداً اليوم في إجراء عمليات جراحية تجميلية مقارنة بالزبائن التقليديين الذين يبلغون 50 إلى 60 سنة.

تضاؤل الذكورة عند المدمنين على الهاتف الذكي

بحسب دراسة سويسرية أجريت بين عامي 2005 و2018 على شبان بين سن 18 و22، تبين أن من يستخدمون هاتفهم أكثر من 20 مرة في اليوم يمتلكون تركيزاً من الحيوانات المنوية أقل بـ21% من أولئك الذين لا يستخدمون الهاتف سوى مرة في الأسبوع. هل يجب أن نقلق؟ في سبيل دقة أكبر، دلت هذه الدراسات أن المدمنين على الهاتف يتمتعون بمستوى لياقة بدنية أقل، ويدخنون ويشربون أكثر من الرجال الذين يستخدمون هواتفهم بدرجة أقل. وهذه الفئة الأخيرة صارت بالطبع نادرة، إذ لم تكن سوى 5% في عام 2018، مقابل 56% في بداية الدراسة في عام 2005.

«يوتيوب» وأعداد محدودة من فيديو تقوية العضلات موجهة إلى المراهقين

يزخر تطبيق «يوتيوب» بأفلام تقوية العضلات، وعند اتباع تعليماتها بانتظام لا بد أن يزيد حجم العضلات وقوتها، لكن «يوتيوب» قررت الحد من الجلسات المخصصة للمراهقين، حيث لن تعمل الخوارزمية على عرضها عليهم بشكل متكرر. أما السبب كما أُعلن عنه فهو من أجل أن يتجنب المراهقون تنمية صورة سلبية عن أنفسهم لينطلقوا بتأثير من أفلام الفيديو هذه نحو إجراء تعديلات بدنية خطرة في سنهم.

مجلة كل الأسرة

«أثر بروتيوس» أو «الأفاتار» الذي يؤثر في شخصيتنا

إنه التأثير الحقيقي لصور الأفاتار على شخصيتنا وسلوكنا ومهاراتنا. وقد وُصف للمرة الأولى في عام 2007، وأخذ اسمه من الإله اليوناني «بروتيوس»، ويجري تحليله أكثر فأكثر منذ تسويق خوذ الواقع الافتراضي. وهكذا، دلت دراسة أجريت في عام 2023 على أن تجسيد ليوناردو دا فينشي يزيد بنسبة 40% الاقتراحات المعتبرة إبداعية ضمن مجموعة من المشاركين، مقارنة بأثر أفاتار عادي عن النفس. وقد دلت أعمال أخرى على أن مستخدمي «أنا أُخرى» ذات وزن زائد يميل إلى جعل أصحابها يقومون بخيارات في الطعام أقل صحة في ما بعد.

الذكاء الاصطناعي: صور بشر بشرية أكثر من البشر!

في دراسة أجريت في عام 2023، جرى اعتبار صور أشخاص بيض من صنع الذكاء الاصطناعي أكثر أصالة (69،5%) من صور أشخاص حقيقيين. وهذا يعني أننا لم نعد قادرين، إزاء الذكاء الاصطناعي، على أن نتعرف بشكل مؤكد إلى صور إنسان حقيقي. أما نجاح هذه الصور الشديدة الواقعية فهو ناجم عن أنها تقدم ما يوازي شخصاً متوسطاً ذا قسمات مألوفة، وجذاباً من حيث الشكل، ويمتلك بريق حياة كافٍ في عينيه.

الذكاء الاصطناعي والأنماط الجسدية: مخلوقات تغذي العقد النفسية

على الرغم من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تؤكد أنها تتبع مبادئ أخلاقية تعلي من شأن تنوُّع الأجسام الإنسانية، فإن طلبات «الرجل المثالي» أو «المرأة المثالية» تعطي نتائج تدعو إلى القلق. فالإجابات تولد صور أشخاص صُنعت انطلاقاً من معطيات على الشبكات الاجتماعية، لا يمكن لـ40% منها على الأقل أن تكون موجودة في الحياة «الحقيقية». فهذه الصور هي في غالبيتها لنساء شقراوات لا عرق ولا علامات جنسية فيها، قُدمت بملابسها الداخلية، في حين أن صور الرجال هي لرجال سمر ذوي عضلات بارزة وحنك عريض. فحين يستند الذكاء الاصطناعي إلى الصور التي تقدمها له الشبكات الاجتماعية، لا يعمل على تصحيح عيوبها بل يبني أجساداً بعضلات بارزة للرجال وشديدة النحافة للنساء، وهي جميعها مصدر ولادة عقد متنوعة.

مجلة كل الأسرة

«خنصر الهاتف الذكي» أو الخنصر المشوَّه

تنجم ظاهرة تشويه الخنصر عن كثرة حمل الهاتف الذكي بواسطة الخنصر تحته. ظهرت هذه المعلومة على «تيك توك» لكن الطب لم يثبتها؛ لأن الهاتف ليس ثقيل الوزن بما فيه الكفاية حتى يغير بنية عظام الخنصر، وأقصى ما يمكن هو أن الأنسجة الطرية فيه يمكن أن تتعرض لضغط وتنخسف مؤقتاً.

«عنق الرسائل النصية»: آلام ناجمة عن استخدام مكثَّف للهاتف الذكي

عوارض هذه الحالة هي تصلُّب في العنق والكتفين وأعلى الظهر ترافقه في كثير من الأحيان آلام في الرأس وانحناء إلى الأمام في فقرات العنق. هذه العوارض ظاهرة لدى 25% إلى 55% من الطلاب، بحسب مختلف الدراسات. وبقدر ما ينظر هؤلاء إلى هواتفهم ورؤوسهم منحنية إلى الأمام تزداد آلامهم. فالرأس المستقيم يمارس ضغطاً يوازي خمسة كيلوجرامات على العنق، أما الرأس المنحني بمقدار 30 درجة فهو يفرض على العنق جهداً يوازي 18 كيلوجراماً، قد يصل إلى 30 كيلوجراماً مع انحناء بمقدار 60 درجة.