
في زمن يشهد فيه التعليم تطوّراً متسارعاً بفعل الثورة الرقمية والتحوّلات الكبرى في البيئة التعليمية، يظلّ المعلم حجر الزاوية في بناء الأجيال وصناعة المستقبل، ولا يمكن الحديث عن تطوّر التعليم وجودته، من دون التوقف عند الدور الحيوي الذي يقوم به المعلمون، صنّاع الأمل، وروّاد التغيير الحقيقي في المجتمعات.
يتحدث حميد إبراهيم الهوتي، أمين عام جائزة خليفة التربوية، عن دور المعلم، ومن كان له الأثر في حياته العلمية والعملية، مسلّطاً الضوء على أوّل من علّمه قيم البذل، والعطاء، والتضحية، إنه الوالد المؤسّس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، كما نستعرض معه مستجدات الدورة الحالية من جائزة خليفة التربوية 2025:

أيام تفصلنا عن حفل ختام الدورة الحالية للجائزة، إلى أيّ مدى يعكس إقبال المترشحين مكانتها وريادتها؟
هناك تفاعل معرفي وميداني واسع مع الدورة الثامنة عشرة لجائزة خليفة التربوية، إذ تلقت ترشيحات من أكثر من 48 دولة، من مختلف أنحاء العالم، في 10 مجالات، تغطي 17 فئة، ما يعكس مكانتها، وتميّزها على كل المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية.
ما دلالة طرح مجال جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكّر؟
يشكل هذا المجال نقلة نوعية في مسيرة رعاية وتمكين الطفولة على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية، ويترجم إطلاقها حرص القيادة الرشيدة على تعزيز بيئة معنية برعاية الطفولة منذ مرحلة عمرية مبكرة، إذ دشنت الدولة استراتيجية وطنية شاملة للطفولة المبكرة، تندرج تحتها منظومة متطوّرة من التشريعات والقوانين، التي تكفل رعاية هذه الفئة وتحدد أفضل المعايير والممارسات التي تأخذ بها مختلف مؤسسات الرعاية، للنهوض بالطفل في جميع الجوانب الاجتماعية، والتعليمية، والصحية، والثقافية، وغيرها.

ما أبرز ما حققته الجائزة من تميّز في الميدان التعليمي منذ انطلاق مسيرتها؟
نجحت «خليفة التربوية» في إثراء الميدان التعليمي والتربوي والأكاديمي، من خلال نشر ثقافة التميّز، وتسليط الضوء على المبادرات الإبداعية، التي تعزز من تطوّر التعليم في مختلف مراحله، كما نجحت كذلك في تسليط الضوء على المساهمات البارزة التي قدمتها شخصيات مجتمعية، من خلال مجال جائزة الشخصية التربوية الاعتبارية التي تمنح لإحدى الشخصيات المجتمعية التي قدّمت إسهامات للنهوض بالتعليم، وتحسين جودة الأداء في مختلف مراحله، ونفخر في الجائزة بمنح جائزة الشخصية التربوية الاعتبارية للدورة الحالية لسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة العين، تقديراً لجهود سموه في دعم تطور التعليم محلياً، وإقليمياً، ودولياً.
ما المعايير التي تقيّم من خلالها الأعمال المقدمة من قبل المرشحين؟
لدينا معايير دقيقة وواضحة تستند في المقام الأول إلى الشفافية، والموضوعية، والتميّز، في فرز الملفات المقدمة للجائزة، من خلال لجان متخصصة، كل في المجال أو الفئة المطروحة، وكذلك ومنذ دورات سابقة، جعلنا معيار الذكاء الاصطناعي أحد المعايير الأساسية في تقييم أعمال المرشحين، وإجازتها.
في ما يتعلق بفئة الأسرة الإماراتية، هل هي بوابة لمزيد من الإقبال على المشاركة؟
طرحت الجائزة فئة الأسرة الإماراتية المتميّزة، لتسليط الضوء على الجهود البارزة التي تبذلها في سبيل تهيئة البيئة المحفزة للأبناء على مواصلة الدراسة، والتميز، والتفوق التعليمي، وهناك إقبال متزايد على هذه الفئة عاماً بعد آخر، ودورنا أن نبرز هذا الواقع، ونوقره.
يظل دور المعلم أساسياً في النهوض بالتعليم وبناء الأجيال وترسيخ الهوية الوطنية
من هو المعلم، أو الشخصية التربوية التي أثرت فيكم وفي مسيرتكم؟
في حياة كل منّا معلم ترك بصمة إيجابية في حياته، واعتز خلال مسيرتي التعليمية والتربوية بالدور الرائد الذي قام به المعلمون في مختلف المراحل الدراسية، ما كان له أكبر الأثر في حياتي، العلمية والعملية، ونحن بدورنا ننقل هذه المشاعر الطيبة تجاه معلمينا إلى أبنائنا وبناتنا، من الأجيال الجديدة، وعلى الرغم من التطور التكنولوجي، وما ارتبط به من تغيّر في البيئة التعليمية، فإن دور المعلم سيظل أساسياً في النهوض بالتعليم وبناء الأجيال، وترسيخ الهوية الوطنية لهم.
ما الرسالة التي توجهونها للمعلمين في ظل التحدّيات والضغوط التي يواجهونها اليوم؟
دور المعلّم لم يعد يقتصر على ما كان عليه في الماضي، فلم يعد ناقلاً وحيداً للمعرفة، بل تطوّر ليصبح مُسهماً فاعلاً في توظيف الأدوات التقنية وأدوات الذكاء الاصطناعي في مختلف المراحل التعليمية، الأمر الذي يزيد من الضغوطات عليه، إلا أن اختياره لحمل هذه الرسالة النبيلة يجعله قادراً على اجتياز هذه التحدّيات بجدارة، ونحن نثق دوماً بأن يظل المعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية.

هل لديكم توجهات مستقبلية جديدة تتماشى مع الذكاء الاصطناعي، التعليم الرقمي، أو التحوّل المستدام؟
يمثّل الذكاء الاصطناعي أحد الركائز الأساسية التي تأخذها الجائزة في الاعتبار عند تقييم طلبات الترشيح، وإجازتها من قِبل لجان التحكيم المختصة، إلى أن تصدر قائمة الفائزين. ويُعدّ توظيف أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي عنصراً محورياً يعزّز ملف الترشيح، سواء كان التقديم فردياً، أو مؤسسياّ، والحقيقة أننا لدينا في الجائزة معايير تحدّد توظيف الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات والفئات المطروحة، ويُعتبر توظيفه إحدى المزايا الحيوية في إجازة الملف المُرشَّح.
من أكثر الشخصيات الملهمة التي تأثر بها حميد الهوتي في حياته؟
نفخر جميعاً، وأبناء جيلي، بتأثّرنا بحكمة ورؤية الوالد القائد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي علّمنا منذ الصغر معنى الحياة، وقيم البذل، والعطاء، والتضحية من أجل الوطن. تلك القيم راسخة وأصيلة وخالدة في المجتمع الإماراتي، ويحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على ترسيخها لدى مختلف فئات المجتمع، وغرسها في نفوس الأجيال الجديدة والنشء، وتترجم هذه القيم على هذه الأرض الطيبة، في منظومة القيم الأصيلة، ويظل شعار «البيت متوحد» مصدر فخر، وأحرص كتربوي وولي أمر، على أداء رسالتي، والقيام بدوري في غرس هذه القيم لدى أبنائي وبناتي، لتكون منهاجاً في حياتهم اليومية.

ما أكثر شيء لعب دوراً في تشكيل اتجاهات مسيرتكم العملية؟
شكّل التحاقي بالتخصص العلمي «تقنية المعلومات والحاسب الآلي» في جامعة الإمارات، دوراً محورياً في حياتي الأكاديمية والعملية، إذ يُمثّل هذا التخصص نقلة نوعية منذ بداية القرن الحالي، بكل ما يزخر به من تقدم علمي وتقني لتلبية احتياجات العصر الرقمي الذي حوّل الحياة من الماضي إلى المستقبل، وغيّر ملامحها بصورة جذرية. لقد غيّرت هذه الطفرة مجريات الحياة جذريًا، وتم توظيف التكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الذكية في جميع مناحي الحياة، ونحن ندرك تماماً أن الأمّي اليوم ليس من لا يقرأ، ولا يكتب، وإنما هو من لا يمتلك المهارات التقنية والرقمية التي تمكّنه من مواكبة العصر، والتعامل مع تطوراته.
هل هناك حلم أو هدف تودّ أن تراه يتحقق على أرض الواقع؟
نشأت في وطن تتحقق فيه أحلامنا ونراها واقعاً في حياتنا، ونفاخر بها العالم بريادتنا وتميّزنا، بما نحظى به من رعاية وتمكين، فالإنسان في كل عصر يطلق دائماً العنان للخيال، ونحن في هذا العصر نرى الأحلام التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها مستحيلة، أو غير قابلة للتنفيذ تتحقق على أرض الواقع، وتشكل خريطة طريق لحياتنا اليومية، وبالتالي، فإن أحلامنا في هذا العصر تتوجه دائماً نحو تغيير جودة حياة الفرد، والمجتمع، وحلمي أن تظل الإمارات بيئة حاضنة للإبداع نحو غدٍ مشرق.