04 مايو 2025

هل اللغة البسيطة مناسبة في كتابة أدب الطفل؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

الكتابة للأطفال فن دقيق يجمع بين الإبداع والتربية، ويهدف إلى تنمية الخيال، والمعرفة، والقيم لدى الطفل بطريقة مشوّقة، ومبسّطة. وهي ليست مجرّد وسيلة للترفيه، بل أداة تعليمية ونفسية، تسهم في تشكيل شخصية الطفل، وبناء لغته، وتوسيع مداركه.

ومن أهم التحدّيات التي تواجه كاتب أدب الطفل هو اختيار اللغة المناسبة، فمتى يُسمح باستخدام اللغة البسيطة؟ أو مخاطبة الطفل بلغة يفهمها بسهولة؟

مجلة كل الأسرة

خلال جولتنا في معرض الشارقة القرائي للطفل، استطلعنا آراء الأطفال والكتّاب حول هذه الرغبة التي كشف عنها بعض الأطفال، وأولياء الأمور كي يحبّبوا إلى أبنائهم القراءة، أما البعض الآخر فرفض هذه الكلمات، أو الشخصيات، وألّا تكون هذه اللغة سطحية، أو تفتقر إلى الجمال الأدبي. التوازن بين البساطة والعمق هو مفتاح النجاح في الكتابة للأطفال. فالكلمات يجب أن تكون مألوفة، لكن السياق يجب أن يثير التفكير، ويحفّز التساؤل.

مجلة كل الأسرة

أما في ما يتعلق باستخدام «ترندات» الـ«سوشيال ميديا» (مثل العبارات المنتشرة، أو الأساليب الساخرة، أو المواضيع الرائجة)، فالأمر يعتمد على السياق، والفئة العمرية المستهدفة. فمثلاً، يمكن استلهام بعض الـ«ترندات» الإيجابية، أو استخدام أسلوب فكاهي مألوف عبر الإنترنت لجذب انتباه الطفل، أو تعليمه مهارة معيّنة، ولكن بشروط، فبعض الـ «ترندات» قد تكون عابرة وسطحية، وقد تربك الطفل، أو تخلق فجوة لغوية وثقافية بين النص، وبين عالمه الحقيقي، لذا من الأفضل اختيارها بحذر، أو استبدالها بما هو أكثر استدامة وتأثيراً.

مجلة كل الأسرة

يقول أحمد باسم (10 سنوات)، إنه لا يحب اللغة البسيطة، أو العامية، في القصص التي يقرأها، ولكن لا مانع من قصص ومغامرات أبطالها يلعبون نفس الألعاب التي يلعبها في الهاتف المتحرك «أريد أن أشعر بالمتعة، والمشاركة مع بطل القصة، ولا أشعر بأنه قادم من عالم مختلف عن الذي أعيشه، ويعطيني حيلاً جديدة للانتصار في اللعب، والاستفادة منها بشكل أكبر، أو أن يكون بطل اللعبة نفسه هو بطل القصة التي أقرأها».

بينما يرى يوسف عبدالله (8 سنوات)، أن القصص المكتوبة للأطفال يجب أن تكون سهلة وممتعة، فالكلمات المعقدة قد تجعل القراءة مملّة وصعبة، ويوضح «نحن الأطفال لدينا لغة خاصة بنا، كلمات مرحة نقولها بيننا، وأظّن أن إدخال بعض هذه الكلمات في القصص سيجعلها أقرب إلى قلوبنا، ويضيف إليها جواً من المرح والفكاهة. كما أننا نعيش في عصر التكنولوجيا ونشاهد الكثير من «اليوتيوبرز والتريندات» على الإنترنت، فلماذا لا تكون هناك قصص عنهم؟ هذا سيجعلنا نشعر بأن القصص تعكس عالمنا، واهتماماتنا».

أما ليلى محمد (9 سنوات)، فتحب القصص التي تجعلها تتخيل وتضحك «عندما تكون الكلمات بسيطة، أستطيع أن أركز على الأحداث والشخصيات بشكل أفضل. استخدام بعض الكلمات التي نعرفها ونستخدمها يجعل القصة تبدو كأنها حكاية من بيننا. وبالنسبة إلى أبطال «اليوتيوب والتريندات» فهم جزء من حياتنا اليومية، والكثير منا يتابعهم، ويحبهم. إذا كانت هناك قصص تتناول مواقف مضحكة، أو مغامرات لهم، فستكون مشوّقة جداً بالنسبة إلينا».

سارة علي (7 سنوات) تحب أن تفصل بين العالم الواقعي الذي تعيشه، وعالم الخيال والقصص، وترى أن لغة قصص الأطفال لم تكن أبداً صعبة ومعقدة، بل تراها سهلة وممتعة، وترفض سارة التداخل بين الـ«سوشيال ميديا» والقصص الأدبية.

مجلة كل الأسرة

من جهة أخرى، تحدثنا روندا روماني، مؤلفة قصص الأطفال، حول رأيها في الموضوع، وتبيّن «أؤمن إيماناً راسخاً بأهمية اللغة البسيطة والواضحة في مخاطبة عقول وقلوب الصغار. إن استخدام كلمات مألوفة لهم يسهم في تعزيز شغفهم بالقراءة، وفهمهم للأحداث بسلاسة. لا أمانع إطلاقاً في إدخال بعض الجمل العامية، أو الكلمات التي يتداولها الأطفال فيما بينهم، ولكن يجب أن يكون ذلك بحدود، وضمن سياق منطقي يخدم القصة، ولا يشوش على بنيتها، أو هدفها التعليمي والتربوي. لقد لمستُ في تجربتي في أمريكا إقبالاً ملحوظاً على القصص التي تتسم بروح الفكاهة والسخرية على لسان البطل، وهذا الأسلوب قد يكون جذاباً لشريحة معيّنة من الأطفال. ومع ذلك، أرى أن وضع حدود واضحة لهذا النوع من الأساليب ضروري لضمان عدم تجاوز القيم والأخلاقيات التي نسعى لغرسها في نفوس أطفالنا، فالضحك مطلوب، ولكن الوعي بالمسؤولية تجاه ما نقدمه لهم يبقى الأولوية».

مجلة كل الأسرة

وتؤكد فاطمة المزروعي، كاتبة وروائية وقاصة إماراتية «في عصرنا الرقمي المتسارع، أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال، بل وتشكّل أحد أبرز المؤثرات في تشكيل وعيهم وخيالهم. ومن هنا، يثور سؤال جوهري: هل يمكن لكتّاب قصص الأطفال أن يستعينوا بشخصيات أبطال الألعاب الإلكترونية في سرد قصصهم، وأن يستخدموا في الوقت نفسه اللغة البسيطة التي يتداولها الأطفال بينهم، كوسيلة جذب وتواصل؟ من حيث المبدأ، الجواب نعم، لكن بشروط، ووعي عميق بخصائص الفئة المستهدفة. فشخصيات الألعاب الإلكترونية تحظى بشعبية واسعة بين الأطفال، بل إن كثيراً منهم يرتبطون بها وجدانياً، ويتقمصونها في لعبهم اليومي. لذا فإن استحضار هذه الشخصيات، سواء بأسمائها أو بملامحها، أو حتى ببعض صفاتها في القصة، قد يسهم في جذب انتباه الطفل، وزيادة تفاعله مع النص.

فالطفل ينجذب لما يعرفه ويألفه، وحين يجد في القصة شخصية مشابهة لبطل لعبته المفضلة، يندمج معها تلقائياً، ما يمهّد الطريق لغرس القيم والمعاني من خلال هذه الشخصيات. إلا أن هذه التقنية تتطلب حذراً وذكاء. فليس كل شخصية في الألعاب الإلكترونية تصلح لأن تكون قدوة، أو نموذجاً يُحتذى في القصة. بل يجب على الكاتب أن ينتقي ما يناسب الرسالة التربوية والأخلاقية للقصة، وقد يعيد تشكيل الشخصية بما يخدم مضمون العمل الأدبي، مثل تحويل بطل قتالي إلى شخصية تحلّ المشكلات بالحوار والذكاء، أو تحويل عوالم الصراع إلى مغامرات ذات أهداف تعليمية، أو وجدانية.أما عن استخدام الكلمات البسيطة التي يتداولها الأطفال فيما بينهم، فهو أمر مرغوب فيه، إذا تم توظيفه بذكاء. فالقصة الموجهة للطفل يجب أن تكون قريبة من عالمه، تنطق بلغته، وتعبّر عن اهتماماته. واللغة البسيطة، التي تُشبه حديثه اليومي، تخلق جسراً من الألفة، وتمكّنه من فهم الفكرة من دون عناء. لكنها أيضاً ليست بديلًا عن اللغة الصحيحة، بل يجب أن تُقدَّم باعتدال، بحيث يحافظ الكاتب على توازن بين العفوية والرصانة، وبين البساطة والدقة.

إن إدماج هذه المفردات في الحوارات بين الشخصيات، أو في وصف المشاهد اليومية، يعزّز صدقية السرد، ويمنح النص روحاً واقعية تُقنع الطفل بأن هذه القصة جزء من عالمه. ولكن لا بد من التنبّه إلى عدم الإفراط، أو تشجيع اللهجات السوقية، أو العبارات غير المناسبة، حتى لا تتحول القصة إلى انعكاس عشوائي لعالم الأطفال، من دون توجيه أو تهذيب. يمكن القول إن الاستعانة بشخصيات الألعاب ولغة الأطفال ليست مجرّد وسيلة جذب، بل هي أداة فنية ذات أثر تربوي وأدبي كبير، إذا أُحسن استخدامها. فالطفل لا يحتاج إلى من يسلّيه فقط، بل إلى من يخاطبه بلغته، ويقترب من خياله، ثم يوجّهه بهدوء نحو القيم والمعاني التي تبني وعيه، وتنمّي إنسانيته».

مجلة كل الأسرة

أما سماح صافي، مخرجة ومنتجة أفلام، فتقول «من خلال صناعتي للأعمال الدرامية التي تخاطب قلوب وعقول العرب والمسلمين، سواء كانوا هنا بيننا، أو في ديار الغربة، يراودني قلق دائم.. أخشى الانزلاق نحو هاوية التبسيط المخل، ذاك الذي يختزل جمال لغتنا، وعمق ثقافتنا إلى مجرّد ومضات سطحية. ولطالما آمنت بأن لغة الضاد، بكل ما تحمله من بلاغة وبيان، هي جسر التواصل الأسمى الذي يربطنا بماضينا، وحاضرنان ومستقبلنا. لذا، أحرص كل الحرص على أن تحتفظ نصوصنا العربية بأصالتها ورونقها، بعيداً عن زحام المصطلحات الدخيلة، والاتجاهات العابرة التي قد تغيب مع أول موجة جديدة. لست ضد التيسير في الطرح، بل أؤمن بضرورته لإيصال الفكرة بوضوح، لكنني أرفض بشدة أن يكون ذلك على حساب جوهر لغتنا وثراء تعابيرها. رسالتنا فنية وثقافية، وأرى أن الحفاظ على لغتنا جزء أصيل من هذه الرسالة».

مجلة كل الأسرة

من جهتها، ترى الأم والطاهية هيفا عودة، أن غرس حب المشاركة في نفوس أطفالنا هو بذرة لمستقبل مشرق، سواء كانت هذه المشاركة في إعداد طبق شهي ومغذٍ بأيديكم الصغيرة، أو في التعبير عن أفكاركم بلغة عربية فصيحة وواضحة، فإن هذه الأعمال الإيجابية، وإن بدت بسيطة، تبني في داخلهم شعوراً بالانتماء والمسؤولية. نريد لهم أن يتمسكوا بجذورنا وهويتنا، وأن يتذوقوا حلاوة لغتنا وعراقتها، وأن ينعموا بصحة جيدة تغذي أجسادهم وعقولهم. لذا، شجعوهم على الانخراط في كل عمل نافع، صغيراً كان، أو كبيراً، ففيه يتعلمون، وينمون، ويصبحون قادة المستقبل، فقد شهدنا في ركن الطهي في مهرجان الشارقة القرائي للأطفال سعادة الأطفال أثناء المشاركة في الطهي، وأحبوا تذوّق أكلات منزلية صحية عادة لا يحبونها إذا قدمت لهم بشكل مباشر، وهذا الأمر ينطبق على القراءة، وكل شيء في الحياة».

مجلة كل الأسرة

في الختام، يمكن القول إن الكتابة للأطفال هي مسؤولية كبيرة تتطلب وعياً عميقاً بعالم الطفل، واحتياجاته النفسية واللغوية. اللغة البسيطة ضرورة، لكن يجب أن تُصاغ بذكاء. أما «ترندات السوشيال ميديا» فيمكن استخدامها بشرط أن تكون مدروسة وهادفة، لا مجرّد وسيلة لجذب انتباه سطحي.

* تصوير: السيد رمضان