سمر زنانيري: الجهل يجعل البعض يصر على الوصم الاجتماعي للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة

انطلاقًا من تجربتها الأمومية الملهمة لطفل يواجه تحدّيات النمو، أصبحت سمر زنانيري صوتاً رائداً في عالم صحافة وتوعية تطوّر الطفل، والتدخل المبكر، وعبر رحلتها الشخصية مع ابنها ثيو، الذي شُخص بالصرع وطفرة جينية، حيث كشفت لها عن النقص الحاد في المحتوى العربي الموثوق والمتخصص في هذا المجال. هذا النقص لم يكن عائقاً، بل دافعاً قوياً لإنشاء منصة إعلامية تضيء دروب الأمهات بالمعرفة والأمل.
وفي هذا الحوار تخبرنا سمر زنانيري عن رحلتها في عالم صناعة المحتوى الخاص بالأطفال الذين يعانون تحدّيات مختلفة، وسلّطت الضوء على أساليب وطرق التعامل مع الأطفال المصابين بفرط الحركة، خصوصاً الذين يحتاجون إلى معلمة ظل في المدرسة:

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.. لماذا يبدو كأنه العنوان العريض لطفولتنا هذه الأيام؟
أي اضطراب عصبي سواء فرط الحركة وتشتت الانتباه، أو التوحد، عسر القراءة، عسر الحساب، وغيرها من الاضطرابات التي تقع تحت مظلة التنوّع العصبي، باتت معروفة أكثر بفعل تطوّر الطب والتشخيص، وزيادة وعي الأهل بأهمية التشخيص. وهناك عوامل عدّة ساعدت على تشخيص ADHD عند أطفالنا، منها تطور أدوات التقييم ومعايير التشخيص، وتطور علم الأعصاب واستخدام أجهزة الرنين المغناطيسي MRI، أيضاً أثبتت وجود اختلافات فعلية في بنية وعمل دماغ الطفل المشخص باضطراب فرط الحركة، في حين «على وقتنا» كان الوعي والطب محدودين، وكنا نكتفي بإلقاء وصمات على الطفل بأنه «مشاكس، مشاغب، كسول»، وأحياناً كانت تصل إلى حدّ لوم الأهل على «سوء التربية».

في محتواكِ، لا تكتفين بالمعلومة الطبية، بل تصنعين منها قصة، ما أهمية تحويل المعلومة إلى تجربة مفهومة؟
طبيعتنا البشرية مبنية في الأساس على التجربة، ولدينا القدرة على التعاطف، والربط، والتحليل، وذكاؤنا العاطفي هو ما يميّزنا عن باقي الكائنات الحية. لو سردت المعلومة الطبية، بمصطلحاتها العلمية المعقدة كأنني في محاضرة جامعية، سأفتقد في المحتوى لأهم ميزة بشرية، وهي المشاعر والعواطف. لكن عند وضع أي موضوع، مهما كان معقداً، في قالب قصصي سترسخ المعلومة في عقل المتابعين، وسيسهل عليهم فهمها، وربطها بتجربة خاصة لديهم.

«مدام افتخار» شخصية ساخرة، لكن رسائلها عميقة.. ما الذي تحاولين قوله من خلالها عن نظرة المجتمع للأطفال المختلفين؟
«مدام افتخار» هي بمثابة موسوعة من المعلومات الخاطئة، والوصمات المجتمعية، وحتى الصدمات النفسية، هي تمثّل كل الصور النمطية الخاطئة، ومن خلالها أحاول طرح كل هذه الأمور، وكسرها، وتغييرها، لأنه مع الأسف، هناك عدد من الأشخاص المتمسكين بالصور النمطية، والوصمات المجتمعية تجاه الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمسكهم بهذه الأفكار ليس عنوة، بل جهل، أو قلّة توعية، لا أكثر. وآمل أن أغيّر، ولو بنسبة قليلة، من خلال افتخار، بعض الأفكار المغلوطة تجاه أيّ طفل، بغضّ النظر عن صحّته.
لو اجتمعت «مدام افتخار» مع أم لطفل عنده ADHD، هل ستُنهي الجلسة بنصيحة أم بانتقاد لاذع؟
لا اعتقد أنها ستنهيها بنصيحة، أو على الأقل لن تكون النصيحة في محلها، كعادتها ستبدأ بانتقاداتها اللاذعة، وأحكامها المسبقة، وقد تحمّل الأم ذنب تشخيص طفلها بالـADHD. وفي رأيي النصيحة والتوعية ستكونان من طرف الأم، لأنها هي من تعرف طفلها مثل كفّ يدها، وهي التي تقضي 24 ساعة معه، وتدرك تفاصيله، وبالطبع، ليس من طرف «مدام افتخار» التي تنظر من نافذة بعيدة، وتحكم على الأمور من بعيد.
كيف تختارين المواضيع التي تطرحينها؟ هل هي انعكاس لواقع يعيشه كل بيت، أم رد فعل على تعليقات جمهورك؟
عندما بدأت بصنع المحتوى، المواضيع كانت من واقعي الشخصي، وواقع ابني، من ثم بدأت بالتحدث مع أمّهات لأتعرّف أكثر إلى تجاربهنّ، وقصّة كل طفل من أطفالهن، فأصبحت المواضيع مزيجاً من تجاربي، وتجارب أمّهات من حولي. وسيبقى دائماً المحتوى الذي أطرحه انعكاساً للواقع، وهذا ما أشدّد عليه عند كتابتي للمواضيع، أن تكون واقعية، وقريبة من كل بيت، خصوصاً في الوقت الذي نرى فيه مرآة شبه مزيّفة للحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، كأنه فيلم خيالي، بخاصة في ما يتعلّق بالأمومة، وتربية الأطفال.
كثيرات يشكرنك لأنك تتحدثين بصوتهنّ، هل تحسّين أحياناً بأنك «المحامي الرسمي لأمّهات أطفال ADHD»؟
أنا لست محامية لأيّ اضطراب، ولا لأيّ أم، ببساطة أحاول دعم كل الأمّهات، وأخفف عنهنّ في رحلة أمومتهنّ، إضافة إلى نشر الوعي وكسر المفاهيم الخاطئة بطريقة يسهل على المتابع فهمها، وتقبّلها. في المحاماة، يضطر المحامي، أحياناً، إلى المساومة، أو التنازل بصفقة لمصلحة الطرف الذي يدافع عنه، لكن حين يتعلق الأمر بصحة الأطفال، الجسدية والنفسية، وبسلامة نموّهم وتطورهم، لا مجال للمساومة، أو التنازل.

لماذا قررتِ استخدام التمثيل والكوميديا في إيصال قضية حساسة مثل اضطراب فرط الحركة؟
الكوميديا هي أقوى سلاح لكسر أيّ توتر، ونستطيع من خلالها بناء جسور تواصل مع أشخاص لا تربطنا معهم أمور مشتركة كثيرة، وعند طرح وصمات مجتمعية قاسية، وتغليفها بطريقة كوميدية، فإن حدّتها و«قوّتها» ستتلاشى، كمن يجرّد خصماً من سلاحه، فلا يعود لها أثر نفسي عميق حين توضع في إطار فكاهي. والكوميديا الساخرة، أو الكوميديا السوداء، لطالما كان لها دور في طرح مواضيع حساسة كبرى على الصعيدين، السياسي والاجتماعي، ونجحت دوماً في إيصال الرسالة بطريقة أقوى من الطرق التقليدية. أما بالنسبة إلى التمثيل، فهو هواية «خفيّة»، تجرأت على إظهارها من خلال «مدام افتخار»، على الرغم من أنني كنت دوماً أعشق المسرح والتمثيل، أيام المدرسة والجامعة.
هل تعتقدين أن هذا الاضطراب بحاجة إلى تصحيح صورة، أم إلى من يفهمه فقط؟
الاضطراب لا يحتاج إلى تصحيح صورة، بل المفاهيم الخاطئة حوله، والأحكام المسبقة على الأم والطفل، هي التي يجب تصحيحها. وأما بخصوص أنه مقتصر على من يفهمه فقط، فهذا غير وارد، لأنني أؤمن بأن أيّ شخص لديه القدرة على فهم واستيعاب كل الاضطرابات العصبية النمائية، إن تم طرحها بالطريقة السليمة المناسبة.
من خلال المحتوى، ما الرسالة الأهم التي تريدين أن تصل إلى كل أب وأم يتعاملان مع هذا التحدّي؟
إلى كل أم وأب لديهما طفل مشخّص بأيّ اضطراب عصبي: لستم وحدكم، ولا ذنب لكم في التشخيص، وحياة طفلكم لا تنتهي عند التشخيص، بالعكس، هي بداية أعظم لرحلة تشافٍ، لهم ولكم. ورغم الإحباط والانكسارات، تذكروا أن قوة أطفالكم هي من قوتكم، فما أعظم قوتكم وعزيمتكم.

هل يمكن للضحكة أن تغيّر نظرة المجتمع تجاه اضطراب نفسي مثل ADHD؟
ADHD هو اضطراب عصبي، وليس نفسياً، وليس مرضاً، وإنما اختلاف لطريقة معالجة الدماغ للمعلومات. والضحكة يمكن لها أن تسلط الضوء على النظرة المجتمعية الخاطئة، لكن التغيير الفعلي مرتبط بالشخص نفسه، ووعيه، وتقبّله للآخر. أتمنى أن أغيّر، ولو قليلاً، هذه النظرة وإن كانت الكوميديا وسيلة ناجحة فلا ضرر من كسر الوصمات المجتمعية، مع إدخال الضحكة على قلوب المتابعين.
ما الذي تتمنين أن يتوقف الناس عن فعله عند التعامل مع طفل لديه فرط حركة؟
أتمنى أن يتوقفوا عن لوم الأهل بـ«سوء التربية»، وعزل الطفل، وإلصاق صفات محطمة نفسياً به، مثل «مشاغب، مشاكس، عفريت..» وغيرها، من الصفات البشعة، وغير الحقيقية، لأنه مع الأسف، هذه الصفات قد يستقبلها الطفل ويعتبرها حقيقية، فتنكسر صورته عن نفسه، ويصبح يؤمن بأنه لا شيء، سوى هذه الصفات السيئة. كما أتمنى أن يتوقفوا عن تحجيمه و«تصليحه»، بإجباره على التصرّف كغيره من الأطفال فقط لأن هناك صورة نمطية «مثالية» في ذهنهم عن «الولد الشاطر المهذب»، كأن أي طفل يقع خارج هذا الإطار لا يستحق الاحترام، والقبول.
لو كان اضطراب فرط الحركة شخصية تظهر في فيديوهاتك، كيف ستكون ملامحها؟ وهل ستتّفق مع «مدام افتخار» أم لا؟
لن تختلف ملامحها عن ملامحي، أو ملامح أيّ شخص، لأن الاضطراب العصبي، بغضّ النظر عن ماهيته، لا يجب تأطيره بشكل معيّن، وملامح معيّنة، ببساطة، لأنه لا يوجد طفل مثل الآخر، ولا إنسان مثل الآخر، جميعنا مختلفون بتجاربنا، وتفكيرنا، وطريقة معالجة أدمغتنا للمعلومات. ولا أعتقد أن أحداً سيتفق مع «مدام افتخار»، سواء كان مشخّصاً باضطراب عصبي، أو غيره، في رأيي «مدام افتخار» بحدّ ذاتها، لا تتفق مع نفسها في بعض الأحيان.
والآن لنتعرف من خلالك إلى معلمة الظل Shadow teacher.. من هي معلمة الظل؟ ولماذا يشعر البعض بأن اسمها يشبه اسم بطلة خارقة في فيلم أكشن؟
معلمة الظل هي معلمة تربوية وسلوكية، ترافق الأطفال الذين لديهم تحدّيات ذهنية، وسلوكية في صف المدرسة، ودورها أساسي في عملية دمج الطفل في محيط مدرسته، ومساعدته في رحلته التعليمية، وحتى الاجتماعية مع زملائه.. هي فعلاً بطلة خارقة ككل المعلمين، لأن مهنة التعليم هي من أسمى المهن، وأصعبها، وستكون بطلة خارقة في نظر الأطفال، والأهل.
في رأيك، هل وجود معلمة ظل هو دعم للطفل أم دليل على عجز المدرسة عن التكيّف؟
بالعكس، وجود معلمة ظل في المدارس هو أكبر دليل على تكيّف المدرسة، ومساهمتها في عملية الدمج اللازمة للأطفال ذوي التحديات التعليمية والسلوكية. وجود معلمة الظل، وتوفير المدارس لمعلمات ومعلمين مختصّين، هو أحد أشكال الدعم التي يحتاج إليها الطفل.
هل كل طفل يحتاج إلى معلمة ظل؟ أم هناك حالات يكون فيها وجودها مبالغة أكثر من حاجة؟
لا شيء اسمه «مبالغة»، كل طفل له الحق في أن يأخذ التعليم والدعم المناسب، ليأخذ أفضل فرصة في التطور، ولا يمكن الحكم على حالة معيّنة، وتسميتها بـ«مبالغة»، لأننا فعلياً، لا نعلم حاجة الطفل الذهنية، والنفسية، والسلوكية. بالطبع، ليس كل طفل بحاجة إلى معلمة ظلّ، والتقييم الشامل من المختصين، سواء أطباء أعصاب، وغيرهم، هو ما يحدّد حاجة الطفل إلى مرافقة قريبة ودعم، من عدمها.
أتمنى ألّا تصل «مدام افتخار» إلى منصب مديرة مدرسة، هذا أولاً، لكن في حال انقلبت الدنيا وصارت «مدام افتخار» مديرة مدرسة، أتمنى أن تكون وصلت حينها إلى الوعي الكافي، والتقبّل، والتعاطف اللازم كي تسمح بوجود معلمي ظلّ في المدرسة.
ما أهم صفة يجب أن تتحلى بها معلمة الظل؟ وهل شهادة التدريب أهم من «الصبر الطويل»؟
شهادة التدريب تأتي مع الصبر، والتقبّل، والتفهّم، والاحتواء، الشهادة لا تصنع إنساناً من البشر، الإنسانية، والصبر، ومكارم الأخلاق، لا تدرّس بشهادات. واعتقد أن معلمي الظل بحكم تخصصهم، لديهم الوعي والتفهّم، وكل الصفات اللازمة لينجزوا عملهم على أتمّ وأكمل وجه. كما قلت سابقاً، مهنة التعليم هي من أسمى المهن، على الصعيد الإنساني والأخلاقي، فمن أراد أن يكون معلّماً عليه أن يدرك ثقل مهنته، وتأثيرها، فهو كالمزارع الذي يزرع بذرة في ذهن الطفل، فيرويها، وينمّيها، ويحصد بعدها أجمل الثمار، فإن زرع بذرة فاسدة، ورواها بمياه عادمة، ولم يهتم بها، وأهملها، فما نفعه كمدرّس؟
هناك من يظن أن معلمة الظل مجرد جليسة لطفل.. كيف يمكن توعية المجتمع بدورها الحقيقي؟
دور معلمة الظل أشمل وأعمق من مجرّد المرافقة: أكاديمياً تساعد الطفل على فهم الدروس واتّباع التعليمات، والإرشادات واستيعاب المواد، وسلوكياً ترشده إلى اكتساب المهارات الاجتماعية التي يحتاج إليها مع زملائه، ونفسياً تمنحه الأمان والثقة بالنفس، وتدعمه كي لا يشعر بالقلق أو العزلة، واجتماعياً تساعده على الاندماج مع زملائه وتكوين جسور تواصل مع محيطه. إضافة إلى حمايته وتوعية الأطفال الآخرين بتقبّله واحترامه، ومساندته. هي جسر تواصل وسند للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
كيف يكون التنسيق المثالي بين معلمة الظل والمعلمة الأساسية؟ وهل الصداقة بينهما ضرورة أم رفاهية؟
التنسيق ضرورة وواجب بينهما، بخاصة في ما يتعلق بالمواد الدراسية، تشخيص الطفل، احتياجاته الأكاديمية والنفسية، والأهم هو وضع مصلحته فوق كل شيء، وبالطبع التواصل السليم والصداقة المبنيّة على مصلحة الطفل، وتوفير أفضل فرص التطور له هي أساس بين المعلمتين.
في ظل الظروف الاقتصادية، ماذا يفعل الأهل حين لا يستطيعون توفير معلمة ظل لطفلهم؟
هناك العديد من المدارس التي تدعم وتوفر معلمي الظل للأطفال، وبات بعضها أكثر قبولا ودمجاً للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.