17 أغسطس 2025

هل تصبح الأمومة بعقد إيجار؟... الشرع يحسم الجدل حول تأجير الأرحام

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

من خصائص الحياة البشرية أنها لا تعرف الجمود، فالتجدُّد سِمتها، وكل يوم يحمل في طياته جديداً من المكتشفات العلمية، والتقنيات الحديثة، ومن بين أبرز ما أفرزته ثورة الطب الحديث ظاهرة تأجير الأرحام، وهي ممارسة لم تكن معروفة حتى وقت قريب، لكنها أصبحت اليوم واقعاً معيشاً، لا سيما في بعض الدول، الغربية والآسيوية.

لكن مع هذا الواقع المتسارع، يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: ما حكم الشرع في هذه المسألة المستجدة؟ ومدى أثرها في النسب، والكرامة، والمجتمع؟

مجلة كل الأسرة

ما هو تأجير الأرحام؟

يجيب الدكتور سالم بن ارحمه، رجل دين، قائلاً «تأجير الأرحام هو اتفاق يُزرع بموجبه جنين ناتج عن تلقيح بويضة امرأة في رحم أخرى، تُعرف بـ«الأم البديلة»، ويتم اللجوء لهذا الحل غالباً حين تكون المرأة صاحبة البويضة غير قادرة على الحمل، بسبب مرض أو عيب خِلقي في الرحم. وهذه الممارسة، التي خرجت من نطاق التجارب المعملية إلى الواقع العملي، وجدت رواجاً في الغرب، حيث أُنشئت لها مراكز طبية، ووكالات متخصصة، بل تحوّلت في بعض الدول الفقيرة إلى مهنة تمارسها النساء مقابل أجر، ما يطرح إشكاليات، أخلاقية واجتماعية، عميقة».

الواقع في العالم الإسلامي

«وعلى الرغم من الانتشار العلني لتأجير الأرحام في بعض دول العالم، فإن هذه الممارسة لا تزال تتم غالباً في الخفاء داخل المجتمعات الإسلامية، نتيجة الحرج الشرعي والاجتماعي المحيط بها، ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى تنامي الظاهرة تدريجياً، بدافع الحاجة، أو التنافس في سوق الخصوبة العالمية، بل ووصل الأمر إلى الترويج لها عبر الإنترنت، وسط عروض مغرية، وأسعار متفاوتة».

الحكم الشرعي في تأجير الأرحام

يستعرض الدكتور سالم بن ارحمه نتائج أطروحة الدكتوراه الخاصة به، ويقول «انطلاقاً من خطورة المسألة وتأثيرها المباشر في الأنساب والأعراض، تناولتُ في رسالتي للدكتوراه، هذه النازلة بالتفصيل، استعرضتُ فيه أوجهها المختلفة، وخلصتُ إلى تحريم تأجير الأرحام، بجميع صوره، وهو ما أجمعت عليه المجامع الفقهية الكبرى، ومنها:

  • مجمع البحوث الإسلامية بمصر
  • مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة
  • مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي
  • مجالس الإفتاء في الدول الإسلامية

وجاء قرار تلك المجامع الفقهية والبحثية، ليؤكد أن تأجير الأرحام في جميع صوره محرم شرعاً، لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب، وضياع الأمومة، والتلاعب بأقدس الروابط الإنسانية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، ما يثبت أن الولد يُنسب للمرأة التي ولدته، حتى إن لم تكن صاحبة البويضة، ما يفتح باباً واسعاً للجدل في النسب».

الأمومة ليست سلعة تُباع وتُشترى

تجاوزت أضرار تأجير الأرحام الجانب الفقهي لتطال الجوانب الإنسانية والأخلاقية، وضّحها د. بن ارحمه، كالتالي:

  • تحويل الأمومة إلى سلعة تجارية تُباع وتُشترى.
  • استغلال النساء الفقيرات تحت مسمّيات إنسانية زائفة.
  • تنازع الأمّهات بين صاحبة البويضة والأم الحاضنة على حق تربية الطفل، ما يؤدي إلى قضايا قضائية، ونزاعات أسرية.
  • رفض بعض الأزواج تسلم الطفل المعاق ما يؤدي إلى تخلي الجميع عنه.
  • نشوء روابط نفسية قوية بين الأم البديلة والجنين، تجعل من الفطام العاطفي لحظة الولادة جرحاً نفسياً غائراً.
مجلة كل الأسرة

ويكمل د. سالم بن ارحمه «تأجير الأرحام، على الرغم مما قد يبدو من وجاهة طبية أو إنسانية في ظاهره، إلا أنه يمثل تجاوزاً خطراً للحدود التي وضعها الشرع في حفظ الأنساب، والأعراض، والكرامة الإنسانية، وهو من المسائل التي اتفق الفقهاء المعاصرون على تحريمها، لما تشتمل عليه من مفاسد راجحة لا يمكن التغاضي عنها. فالشريعة الإسلامية لا تعارض التقدم العلمي، لكنها تضع له ضوابط أخلاقية وإنسانية تضمن أن يبقى في خدمة الإنسان، لا العكس، والتقنيات الطبية، بما فيها التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب، لها ضوابط شرعية واضحة حين تتم بين زوجين في إطار الزواج الشرعي، من دون تدخل طرف ثالث، ولا مساس بالكرامة، أو النسب. وفي ظل هذا التقدم العلمي المتسارع، تظل المقاصد الشرعية الخمسة، وعلى رأسها حفظ النسب والعرض، ميزاناً ينبغي أن نحتكم إليه، حتى لا نفرّط في ثوابت ديننا باسم الرحمة، أو التقدم، أو الإنسانية».