يظن البعض أن البيوت دائماً ما تكون منغلقة على أزواج وزوجات يعيشون في حب مستمر، في حين أن الواقع في بعض البيوت يقرّ بعكس ذلك، فهناك من يستمر في العلاقة الزوجية لأسباب أخرى لا تمت لمعايير الحب بصِلة، فهناك من يحكمه التعوّد، أو الحرص على التمسّك بالشكل العام للأسرة، وعدم وصمها بالمفكّكة أمام المجتمع، وغيرها من المبرّرات التي تضمن الاستمرارية، وتخفي بين ثناياها غياب الحب المنشود.
وفي هذا الصدد، تحدثنا الدكتورة وفاء الحمادي، مدرب معتمد دولي تخصص علم الاجتماع التطبيقي وكوتش جودة حياة، قائلة «هناك أشكال كثيرة من العلاقات الزوجية التي تربطها أمور مختلفة، فمنها ما هو طبيعي، وتنشأ على الود، والحب، والاحترام، والتفاهم، وأخرى تقوم على خلاف ذلك، حيث غياب التفاهم، والاحترام، والتقدير، وعدم تحمّل المسؤولية، والسيطرة وحب التملك، كل هذه الأمور قد توجد بين شريكين، ومع ذلك يستمرّان في الزواج، على الرغم من المشاعر السلبية التي تقود زمام العلاقة».
قد يكون الحب تائهاً لا يعرف لسفينته بَرّاً
«والحقيقة، أنه في أحيان كثيرة يكون عدم التفاهم وغياب الحب نتيجة بسبب عدم إدراك الطرفين لأنماط شخصية كل منهما، بمعنى أنه قد تعيش الزوجة مع شريك حياتها ولا تفهم طبيعة شخصيته، وماذا يحب، وماذا يكره، وكيف يعبّر عن الحب.. وفي المقابل، قد يكون الزوج هو من لا يستوعب احتياجات نصفه الآخر، والطرق التي تسعدها، وتخرج أجمل ما فيها. كل هذا قد يؤدي إلى غياب الحب، على الرغم من أنه موجود، إلا أنه تائه لا يعرف لسفينته بَرّاً، وعلى الرغم من هذا كله، فإن ذلك لا يعني فشل تلك العلاقة، بل يمكن أن يكتب لها النجاح إذا سعى كل طرف لتقبّل الآخر كما هو، وأصبحت المرونة، واللين، والتكيّف، هي عنوان هذا البيت».
ويظل السؤال طارحاً نفسه، هل يمكن أن يستمر الزواج من دون حب؟ «بلا شك الحب أساس العلاقات السليمة والسويّة، ويمدّها بالطاقة والاستمرارية، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون علامة لاستمرار الزواج، بل يمكن أن تنشأ العلاقة بين الزوجين، وتستمر رغم غياب الحب، إذا ما توافر مبدأ الودّ، والرحمة، والاحترام المتبادل، والتوافق الفكري، والهدف المشترك، والرغبة في تكملة المشوار، وإنجاح المشروع المتمثل في تأسيس حياة مشتركة، قوامها الأبناء، كل هذا يؤدي إلى إحداث التوافق الزواجي، وبالتالي نجاح العلاقة، وبالتبعية، نجاح تلك الأسرة مجتمعة».
كيف نخلق الحب؟
كيف السبيل لخلق حالة الحب إذا ما خلت الحياة الزوجية منها؟ تحدّد الدكتورة وفاء الحمادي بعض الأمور لنجاح هذا المسعى، منها:
- كسر الروتين: ففي أحيان كثيرة قد يشار بأصابع الاتهام إلى الروتين الذي يوجد نوعاً من النفور المقنّن، ولهذا، لابد من العمل على كسره، ولو في الأمور البسيطة، مثل إحداث تغيير طفيف في الشكل، وطريقة الملبس، أو مكان الأثاث في المنزل، أو تبديل ديكوراته، واقتراح سفرة بحثاً عن التغيير، وتقديم هدية بسيطة في غير مناسبتها، وهكذا.
- الصراحة: عدم كتمان المشاعر السلبية، والاعتراف في حال التقصير، وإبداء الرغبة في تعديل سلوك معين، والبحث المشترك عن اهتمامات تنال رضا الطرفين.
- الحوار الإيجابي: من خلال ذكر المحاسن وتسليط الضوء عليها، وبيان مدى تأثيرها الإيجابي، والرغبة في أن تعالج المواقف بنفس الطريقة التي حدثت في موقف سابق، وتضمنت الحوار الهادئ والإنصات، وإبداء الاهتمام، ومن ثم الإصلاح.
- اختيار الوقت المناسب للحديث: ليس كل الأوقات صالحة للنقاش، واستعراض المشاكل، أو المواقف التي تحتاج إلى تعديل، فاختيار الوقت مهم للوصول إلى الهدف المنشود، وخلاف ذلك يوجِد حالة من النفور، والبعد.
- التخطيط الجيد: اعتبار الزواج مشروع العمر كفيل بإنجاح العلاقة، وضمان استمراريتها، فوضع الخطط الاستراتيجية، وإدراك كل طرف لمسؤولياته وواجباته يعزز من التوافق الزواجي، حتى وإن لم يكن هناك حب.
- اللجوء إلى المختصين: طلب الاستشارة من المختص شيء هام، لكونه أكثر من يدرك أبعاد المشكلة، ويستطيع بخبرته تقديم النصيحة والدعم للزوجين، بكل صدق وأمانة.
وأخيراً، أوجدوا من رحم الحياة ما يعينكم على الاستمرارية، فلا شيء في العلاقات الاجتماعية مضموناً بشكل قاطع، حتى الزواج عن حب يحتاج إلى من يرعاه، مثله كالزرع لا يعيش من دون اهتمام ورعاية، فلتبحثوا عن مصدر السعادة وستجدونها في بيوتكم، طالما توافرت النية الصادقة، والرغبة الحقيقية في ديمومة العلاقة الزوجية.