لا تزال بعض الفتيات الموظفات في مجتمعاتنا العربية يعانين تحكّم آبائهن في أموالهن، فهناك من تُجبَر على تسليم راتبها لأبيها، أو تُمنع من الزواج بحجة الحفاظ على هذا الدخل. هذا السلوك يثير بعض التساؤلات، حول حدود ولاية الأب على ابنته البالغة، ومدى أحقيته في التصرف في مالها دون رضاها.
نستعرض الرأي الشرعي من المفتية الدكتورة حصة خلفان بن حضيبة، التي توضح أن ولاية الأب مسؤولية يحاسب عليها شرعاً، وليست وسيلة لاستغلال ابنته أو ظلمها، وتضيف «جعل المشرع الحكيم الولاية على المرأة مسؤولية عظيمة وحملاً ثقيلاً يُسأل عنها الولي أمام الله تعالى، فالولاية على المرأة إنما هي حفظ لها وتربية وتوجيه، فمن حفظ كان له الأجر، ومن ضيّع جُوزي، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من عال ثلاث بنات، فأدَّبهُن، وزوَّجهنَّ، وأحسن إليهنَّ، فله الجنَّة»، فلم تكن الولاية في الإسلام أبداً تقييداً لحرية المرأة، ولا ظلماً وهضماً لحقوقها، وإنما وضع الشارع شروطاً وحدوداً في حال تعسُّف الولي في استخدام حقه في الولاية، فترفع أمرها إلى القضاء للمطالبة بحقوقها».
تطلعنا الدكتورة حصة بن حضيبة على بعض الحقوق التي أقرها الشرع للمرأة في مسألة الزواج، وهي:
- حقها في الزواج واختيار من تريده شريكاً لحياتها، ويقدم كفء المرأة على كفء الولي، وذلك لقوله تعالى: «فَلَا تَعضلوهُنَّ أن ينكحن أزواجهُنَّ»، وقد نزلت هذه الآية في عضل معقل بن يسار أخته وكان زوجها طلقها ثم أراد رجعتها فخطبها، فأبى معقل أن يردها إلى زوجها، فجاءه الرد الإلهي بعدم المنع، وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها». وفي الحديث دلالة على احترام الإسلام للمرأة وتقديره لرأيها، إذ جاءت امرأة بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبي زوّجني ابن أخ له يرفع خسيسته بي ولم يستأمرني، فهل لي في نفسي من أمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم». فقالت: ما كنت لأرد على أبي شيئاً صنعه، ولكن أحببت أن يعلم النساء، أَلَهُنَّ في أنفسهن أمر أم لا؟
- حقها في المهر، وهو فرض شرعي يجب دفعه للمرأة، ولا يجوز لأحد أخذه منها دون رضاها، فالمهر تكريم لها وليس مقابلاً لشيء، ولا حد أقصى له شرعاً.
- حقها في مالها والتصرف فيه متى كانت راشدة، وليس لأحد حق في الأخذ من هذا المال إلا الوالدين المحتاجين، فقد أجاز العلماء الأخذ قدر سد الحاجة، وأما لغير حاجة فلا، ولا يأخذ ليعطي غيره، فللمرأة ذمة مالية مستقلة، ولها الحق في أن تحتفظ براتبها وأموالها، دون تدخل الزوج أو الولي.
- حقها في المعاملة الكريمة والاحترام، فالزواج ميثاق رحمة ومودة ، وعلى الزوج أن يعامل زوجته بالمعروف، وأي عنف أو تعدٍّ عليها نفسياً أو جسدياً مخالف للشرع.
- حقها في النفقة؛ وتشمل المسكن، والمأكل، والعلاج، والكسوة، فهي واجبة على الزوج حتى وإن كانت غنية أو موظفة.
- حقها في طلب الطلاق إن وقع عليها الضرر، كما لها الحق في الخلع إذا كرهت الحياة الزوجية ولم تعد تحتمل العيش مع الزوج، مقابل عوض مالي.
يُدان كل من يعتدي على استخدام الولاية لتحقيق مصالح شخصية
وتضيف الدكتورة حصة بن حضيبة «تتمتع المرأة في الإسلام بكامل الأهلية في الزواج، ولها حقوق غير منقوصة، ويُدان كل من يعتدي على هذه الحقوق أو يستخدم الولاية لتحقيق مصالح شخصية، وأنصح أي فتاة تأتي إلينا طلباً لأخذ الرأي والمشورة بمحاورة والدها بهدوء وإقناعه بأنها راشدة، وتعلم مصلحتها، وأن رغبتها في الزواج من شخص مناسب لا تعني التخلي عنه، كما يمكن الاستعانة بتدخل شخص حكيم من العائلة يحترمه الأب ويأخذ برأيه ليحكم في الأمر، وإذا أصر الأب على الرفض دون مبرر شرعي يحق للفتاة التوجه إلى القضاء الشرعي، كونه المرجع، للفصل وحماية حقوقها».