06 نوفمبر 2025

رفضت اقترانه بمعلمته بريجيت وتوارت عن الأنظار... من هي فرانسواز والدة الرئيس الفرنسي؟

كاتبة صحافية

مجلة كل الأسرة

قلائل هم أولئك الفرنسيون الذين يعرفون فرانسواز نوجيس، ويخالطونها. بل إن أغلبيتهم لا تتذكر صورة لها. مع العلم أن هذه الطبيبة ليست أياً كان، بل هي والدة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.

ومثل أيّ أم، عاشت هذه المرأة فترة من القلق، والرفض، والمعاناة، حين عرفت أن ابنها المراهق إيمانويل قد وقع في غرام معلمته في المدرسة. والمعلمة أكبر من تلميذها النجيب بما يقارب ربع قرن. ثم إنها متزوجة، ولها أولاد وبنات، وكبرى البنات تدرس في صف إيمانويل، ومن عمره.

لم تكن معاناة يوم وليلة، وأسبوع وأسبوعين. لقد استمرت سنوات، دأبت فيها الوالدة على محاولة وقف تلك العلاقة بكل السبل، ومنها إرسال الولد من مدينته الصغيرة لكي يواصل دراسته في العاصمة باريس. لكن القدر كان فوق الجميع. والقصة معروفة. فقد تطلقت المعلمة من زوجها ولحقت بحبيبها الصغير، وتزوّجا.

مجلة كل الأسرة

والدة ماكرون نفسها كانت قد انفصلت عن والده. لكنه ظل يدين لهما بكل ما بلغه في حياته من شهادات علمية، ومواقع مهنية. وإذا كانت فرانسواز نوجيس قد اعترضت على بريجيت في البداية، فإنها لم تستطع سوى أن تخضع للأمر الواقع، وتتعايش معه، وأن تقبل بأمر الحب. ونهار الأحد 14 من مايو 2017، حين تسلم ابنها رسمياً مهام منصبه كرئيس للجمهورية الفرنسية، فإن الأم والزوجة، أي الحماة والكنّة، كانتا حاضرتين معاً، في تلك المناسبة الكبيرة، والسعيدة. وقد عبّرت الأم عن سعادتها بالقول إنها بالغة التأثر، لأنها كانت تعرف دوماً أن ولدها كان شخصاً استثنائياً. كما كان جان ميشيل ماكرون، والد الرئيس المنتخب، حاضراً المناسبة بجوار طليقته، وهو طبيب متخصص في الجهاز العصبي، وأستاذ جامعي.

فرانسواز وطليقها والد الرئيس يوم انتخابه
فرانسواز وطليقها والد الرئيس يوم انتخابه

تفاصيل طفولة الرئيس الفرنسي

ولكن في أيّ ظروف نشأ الابن إيمانويل لكي يرتضي بالاقتران من سيدة تكبره في السن، ويكتفي بما لديها من أبناء، ولا ينجب منها ذرية؟

قبل ولادة ماكرون كان للزوجين الطبيبين طفلة، ولدت ميتة عام 1976. وبعد ذلك أنجبا ولدين وبنتاً. وقد صار الأخ طبيباً والأخت كذلك. أما هو فلم يدرس الطب، بل الاقتصاد والعلوم السياسية، وصار وزيراً، ثم رئيساً شاباً للجمهورية الفرنسية. بعد طلاق والديه اقترن أبوه بطبيبة من زميلاته، وأنجب منها ولداً، عام 2005، هو جابرييل الأخ غير الشقيق للرئيس. أما الأم فلم تتزوج، وتفرغت لتربية أبنائها. وفي حين أن زوجها ينحدر من عائلة مارست الطب أباً عن جد، فإنها كانت قد نشأت في عائلة ريفية، لكن والديها درسا واشتغلا في التعليم، فقد كان أبوها مدرساً، وأمها مديرة مدرسة ثانوية. وبعد زواجها سكنت أسرة ماكرون مدينة أميان، ولم يكن الأب متديناً، ولا يرغب في تعميد أبنائه وفق العقيدة المسيحية. لكن إيمانويل قرر في سن الثانية عشرة أن يتعمد، حتى لو ذهب لحضور مراسم عمادته في الكنيسة وحيداً. تلك كانت بداية حقبة تعلق فيها الولد بالأفكار الروحانية، ودامت سنوات عدّة. كما كان منجذباً للقراءات الأدبية.

مجلة كل الأسرة

إبعاده عن حبيبته

درس ماكرون في مدرسة كاثوليكية، ونال جائزة عن منطقته في اللغة الفرنسية. بعد ذلك انتقل إلى باريس ليدرس في ثانوية «جورج الخامس» الشهيرة، التي لا تقبل سوى المتفوقين من التلاميذ. لقد أبعده والداه عن حبيبته في «أميان»، بريجيت ترونو، على أمل أن ينساها. وهي كانت المعلمة التي تعطي التلاميذ دروساً في المسرح، وكان إيمانويل أشطر رفاقه، وأكثرهم قراءات ومعارف. لقد عمل معها على مسرحية للكاتب الإيطالي إدواردو دو فليبو، ونجح العرض، ونال استحسان المشاهدين.

وفي باريس، وعلى الرغم من جرح قلبه، تمكن من الحصول على الثانوية العامة في الفرع العلمي بتقدير جيد جداً. وقد تقدم لمسابقة تؤهله لدخول أحد المعاهد الكبرى، لكنه أخفق مرتين، فاتجه إلى معهد العلوم السياسية، وتخرج فيه عام 2001. ثم واصل دراسته العليا، ودخل المدرسة العليا للإدارة، وهي المعهد الذي يتخرج فيه الوزراء، والرؤساء، ومديرو الشركات الكبرى، وبريجيت تقف في ظهره، وتدعمه، وتشجعه بعد أن تركت بيتها والتحقت به.

في خريف 2007 تزوج الحبيبان في بلدة «توكيه» الساحلية، شمال غرب فرنسا، حيث يملكان بيتاً. وهي كانت قد انفصلت عن زوجها الأستاذ الجامعي أندريه لويس أوزيير، منذ عام 1994، ثم تطلقت منه عام 2006. خلال ذلك كانت والدته فرانسواز تتابع مسيرة ابنها من بعيد، وتحرص على البقاء بعيدة عن الأضواء. وكان من الطبيعي أن علاقتها ببريجيت كانت متوترة إلى أن اضطرت للاذعان والتسليم بما يرغب فيه ابنها، وبقبول المرأة التي يجد معها سعادته.

صورة نادرة تجمع الكنة والحماة
صورة نادرة تجمع الكنة والحماة

تضحية الأم والصداقة مع الكنّة

لعبت فرانسواز دوراً أساسياً في حياة أبنائها، ووافقت على العمل بنصف دوام لكي تسهر على دراستهم. وهي تضحية طرحت ثمارها، فصار أحد الولدين رئيساً للجمهورية، والولد الثاني وشقيقته من كبار الأطباء. ولولا صدور كتاب عن سيرة ماكرون عام 2017 لبقيت والدته في الظل، ولا يعرف عنها أحد شيئاً. ففي هذا الكتاب الذي وضعته الكاتبة آن فولدا، نفهم أن الابن العاشق لم يهتم بتعريف والدته بحبيبته. وهو أمر طبيعي ومفهوم، لأنه كان يبلغ من العمر 16 عاماً، ولأن الحبيبة كانت أكبر منه بـ 24 عاماً، ولها أبناء. لقد عرفت الأم بحكايته مع بريجيت التي صارت حديث المدرسة كلها، من دون أن يلتقي بها. وفي تلك الفترة، بسبب التوتر مع والدته، ترك الولد المراهق بيت الأسرة، وذهب ليقيم عند جدته التي يسميها «مانيت».

مجلة كل الأسرة

وفي نهاية المطاف، لم يكن أمام الأم سوى الرضوخ، وقالت لمؤلفة الكتاب: «كان يعبد بريجيت. ولو تعرّت الممثلة الحسناء ليتيسيا كاستا أمامه لما اهتزت شعرة في رأسه». ومع الوقت، تراجع التوتر، بل إن الكنّة المجرّبة عرفت كيف تتصادق مع حماتها. ومنذ ذلك الهدوء النسبي صارت علاقة ماكرون مع والدته جيدة جداً. وعندما دارت إشاعات عن أنه ربما كان من مثليي الجنس، فإن أمه انزعجت كثيراً من الأقاويل، وطلبت منه المسارعة في تكذيب الإشاعة، لكنه أجابها بأن التكذيب الرسمي سيزيد من انتشار إشاعة لا أساس لها من الصحة.

وبعد انتخاب ابنها في الدورة الرئاسية الأولى، قالت فرانسواز لمجلة «باري ماتش»: «لقد صحوت على الخبر، وتأكدت منه، وكنت أظن أنني أحلم».