07 أغسطس 2025

كلية صارمة وباهظة لتخريج جليسات أطفال.. هنا تتدرب مربيات الملوك والأمراء وأبناء المليارديرات

كاتبة صحافية

خريجات واحدة من الدورات
خريجات واحدة من الدورات

هذه المؤسسة المرموقة التي تأسست قبل أكثر من 130 عاماً في مدينة باث البريطانية، تُدرّب أكثر مربيات الأطفال شهرة في العالم. خريجاتها مطلوبات من العائلات المالكة ومليارديرات التكنولوجيا. الكل يتنافس على الفوز بمربية من مستوى «ماري بوبنز» التي شاهدناها في السينما.

مجلة كل الأسرة

تتميز طالبات المدرسة بزيهنّ الحليبي، مع الياقات البيضاء، والقبّعات البُنيّة، والقفازات الأنيقة. إن كلية نورلاند المرموقة الواقعة في جنوب غرب إنجلترا، لا تدرّب جليسات الأطفال فحسب، بل صفوة مربيات الأطفال في العالم. وتتميز بكونها مؤسسة عريقة، تأسست عام 1892 لتأهيل شابات متخصصات في مرحلة الطفولة المبكرة لأغنى العائلات، بما في ذلك عائلة وندسور الملكية. وقد عهد ولي العهد الأمير وليام، وزوجته كيت ميدلتون، بتعليم الأمير جورج والأميرة شارلوت والأمير لويس، إلى واحدة من خريجات «نورلاند»، واسمها ماريا تيريزا توريون بورالو. وقبل 3 سنوات قالت جانيت روز، مديرة كلية نورلاند، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «كنا محظوظين جداً لأن العائلة المالكة سمحت لمربية الأمير جورج بارتداء زي نورلاند في حفل تعميده، قبل سنوات. فمن سياستنا ألا ننشر معلومات عن أي عائلة تتعامل معنا. لكن من الواضح أنهم أرادوا القيام ببعض الدعاية لنا».

طالبة بالزي الموحد للكلية
طالبة بالزي الموحد للكلية

أول مؤسسة رسمية في رعاية الأطفال

تأسست كلية نورلاند قبل أكثر من 130 عاماً، على يد إميلي وارد (رائدة تعليم الطفولة المبكرة في إنجلترا)، وكانت أول مؤسسة بريطانية تقدم تدريباً رسمياً في مجال رعاية الأطفال. كانت الرؤية في ذلك الوقت: تدريب متخصصات مؤهّلات من النساء، بدلاً من خادمات المنازل الأميّات في كثير من الأحيان، اللواتي كنّ في العادة يتولين معظم أعمال رعاية الأطفال.

ومنذ ذلك الحين، دأبت كلية نورلاند على توفير مربيات للأطفال للطبقة الأرستقراطية. عملت خريجاتها لدى ملكة صربيا، وبياتريس ملكة إسبانيا، ودوقة مكلنبورج شفيرين الكبرى، وحتى لدى عائلة بوريس جونسون. وفي الواقع، نشأ رئيس وزراء بريطانيا السابق على يد امرأة «نورلاندية»، وقد وصفتها شقيقته راشيل بأنها «قلعة حصينة، أعادت توجيه عائلة جونسون المتدهورة التي تميزت بالشعر الطويل، وغرابة الأطوار في بروكسل. حيث كان والدنا، ستانلي، من أوائل موظفي الخدمة المدنية البريطانيين الذين عملوا في المفوضية الأوروبية».

ولكن ماذا عن عام 2025؟ يتنوع زبائن الكلية اليوم، حيث لم يعودوا يقتصرون على الطبقة الأرستقراطية البريطانية، والورثة الأثرياء. كما أنهم لا يقتصرون على مليارديرات التكنولوجيا، ونجوم التلفزيون، وكبار رجال الأعمال المهاجرين من الجيل الثاني، بل يشملون أيضاً كبار الرؤساء التنفيذيين، والأمّهات العازبات. لذا، ولإعداد هؤلاء «النورلانديين» على أفضل وجه، تقدم الكلية برنامجاً تدريبياً لمدة 4 سنوات، مفتوحاً للجميع مع أن القبول انتقائي للغاية، ويتخرج فيه الطلاب بشهادة جامعية في رعاية الأطفال.

مجلة كل الأسرة

كلفة الدراسة والتدريب الصارم في كلية نورلاند

يبلغ سعر الانضمام إلى الكلية 15 ألف جنيه استرليني، سنوياً، أو 18 ألف جنيه استرليني للطالبات الأجنبيات. ومن الشروط أن تكون الطالبة مُوافقة تمام الموافقة على الانضباط خلال قضاء سنواتها الجامعية، التي عادة ما تكون في سن الشباب، والتمرّد، والتحرر، وأن ترتدي الزيّ المقرر. ومع ذلك، يُعد هذا الزي بمثابة اختبار الخطوة الأولى في إنكار الذات لتصبح الطالبة «نورلاندية». ومنذ لحظة ارتدائهنّ الزي، يجب على الطالبات الالتزام بقواعد صارمة. لا يُسمح لهنّ باستخدام سماعات الأذن، أو احتساء الكحول، أو إجراء مكالمات هاتفية في الأماكن العامة، إلا في حالات الطوارئ. كما يُمنعن من عبور الشارع عند الإشارة الحمراء!

طالبة تتعلم مبادئ الخياطة
طالبة تتعلم مبادئ الخياطة

ومع ذلك، يكمن وراء الصورة الخلّابة لكلية نورلاند برنامج تدريب صارم للغاية. فإضافة إلى الدورات التقليدية المتعلقة بعلم النفس، والتغذية، والإسعافات الأولية، تخضع المربيات الخارقات المستقبليات لتدريب أمني يُقدمه أعضاء سابقون في جهاز المخابرات البريطاني. والهدف من هذا التدريب توعيتهنّ بالمواقف الخطرة المحتملة التي قد يواجهنها عند محاولات اختطاف الأطفال لطلب الفدية من الآباء، خصوصاً في البيئات الثرية، حيث يكون خطر الاختطاف أكبر.

وقبل فترة، صرّحت مديرة المدرسة جانيت روز، لوكالة الصحافة الفرنسية قائلة: «يهدف تدريبنا إلى تزويد طالباتنا بالمعرفة والمهارات اللازمة لرعاية الأطفال في عالمنا المعاصر». لذا، يشمل البرنامج دروساً في القيادة على طريقة جيمس بوند، للخروج من المواقف الصعبة، والتوعية بالأمن السيبراني، إضافة إلى التدريب على الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، والتعامل مع المصورين، وأساليب الدفاع عن النفس على طريقة جان كلود فان دام. ويمكن لـ «ماري بوبنز» أن تحلّق بمظلتها، كما في الفيلم الشهير.

وفي كل عام، يتم إعداد الطالبات المتخرجات لتلبية طلبات العائلات الثرية، والتي قد تبدو غريبة أحياناً. وتقول جوليا جاسكل، رئيسة قسم التوظيف في كلية نورلاند، إن هناك عائلات تفترض في المربية أن تكون مسؤولة عن توفير أحدث مجموعة ملابس أطفال من «جوتشي»، مثلاً، بحيث يتمكن الأطفال من ارتدائها يوم نزولها للأسواق. كما يُعدّ الإلمام بآداب السلوك السليم أمراً بالغ الأهمية لطالبات نورلاند. مع هذا، فإن عالم الأثرياء لا يخلو من مفاجآت. وقد وضعت إحدى الخبيرات قائمة بأطعمة يصعب تناولها بالشوكة والسكين، مثل البازلاء التي تعتبر الكابوس الأكبر، والهليون الذي تقول إن الملكة نفسها ستأكله بأصابعها. وماذا عن الروبيان؟ حسناً، من المقبول تماماً أن تسأل مضيفك عن الطريقة الأنسب لتناوله، وبعد ذلك تتبع نصيحته.

التدريب في المطبخ
التدريب في المطبخ

رواتب عالية 

على الرغم من الرواتب المريحة (نحو 60 ألف دولار في السنة الأولى والتي يمكن أن ترتفع إلى أكثر من 160 ألفاً مع الخبرة)، فإن كون المربية من خريجات نورلاند يتطلب تضحيات شخصية كبيرة.. تقول جوليا جاسكل: «هؤلاء الشابات يدخلن نورلاند لأنهن يُحببن الأطفال، ومع ذلك فإن عائلات الأطفال تتوقع منهنّ التخلي عن حياتهنّ الخاصة، والعلاقات مع الجنس الآخر، وعن فرص إنجاب الأطفال. وهي تتذكر حواراً مع مربية أطفال محترفة قالت لها: «جوليا، الآن وقد بلغتُ الخمسين، أشعر بالندم. لم أُرزق بأطفال ولم تكن لديّ علاقة جادة»، وكانت المربية تبكي وشاركتها جوليا في البكاء. كان من المؤلم بلوغ عتبة الشيخوخة ليدرك المرء أنه ارتكب خطأ حياته.

 وعلى الرغم من صورتها التقليدية، تتطور «نورلاند» مع مرور الزمن. على سبيل المثال، فتحت المدرسة أبوابها للرجال عام 2017 رغم أنهم لا يزالون أقلية ضئيلة، وهي الآن تُقدّم زيّاً محايداً للجنسين. كما تقدم المؤسسة منحاً دراسية لتشجيع طلاب المدارس الحكومية على الانضمام إليها، وتأمل في استقبال المزيد من الطلاب من ذوي البشرة الملوّنة. فبالنسبة إلى هذه المدرسة التي صمدت أمام اختبار الزمن، يبقى التحدي هو التوفيق بين التقاليد والحداثة. وتقول المديرة إن العالم اليوم مُعولم، ولم يعد الوضع الاقتصادي والبحبوحة والثراء حكراً على شريحة مُعينة من المجتمع. لذلك، فإن الكلية بحاجة إلى خريجين يُناسبون جميع أنواع العائلات.