إلهام الصغير: في الإعلام الرقمي لا مكان للجمود ولا خيار سوى التأقلم والتطور

الانتقال من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الرقمي رحلة مليئة بالمتعة والتحديات، فقد كانت بداية الإعلامية الشابة إلهام الصغير في الإعلام التقليدي، وهو ما اعتبرته مدرستها الأولى، حيث درست الصحافة وعلوم الأخبار، وتشرّبت القواعد والأسس التي نشأنا وتدرّبنا عليها في هذا المجال، لتقتحم أخيراً الإعلام الرقمي عبر منصة «بلينكس» الرقمية، ليشكّل الانتقال مرحلة مفصلية في مسيرة إلهام، تستعرضها مع قراء مجلة «كل الأسرة» وتسلط الضوء على أفضل الأساليب للتحول إلى الإعلام الرقمي الحديث.
كيف انطلقت في الإعلام الرقمي؟
كانت تجربتي الأولى كمعدة لبرنامج رقمي، وقد واجهت في هذه المرحلة العديد من التحديات، لكنها كانت تحديات قيّمة ومثرية، تعلّمت من خلالها الكثير من المهارات والمعارف الجديدة، حيث حاولت أن أتخلّى عن عنادي، وركّزت على تعلّم الأساسيات من جديد، لأنني أدركت أن الاستمرار في هذا المجال يتطلب مرونة واستعداداً دائماً للتعلّم، فالإعلام الرقمي هو مستقبل هذه المهنة، ولا مجال للتراجع عنه.

ما أبرز التحديات التي واجهتك أثناء هذا التحول، خاصة من حيث تغيير الأدوات والأسلوب؟
التغيّر في الأسلوب. فعلى الرغم من أنني ما زلت أُجري المقابلات، إلا أن طريقة طرح السؤال قد اختلفت، وتغيّرت كذلك طريقة التفاعل مع الضيف. أصبحت الطريقة الرقمية أكثر سرعة، وأكثر مباشرة. أصبحت أُركّز بشكل أكبر على ما يحدث كـ«ترند»، وعلى الموضوعات التي تهم الناس، وتثير حماسهم، وتتناسب مع طبيعة المنصات الرقمية. فالإعلام الرقمي يختلف تماماً، إذ يتطلّب أسلوباً أكثر حيوية وسرعة ووضوحاً.
أما من حيث الأدوات، فهي في جوهرها لم تتغير/ سؤال، جواب بمونتاج/. لكن طريقة استخدام هذه الأدوات تغيّرت. أسلوب المونتاج أصبح أكثر تطوراً وسرعة، ليجذب المشاهد بطريقة أكبر. لكنني أرى أن تجربتي في الإعلام التقليدي ساعدتني كثيراً على التكيّف بسرعة. ما زلت أعتمد على الأسس الصحفية، لكنني أعمل على تطويرها وتقديمها بأسلوب يتوافق مع متطلبات الإعلام الرقمي.
هل شعرتِ في البداية بقلق من فقدان جمهورك عند الانتقال إلى المنصات الرقمية؟
لطالما كنتُ أؤمن بأن الجمهور يتابع المحتوى الذي يهمّه، سواء في الإعلام التقليدي أو في الإعلام الرقمي. لذلك، لم يكن مصدر خوفي الأساسي هو الجمهور أو تفاعله، بل كان خوفي الحقيقي يكمن في تساؤلي: هل أستطيع أنا، كصحفية، أن أواكب هذا التحوّل وأتأقلم مع متطلبات الإعلام الرقمي؟ لأن هذا النوع من الإعلام يفرض تغييرات كبيرة في الأسلوب والأدوات وطريقة التقديم.

ما الفرق الجوهري بين محتوى الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي من حيث التأثير والانتشار؟
في اعتقادي، يظل المحتوى محتوى، سواء قُدِّم في إطار الإعلام التقليدي أو عبر منصات الإعلام الرقمي. لا يكمن التغيير في طبيعة المحتوى ذاته، طالما أنه مبني على أسس صحفية صحيحة، ويرتكز على الخبر بوصفه محوراً أساسياً، أرى أن على الصحفي أن يُوازن بين التمسك بالأساسيات الصحفية المهنية، وبين تبنّي آليات الطرح السريع والمباشر، بما يتماشى مع طبيعة الإعلام الرقمي وسرعة تفاعل جمهوره.
جمهوركِ الرقمي اليوم يتكون بنسبة كبيرة من «جيل زد»، كيف استطعتِ فهم هذا الجيل والتواصل معه بفاعلية؟
في البداية، لم يكن من السهل عليّ أن أفهم «جيل زد» لكنني حرصت على التواصل مع الفريق الذي أعمل معه من جيل الألفية، وأسعى إلى فهم طريقة تفكيرهم، فأستشيرهم في اختيار الضيوف، وفي طبيعة الأسئلة التي تهمهم، وأتعرف من خلالهم على أبرز الشخصيات التي يفضلونها، وعلى اهتماماتهم العامة.
وانطلاقاً من ذلك، بدأت ببناء الأفكار وتحديد الضيوف بما يتناسب مع تلك التوجهات. ومع ذلك، لا أكتفي فقط بالضيوف المعروفين لديهم، بل أحرص أيضاً على استضافة شخصيات قد لا يكونون على دراية بها، ولكنها تمتلك جوانب تُثير اهتمام هذا الجيل.
ما نوع المحتوى الذي ينجذب إليه هذا الجيل؟ وكيف توفّقين بين تقديم محتوى جذاب وهادف في آن واحد؟
أعتقد أن هذا الجيل يُحبّ المحتوى الجذّاب، خصوصاً إذا كان يحمل في طيّاته قصة تُحرّك اهتماماتهم، وتتماهى مع أفكارهم وميولهم. كما يُظهر هذا الجيل تقديراً كبيراً للمحتوى الهادف، هم ينجذبون إلى كل محتوى يجمع بين الفائدة والجاذبية، بشرط أن يُقدَّم لهم بطريقتهم الخاصة، أي بطريقة سريعة وخفيفة.
هل ترين أن الإعلامي اليوم بحاجة لتعلّم مهارات جديدة ليبقى قريباً من الأجيال الرقمية؟
الإعلامي الذي يواكب التطورات في هذا المجال لا بد أن يكون منفتحاً على التغيرات، وأهمها الرقمنة. أعتقد أنه من الضروري أن يسعى الإعلامي إلى تطوير ذاته، عبر اكتساب مهارات جديدة، أو تحسين ما لديه من مهارات، ومراجعة الأساليب التي يستخدمها والعمل على تحديثها، وهذا أمر طبيعي وضروري.

كيف ساعدتك خبرتك في العلاقات العامة على التطور في مجال الإعلام؟
في رأيي الشخصي، الإعلام والعلاقات العامة هما مجالان يتلاقيان في العديد من النقاط. ولهذا السبب، تجد أن معظم المستشارين في مجال العلاقات العامة هنا هم إعلاميون وصحفيون. دخلت هذا المجال بالصدفة، فلم يكن لديّ أي خطة أو تصور مسبق بأن أعمل في هذا المجال. لكن بعد أن دخلته، أحببته كثيراً، ووجدت فيه العديد من التحديات والقصص الجديدة التي أعمل عليها، والتي أخرجتني من الروتين الذي كنت أعيشه. فقررت أن أخوض التجربة وأطور مهاراتي، وخضعت للعديد من «الكورسات»، وطورت الفكرة إلى مشروع صغير وهو The connect pr agency وأنا سعيدة جداً بهذا الأمر في الوقت الحالي. فحبي للإعلام هو الذي دفعني إلى مجال العلاقات العامة، إذ أعتبرهما مجالين متقاربين، وإن اختلفت الطرق والأساليب. فمثلاً، هناك أشخاص يحتاجون إلى استشارات إعلامية في موضوعات محددة، أو يرغبون في إعداد محتوى لوسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم لا يعرفون كيفية إنتاج هذا المحتوى بطريقة احترافية. كما أن هناك من يريدون إطلاق «بودكاست»، ولديهم أفكار رائعة، لكنهم لا يعلمون كيف يحولون هذه الأفكار إلى برامج إعلامية متقنة تتناسب مع طبيعة العمل الإعلامي الذي أمارسه.
ماذا الذي اكتسبته من عالم الإعلام؟ وماذا أضفت إليه؟
خبرتي الإعلامية جعلتني أعي أهمية بناء الهوية الشخصية (Personal Branding)، وهو أمر يعمل عليه العديد من الأفراد والمؤسسات في الوقت الراهن، ويحتاجون فيه إلى شخص ذي خلفية إعلامية قادر على توجيههم ووضعهم على المسار الصحيح، وربطهم بالوسائل الإعلامية التي تتناسب مع أفكارهم وأهدافهم، فهناك فرق كبير وواضح بين التسويق والعلاقات العامة. فالعلاقات العامة، كما يعلم الجميع، تهدف إلى تعزيز العلاقة بين وسائل الإعلام والعملاء والشركات، وبناء صورة إيجابية لهؤلاء ولشركاتهم، وتشمل إيصال الرسائل إلى جمهورهم أو إلى وسائل الإعلام. أما التسويق فهو مختلف تماماً؛ فهو يتعلق بأنشطة ترويجية تهدف إلى بيع المنتجات أو الخدمات.
كيف تحلمين أن يكون شكل الإعلام في السنوات الخمسة المقبلة؟ وهل ترين نفسك جزءاً من هذا التغيير؟
حلمي أن يبقى الإعلام، مهما تطوّر ومهما ازداد اعتماده على الرقمنة، محافظاً على استقلاليته، وحريته، ومكانته. فمصطلح «الإعلام» مصطلح كبير وعميق، وليس كل من كتب مقالاً أو ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي يُعد إعلامياً. الإعلامي هو صاحب مهنة، وله اختصاص، ودراسة أكاديمية، ومجال مهني واضح. وأتمنى أن يحافظ الإعلام على مكانته، وأن يحافظ الإعلاميون على مكانتهم أيضاً، مع كامل احترامي لجميع التخصصات الأخرى.