25 نوفمبر 2025

تعليقات سلبية وردود جارحة تقتل الحب وتخرّب عِشرة السنين

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

من أسوأ السلوكات التي تؤثر في العلاقة بين الزوجين هو التجريح، والردود والتعليقات السلبية، والمعايرة، وتعمّد الإهانة، وعدم الاحترام بين الطرفين، والتي غالباً ما تكون كفيلة بهدم كل ما قد يبنيه الزوجان خلال سنوات.

خبراء العلاقات الزوجية يؤكدون أن الألفاظ الجارحة التي يستخدمها أحد الزوجين، أو كلاهما، خلال أوقات الخلاف والغضب، لا تُنسى أبداً، وقد ينسى الزوجان أسباب الخلاف، لكن التجريح والإهانة والكلام السلبي تظل عالقة في ذهن كلا الطرفين، تنغّص حياتهما، وما إن يدب خلاف بينهما من جديد حتى يتذكّرا كل الإهانات، وتزداد الأمور بينهما سوءاً.

سألت «كل الأسرة» خبراء العلاج الزواجي حول الخطوط الحمراء في الحديث بين الزوجين، حتى لا يصلا إلى مرحلة التجريح، والإهانة، والنقد، والتطاول، وهل يمكن لهذه الأمور أن تدمّر العلاقة الزوجية حتى لو كانت متماسكة، وكيف تتعامل الزوجة مع الزوج الناقد لكل شيء، وهل يمكن أن تستقيم الحياة بين زوجين أحدهما يجلد الآخر بنقده اللاذع، ليل نهار؟

مجلة كل الأسرة

زلّات اللسان بين الزوجين تفضح الرغبات المكبوتة

في البداية، يؤكد الدكتور هشام ماجد، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك بالقاهرة، أن الكلام الجارح والتعليقات السلبية في النقاشات الزوجية مرفوضة تماماً حتى لو كانت على سبيل المزاح، لأنه سيكون مزاحاً مزعجاً، وغير مقبول، حتى إن بدا غير ذلك. ويرى أن أفشل علاقة زوجية هي التي يتحول فيها أحد الطرفين لجلّاد لشريك حياته، حيث يرى نفسه أنه على حق دائماً، وأن الطرف الآخر هو المخطئ، فيكيل له الاتهامات، ولا يتوقف أبداً عن احتقاره ومعايرته، ولا يجد غضاضة في ازدرائه، والتقليل من شأنه، وتوجيه الكلمات الجارحة له، من دون رحمة.

ويقول: «للأسف الكلمات الجارحة قد تخرج من دون قصد، لكنها تكون قاسية جداً، بخاصة عندما تكون بين الزوجين، ولعلها تكون أكبر سبب لخلق فجوة بين الرجل والمرأة، وقد تؤدي إلى عواقب غير محمودة، فليس هناك أسوأ من أن يكون رد فعل أحد الزوجين على الآخر جارحاً ومهيناً».

مجلة كل الأسرة

8 أسباب تجعل هذا الحوار قاتلاً للحب بين الزوجين

من جانب آخر، حذّرت دراسة صدرت، أخيراً، المتزوجين حديثا والمقبلين على الزواج، من تبادل الشتائم في وقت الغضب، أو لجوء أحد الطرفين إلى توجيه الشتائم للطرف الآخر للتعبير عن غضبه، أو الردّ على إهانته، مؤكدة أن قضايا الطلاق التي وقعت خلال السنوات الأخيرة أمام محاكم الأسرة، كشفت عن أن توجيه الشتائم والإهانات لأحد الطرفين، أو تبادلها بين الزوجين، أهم سبب للطلاق، وتأتي كقاسم مشترك بين معظم الحالات التي وصل الأمر فيها إلى الطلاق، أو الخلع.

وفي السياق نفسه، يشير الدكتور هشام ماجد إلى عدة أخطاء في العلاقة الزوجية، وأسباب تجعل الشتائم والإهانات هي لغة الحوار السائدة بين الزوجين، ما يضيع الحب والمودّة، ومن أبرز هذه الأسباب:

1. سوء التقدير وعدم القدرة على السيطرة على مشاعر الغضب، وتصيّد الطرفين للأخطاء، واختلاق المشكلات، تؤدي إلى انفعالات قد تتضمن التجريح، فكل منهما يبحث عن الأخطاء التي يقع فيها الطرف الآخر، ويركز الضوء عليها ليفتعل منها مادة للخلاف، وهو أمر طبيعي بعد تبلّد المشاعر بينهما.

2. لو بحثنا في كل الحوادث التي وقعت من الأزواج ضد زوجاتهم، أو العكس، لوجدنا أن هذه الجرائم تحدث فور إهانة أحد الطرفين للآخر بشكل مستفز، يجعله يستشيط غضباً منه، فلا يفكر وقتها في ما سيحدث، ويحاول الثأر لكرامته التي جُرحت.

3. بعض الرجال بطبعهم لا يعرفون انتقاء الكلمات والعبارات التي يوجهونها إلى زوجاتهم فيتفوّهون بتعليقات لاذعة وجارحة.

4. هناك أزواج يحبون المزاح مع الزوجة ببعض كلمات الانتقاد، كأنه «ينكشها»، لكن المرأة لا تتفهم ذلك، لذا، من الضروري أن تميّز المرأة ما بين ما الانتقاد الحقيقي والمزاح، وكذلك يجب على الزوج التوضيح والتأكيد على أن الكلام على سبيل الدعابة.

5. بعض الأزواج والزوجات يتّبعون النقد اللاذع مع شريك الحياة كمحاولة لتغيير طباعه للتوافق معه، ويتّبعون النقد والتعليقات السلبية ظناً منهم أنه أسلوب مفيد وفعّال، لكن في الحقيقة هم يتّعبون أنفسهم في ما لا يفيد.

6. المرأة بطبيعتها مخلوق حسّاس للنقد أكثر من الرجل، بخاصة لو كان هذا النقد يمسّ شكلها، أو ملابسها، أو بيتها، أو تربيتها لأولادها، أما الرجل فهو حسّاس للنقد الذي ينصبّ على قدرته في عمله، أو قدرته على كسب عيشه، أو قدرته على حماية أسرته وقيادتها.

7. كثير من الأزواج لا يشعرون بالسعادة في حياتهم الزوجية بسبب نظرتهم السلبية إلى الشريك، فهم لا ينظرون إلا في أوجه القصور والنقص، وعلى الرغم من أن الجوانب الإيجابية في حياتهم قد تكون أكثر بكثير من الجوانب السلبية، إلا أن النظرة السوداوية للأمور قد تخطت كل فعل جميل.

8. الزوجة أحياناً، تفهم العلاقة الزوجية بشكل خاطئ، وتعتقد أن احترامها لزوجها وطاعتها له سيعطيان الفرصة لاستضعافها، والتحكم فيها، والنتيجة تكون معاملة سيئة للزوج، واتهامات متكرّرة تستحيل معها العشرة الطيبة.

مجلة كل الأسرة

الكلام الجارح قد يُنسى ولكن تأثيراته السلبية تبقى

وتتفق معه الدكتورة رضوى نجيب، استشارية الإتيكيت الدولي ومستشار العلاقات الزوجية بالقاهرة، في أن التجريح والكلام السلبي من أكثر المشكلات التي تواجه الزوجين بعد بدء الحياة الزوجية، وتظهر هذه التصرفات أكثر من قِبل الأزواج، فهناك العديد من الزوجات فاض الكيل بهنّ من تصرفات الأزواج الذين يتعمدون تجريح الزوجة أمام الأبناء والأهل، وفي بعض الحالات أمام الأصدقاء، ومن دون سبب واضح، أو يتطوّر الأمر بعد مناقشة أسباب تافهة لا تستحق كل هذه العصبية، وهذا الانفلات في الألفاظ الجارحة، بما يوغر الصدر بين الزوجين اللذين من المفترض أن تربط بينهما مشاعر المودّة والرحمة.

وتستطرد الاستشارية النفسية د. رضوى نجيب قائلة: «الغريب أن الزوجة غالباً، ما تعترف، في معظم الحالات، بأن هذا هو العيب الوحيد في الزوج، فهو يتمتع بصفات حميدة كالكرم، والشهامة، وطيبة القلب، إلا أن «طول اللسان»، والألفاظ البذيئة، والإهانات الجارحة تتطور، لا فرق في ذلك بين الزوجات من طبقات اجتماعية مختلفة. وفي بعض الحالات تتعدّى تصرفات الزوج وألفاظه أصول الأدب، والمشكلة أن منزلة الزوجة الأم تتدنى، أمام أبنائها وبناتها.

وحول الآثار النفسية التي تترتب على التجريح، والكلام السلبي، والإهانات بين الزوجين، تشير الدكتورة رضوى نجيب إلى بعض هذه التأثيرات التي تغيّر شكل العلاقة الزوجية:

  • النقد المستمر الذي يمارسه بعض الأزواج والزوجات يقطع أواصر المودّة والرحمة، بينهما ويؤدي إلى الطلاق، وإن لم يحدث الطلاق فإنه يؤدي إلى الانفصال الجسدي والروحي بالتدريج، وكره الطرفين لبيت الزوجية، وللأحاديث المشتركة.
  • الكلام السلبي بين الزوجين يجعل الحياة الزوجية مملوءة بالنكد والخرس، فيبدآن بالتوقف عن الكلام تماماً، خشية أن يكون الرد عليه بسيل من كلمات النقد.
  • بعض الزيجات تبدأ بالحب العنيف بين الطرفين، ولكن بسبب اللوم
  • المستمر، وتحميل الزوجة كل الأخطاء، ونقدها المستمر، يموت الحب، ويقع الطلاق.
  • النقد المستمر يجعل العلاقة مضطربة، ومملوءة بالحزن والتوتر اللذين تسببهما التعليقات اللاذعة والجارحة، ما يؤثر سلباً في الحالة النفسية للزوجين، ويصيبهما بالهموم، والقلق، والحزن·
  • تبادل الاتهامات، والإهانات، والتجريح أمام الأبناء سيدفع ثمنه الأولاد أولاً، لأنهم ينشأون في بيئة غير صحية، نفسياً وسلوكياً، وقد يأخذ بعضهم جانب الأم، والآخرون جانب الأب، أو يتحيزون جميعا لأحد الطرفين، بخلاف أنهم سيتعلمون الاستبداد بالرأي، وإهانة الآخرين وقت الخلاف معهم.
مجلة كل الأسرة

كيف نتجنب الكلام الجارح ونتعلم فن الرد؟

من جانبها، تؤكد الدكتورة داليا نبيل، استشارية العلاقات الأسرية والزوجية، أن الكلام السلبي والتجريح أصبحا للأسف الشديد مظهراً من مظاهر الحوارات الزوجية، بخاصة بين الشباب المتزوج حديثاً، فنجد الإهانة بين الزوجين تأخذ أشكالاً عدّة، منها التقليل من الشأن، أو السخرية، أو التهكم، وتسفيه كل أمر جيد يقوم به أيّ من الطرفين، وأحياناً يتفاقم الأمر وتتحول الإهانة لتصبح أمام الأهل، والأطفال، والأصدقاء، فتكتب كلمة النهاية للحياة الزوجية.

وتقدم الدكتورة داليا نبيل هذه النصائح حول التعامل الأمثل مع مشكلة العلاقات المتوترة بين الأزواج بسبب تبادل الكلام الجارح:

  • يجب من البداية رسم حدود في التعامل بين الزوجين، فالسكوت عن الإهانة من الطرف المُهان يجعله شريكاً في استمرارها.- في المقابل دائماً ما أطالب الزوجين بعدم تضخيم توافه الأمور، والخلافات العابرة في حياتهما اليومية، وغضّ النظر عن بعض الأمور لكي لا يفتعلا المشكلات، ليلاً ونهاراً، ويجعلا الانتقاد يسيطر على تعاملهما وتواصلهما معاً.
  • أقول للزوجة: لا تنتقدي زوجك، ولا تخبريه بعيوبه والأمور السلبية التي يفعلها، لأن هذا يترك آثارا سلبية فيه، ولأنكِ بذلك تهينيه، ولا يستطيع بعدها أن ينسى هذه الإهانة لمدة طويلة من الزمن، وربما لا يسامحك. كما أنه من السهل جداً على الزوجة أن تكسب زوجها بالكلمة الطيبة، والتصرف الحسن، فيصبح الرجل أسيراً لها، أما إذا لجأت إلى الإهانة، والتجريح، والقسوة، فالنتيجة تكون مفزعة.
  • الزوج اللوام والناقد باستمرار من نوعية الرجال الذين لن تستطع المرأة معه صبراً، لكن إذا كان قد وقع الزواج ورأيتِ هذا السلوك من زوجك فعليك أن تحافظي منذ البداية على مقدار من الاحترام، وعدم التجاوز، ولا تمنحي زوجك الصلاحيات بالإهانة، وتصيّد الأخطاء، وتجاوز الحدود معك.
  • يجب على الزوجة ألّا تكون حساسة بشكل زائد، بخاصة إذا كان الزوج ممن لا يعرفون انتقاء الكلمات والعبارات التي يوجهونها إلى زوجاتهم، فيتفوهون بتعليقات لاذعة وجارحة، لذلك لا تتوقفي عند كل كلمة يقولها زوجك لك. وما المانع أن تأخذ الزوجة الأمر على محمل المزاح، فلا تغضب ولا تثور لكل شيء من أجل صحتها النفسية، ولا تأخذ كل كلمة كأنها موجهة ضد كرامتها.
  • الأفضل للزوج أن يقبل زوجته كما هي بطباعها، ويتقبل فكرة اختلافهما في بعض الطباع والتصرفات، فهذا يجعلهما يكمل أحدهما الآخر، ولا داعي أبداً للإهانة، والتنابز، والتجريح.
  • على الزوجة ألّا تتقبل وقاحات الزوج من البداية، لأن هذا الأسلوب المتدني من المعاملة التي قد تبدأ على شكل دعابة، أو مجرد مزاح، ثم تتحول بعد ذلك إلى أسلوب دائم ومستمر في المعاملة. وهذه المعاملة تكون فرصة للتمادي في المزيد من التدني في الحوار، حتى تصبح مهزلة بمعنى الكلمة، وبعد مرور سنوات من الزواج من هذه التصرفات تبدأ الزوجة بالتذمر من أسلوب الزوج الذي اعتاد هذا المستوى من الألفاظ.
  • بعض الشباب أصبح لديهم قصور في التفكير، فهم لا يتعاملون مع الزواج على أنه رباط مقدّس، أساسه المودة والرحمة التي تتولد عنها المعاملة الحسنة من خلال الحوار والتفاهم، وبالتالي، لا يجد الشباب عيباً في أن يعنف الرجل زوجته، أو ينهرها بعنف أمام الناس، ولكنه لا يعلم أن ذلك إهانة في حقه، وفي حق رجولته، قبل أن تكون إهانة لزوجته، والوضع نفسه بالنسبة إلى المرأة.
  • احترام الزوجة لزوجها لا يقتصر على احترام شخصه، بل يشمل احترام عمله، واحترام والديه، وأقاربه، وأصدقائه وكل من يمت له بصلة، فإن احترام هؤلاء هو احترام غير مباشر للزوج، كما أن أذى هؤلاء يُعد أذى للزوج. وكذلك فإن إهانة الزوج حتى في غيابه مع الأهل والأبناء، يقلل من شأنها أكثر مما يقلل من شأنه، ولتعلم دائماً أن احترامها له يدل على حسن تربيتها، وأخلاقها العالية.

وأخيراً... الحب وحده لا يكفي لاستمرار حياة زوجية متجدّدة، بل إن الحب يضيع فوراً بمجرّد أن يجرح الطرفان بعضهما بعضاً، والاستقرار لا يكون داخل أسرة يهين فيها أحد الطرفين شريك حياته. لذلك، يجب على الزوجين أن يضعا، منذ البداية، أسّساً للتعامل، منها الانسحاب وقت الغضب، وعدم مناقشة الأمور التي تؤدي إلى إهانة أحدهما الآخر، كما يجب عليهما التدرب منذ فترة الخطوبة على كظم الغيظ، وعدم تصعيد المشكلات لتصل إلى هذه المرحلة، وألّا يتعودا على اتهامات التقصير المتبادلة، وإلقاء مسؤوليات كل مشكلة يتعرضان لها على بعضهما بعضاً، كما أن تصيّد الأخطاء يعمل على زيادة الشعور بالفتور العاطفي.

كما أن الحياة الزوجية ليست حرباً يتربص فيها طرف أخطاء شريكه، بل يجب السعي للسعادة الزوجية بشكل مشترك، فلا يوجد زوج كامل، ولا زوجة كاملة، ولكي نهنأ بالسعادة الزوجية يجب أن نتعلم فن التسامح، والتنازل، والتغاضي عن الأخطاء.

اقرأ أيضاً:
- اللّوم المستمر يخنق الحب.. بين زوجة «لوّامة» وزوج «لا يعجبه العجب»
- ما هي علامات شريك الحياة «السام»؟ وكيف تتعامل معه؟