06 مايو 2025

هل تخطبين لنفسك؟.. مبادرة يجيزها الشرع وتصطدم بالأعراف

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

هل يمكن أن تخطب المرأة لنفسها؟ هذا السؤال لا يزال يثير الجدل مجتمعياً، حيث يتأرجح الجواب بين منظومة الشرع والعرف، والواقع المعاصر، وتتباين الآراء بين من يراه حقاً شرعياً لا ينتقص من كرامة المرأة، وبين من يعتبره خروجاً عن المألوف.

في هذا التحقيق، نستعرض وجهات نظر النساء أنفسهنّ، وآراء دينية واجتماعية حول خِطبة المرأة لنفسها، وكيف يمكن للمرأة أن تعبّر عن رغبتها في الزواج بطريقة تحفظ هيبتها، ومكانتها.

مي القمش
مي القمش

«أنا أنثى... والرجل هو من يجب أن يبادر»

بعض الفتيات يعبّرن عن شعورهنّ بالحرج من هذه الخطوة، لأنهنّ نشأن على مفاهيم تضع الرجل في موقع «الصيّاد»، ولا تكون المرأة هي «المبادرة».

ترى مي علي القمش أنّ من الصعب عليها أن تخطب لنفسها «تربّينا على أن نكون الطرف المنتظِر، وأن الشاب هو من يجب أن يسعى ويجتهد للحصول علينا. وحتى لو كنت فتاة منفتحة، لكن تبقى في داخلي هذه الفكرة: الرجل هو من يسعى، هو من يُقدِّم نفسه ويطلب، هو من «يجدّ ويتعب» حتى يحصل على من يريد».

وتضيف «لا أستطيع أن أتصوّر نفسي أتقدم أو أطلب الارتباط برجل، مهما كانت صفاته، أو مكانته. وحتى لو جاء الشخص المناسب، لا أظن أنني سأتخذ الخطوة الأولى، لكونها تتعارض مع إحساسي الداخلي كأنثى».

وتخلص مي إلى أن «العلاقة بين الرجل والمرأة هي سنّة الحياة، لكن ليست الغاية. وبالنسبة لي، هناك أشياء كثيرة أهم، منها الإنجاز، تحقيق الذات، بناء المستقبل. وعندما يحين وقت الارتباط، أؤمن بأن الشخص المناسب سيأتي في وقته، ولن أحتاج إلى البحث عنه، أو طلبه».

مجلة كل الأسرة

«لا أمانع أن أخطب لنفسي في حالة واحدة»

أخريات يرين أن مبادرة المرأة بطلب الزواج ليست عيباً، ولا تنتقص من أنوثتها. مرام كامل، شابة تعمل في مجال تطوير الأعمال وناشطة في خدمة المجتمع وتمكين الشباب، تلفت إلى أنّ خطبة المرأة لنفسها كان من «المواضيع المسكوت عنها سابقاً»، ولكن اليوم، ونحن في عام 2025، بات الأمر أكثر انفتاحاً، وباتت المرأة تخطب، وتبادر، أو تحاول تعزيز فكرة الزواج والارتباط لدى الرجل.

توضح «أرى أن العالم يتجه نحو تكسير المعتقدات غير الحقيقية، وهناك شريحة كبيرة من الشابات والشباب باتوا يفكرون بطريقة مختلفة، ولو عدنا عشر سنوات إلى الوراء سنلاحظ كيف تغيّرت المعتقدات فعلاً. بات الزواج اليوم يُنظر إليه كاتفاق بين شخصين، ومن المهم أن يبادر أحد الطرفين لعقد هذا الاتفاق، وقد تكون المرأة أكثر ديناميكية وحيوية، كما أنّ عقلية الرجل بدأت تتخذ مساراً أكثر انفتاحاً، وقد يتقبّل أن تتقدم له امرأة».

ونسأل مرام «هل تبادرين شخصياً وتخطبين لنفسك»؟ تردّ بابتسامة «على صعيدي الشخصي، لا أمانع أن أتقدم، أو أخطب لنفسي، لكن في حالة واحدة فقط، إذا شعرت بأن هذا الشخص هو فعلاً المناسب لي. وحتى الآن، لم أصادف هذا الشخص».

مجلة كل الأسرة

خطبة المرأة لنفسها قد تعرّضها للحرج والإساءة

يشدّد البعض على أهمية التوازن بين الأعراف المجتمعية والحفاظ على كرامة المرأة. وتعتبر عفراء الحاي، مديرة إدارة الاستشارات والتدريب في جمعية النهضة النسائية، خطبة المرأة لنفسها «من أكثر القضايا جدلاً في مجتمعاتنا الخليجية، رغم أنه، شرعاً، لا غبار عليه، إلا أن المجتمع لا يتقبّل الأمر بسهولة».

توضح «شرعاً، لا يوجد ما يمنع أن تعرض الفتاة نفسها على من تراه مناسباً، بل حدث ذلك في سيرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، عندما رغبت السيدة خديجة، رضي الله عنها، في الزواج منه، بعد أن أثنى غلامها على أخلاقه، فأرسلت من يلمّح له برغبتها. بيد أنّ المجتمع لا يتقبل أن تقول الفتاة صراحة (أنا أخطبك)، وقد تكون هناك وسائل أخرى تحمل المعنى نفسه بأسلوب مختلف، لإيصال الرسالة بطريقتها الخاصة، لكن من دون تصريح مباشر. فربما يكون زميل عمل، أو جاراً، أو من ضمن محيط الأصدقاء والعائلة، فتبدي اهتمامها بطريقة راقية لعلّ الطرف الآخر يلاحظها، ويتجاوب، وهذا نوع من المبادرة غير المباشرة التي يمكن أن تكون مقبولة».

ولكن تحذّر عفراء الحاي من تبعات هذه المبادرة على الفتاة، مشيرة إلى أن حياءها وحشمتها تمنعانها، أحياناً، من الإقدام على هذا الفعل، خصوصاً في حال كانت ردّة فعل الطرف الآخر سلبية، أو جارحة، ما يؤثر على سمعتها في مجتمع محافظ، مثل مجتمعنا الخليجي، بحيث يعتبرها الشاب نوعاً من «قلة الأدب».

من «الخطّابة» إلى المنصات الرسمية

تستعيد عفراء الدور الاجتماعي والحيوي للـ«الخطّابة» سابقاً، وتؤكد «كنا نعيش في فرجان صغيرة، وفي كل فريج كانت هناك سيدة، أو سيدتان، يقمن بدور الوسيط بشكل لبِق، ومحترم. لم تكن الفتاة تعرض نفسها مباشرة، بل تتولى الخطّابة هذه المهمة، من دون إحراج أهل الفتاة».

ومع اختلاف الواقع الراهن، تشيد الحاي بجهود الدولة «قيادتنا لم تقصر، وعام 2024 كان عاماً ذهبياً بالنسبة إلى الأعراس الجماعية  ودعم زواج المواطنين ويستكمل هذا المسار مع "عام المجتمع"، لكننا بحاجة إلى مؤسسات، أو منصات موثوقة، تُعنى بتوفيق «العوائل»، وليس«الشباب»، بشكل مدروس ومحترم، بحيث يتم الأمر بطريقة تحفظ للفتاة كرامتها وحياءها، وتجنّبها أيّ موقف محرج، وعلى الأهل أن يكون لهم دور، وكذلك الأصدقاء».

«من حق المرأة أن تخطب لنفسها والشرع لا يمنع»

يتناول الدكتور إسماعيل كاظم العيساوي، أستاذ فقه مقارن، الجانب الشرعي من قضية خطبة المرأة لنفسها، لافتاً إلى أنّ الإسلام دعا إلى الزواج، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج).

يشرح «لربما يُفهم من الحديث أن الخطاب موجه للشباب فقط، ولكن هذا لا يعني أن الفتاة ليس لها دور في المبادرة. فقد جرت العادات والأعراف أن الولد هو الذي يخطب، هو أو أهله أو أسرته، ولكن هل هذا العرف السائد هو عرف إسلامي؟ الجواب: لا، والدليل على ذلك أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعرضت نفسها عليه، وكانت بنت أنس، رضي الله عنه، حاضرة، فقالت: ما أقلّ حياءها، كيف تعرض نفسها على رسول الله؟ لكنّ أنس، رضي الله عنه، ردّ على ابنته قائلاً:هي خير منك، رغبت في رسول الله صلى الله عليه وسلم».

ويوضح د.العيساوي «وفي هذه الحالة، لم ينكر الرسول، صلى الله عليه وسلم، على المرأة، ولا الصحابة أنكروا عليها، بل ربما لم تكن له فيها حاجة. وفي قواعد الشريعة، أن السكوت إقرار، وأن الإقرار أحد مصادر السنة النبوية، وهو إما قول، وإما فعل، وإما إقرار. فسكوت النبي وعدم اعتراضه على المرأة التي عرضت نفسها عليه هو إقرار، وبذلك يكون سنّة».

ويتوقف د. العيساوي عند سيدنا عمر، رضي الله عنه، حين ترمّلت ابنته حفصة، إذ عرضها على عثمان، رضي الله عنه، فرفض، ثم عرضها على أبي بكر، فسكت، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو رجعنا إلى ابنتَي شعيب حين قالت إحداهما: (يا أبتِ استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين)، حيث يقول علماء أصول الفقه إنها (أي ابنة شعيب) أشارت إيماءً إلى أنها رأت في الرجل صفات تستحق أن يكون أجيراً، حيث بادر والدها مباشرة: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج)، وهذا نص قرآني».

لا تضعوا العقبات لأن هذه الزيجات قد تكون باباً لحياة مستقرّة وسليمة


ويؤكد د. العيساوي «من خلال هذه النصوص، فإنّ الأمر جائز، ولكن اشترط أن يكون من عرضت نفسها عليه ذا دين وخلق، وليس تأثراً بالحضارة الغربية في ما يتعلق بالقضايا المادية، أو المنصب، أو الجاه، واستناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته وخلقه فزوجوه)».

ويورد العيساوي موقف إحدى الطالبات الجامعيات لزميل لها في الجامعة، إذ بادرت إلى القول إنها ترفض أيّ علاقة خارج الإطار الشرعي، وأبدت رغبتها في الارتباط به، في حال كان غير مرتبط، وهذه حادثة حقيقية حدثت في جامعة بالعراق، مع أحد الأقارب، حيث تقدّمت فتاة بهذه الطريقة، وكان الشاب ملتزماً، وهي أيضاً من أسرة محترمة، وتمت الخطبة والزواج.

من هنا، يشدّد د.العيساوي على أنّ «الأعراف يجب ألا تكون فوق الشريعة»، موجهاً النصيحة للأهالي «الوقت الذي نعيشه خطر، وإن لم تستجيبوا للطريق الشرعي، فإن ابنتكم ربما تسلك طريقاً غير شرعي. فإذا رأيتم الرغبة عند الفتاة، فعليكم أن تبادروا إلى السؤال عن الشاب، ولا تضعوا العقبات، لأن هذه الزيجات قد تكون باباً لحياة مستقرّة، وسليمة».

مجلة كل الأسرة

كيف تخطب المرأة لنفسها وتحفظ هيبتها ومكانتها؟

كيف يمكن للمرأة التعبير عن رغبتها في الزواج، أو إعجابها بشخص ما، بطريقة راقية وواضحة، من دون أن يُساء فهمها؟ تؤكد بلقيس فوزي، كوتش التواصل الفعال، أنّ «الأساس هو النية الصادقة، والتعبير الذكي. وفي زمننا الحالي، يمكن للمرأة التعبير عن رغبتها في الزواج، أو إعجابها بطرق مختلفة، وبوعي وإدراك».

وتستعرض فوزي هذه الطرق عبر:

  • استخدام المرأة لغة غير مباشرة لكن مقصودة، كطرح مواضيع مرتبطة بالزواج، أو الاهتمام المشترك بطريقة تجعل الطرف الآخر يفكر في الموضوع.
  • اختيار الوقت والسياق المناسبين، المرأة إن أرادت التصريح يمكنها استخدام أسلوب يربط بين الاحترام والثقة بالنفس، مثل: «أنا أؤمن بالعلاقات الناضجة، ووجدت فيك صفات أقدّرها كثيراً» وغيره.
  • التعبير من خلال وسيط أكبر سناً وقدراً، مثل الأب، أو الأم، أو الأخ، أو غيرهم.

ولكن كيف تتعامل الفتاة مع الرفض من دون أن يؤثر ذلك في ثقتها بنفسها، أو صورتها الاجتماعية؟ تورد الكوتش فوزي طرقاً إيجابية للتعامل مع الموضوع:

  • الرفض لا يعني الفشل، بل يعني فقط أن التوقيت أو التوافق لم يكن موجوداً.
  • فصل الذات عن النتيجة، بمعنى الشعور بالرفض لا يعني أنك «أقل»، بل يعني فقط أن الآخر غير جاهز أو لا يبادلك الشعور.
  • الحديث إلى ذاتنا يجب أن يتسم بالإيجابية: من الهام أن تُذكّر المرأة نفسها بقيمتها، وأن المبادرة ليست عيباً، بل شجاعة.
  • اعتبار التجربة درساً: موقف يضيف نضجاً وخبرة، ولا ينتقص من صورتها.

خطبة المرأة لنفسها لا تنتقص من أنوثة المرأة ولا من حيائها

وتؤكد فوزي  أن «المشكلة لا تكمن في الفعل ذاته، بل في الصورة الذهنية التي كوّنها المجتمع حول المرأة، ودورها، حيث إن الكثير من القيود التي تُفرض تحت مظلة «العيب» لا تستند إلى دين، ولا حتى إلى عرف راسخ، بل هي تراكمات اجتماعية تحتاج إلى مراجعة، وهي قيود تُكبّل المرأة، وتمنعها من التعبير عن رغباتها، الطبيعية والمشروعة، بخاصة في ما يتعلّق بالزواج».

مجلة كل الأسرة

كيف تبادر فتاة بالتعبير عن نيتها الزواج بطريقة تليق بها وتحمي مشاعرها؟

وفي جلسات الكوتشنج المتعلقة باتخاذ قرار الزواج، تحرص فوزي  على تمكين المتعاملات من الوصول إلى القرار بأنفسهنّ، بشكل واعٍ ومتزن، وبعيدًا عن أي معتقدات مُعيقة أو ضغوط اجتماعية، تقول: «أركّز على مجموعة أدوات محورية نعمل على تطويرها خلال الجلسات، لأنها تُشكل الأساس في اتخاذ قرار نابع من الداخل، وليس مبنياً على توقعات الآخرين وهي:

أولاً: الذكاء العاطفي (EQ)، لفهم مشاعرها أولًا، وقراءة الطرف الآخر.
ثانياً: مهارة التعبير الواضح والمحترم، تقول ما تريد دون ضغط أو تلميح مبالغ فيه.
ثالثاً: الوعي الذاتي والثقة بالنفس، كلما زاد وعيها بذاتها استطاعت التعبير دون خوف من النتيجة.
رابعاً: مهارات التواصل غير اللفظي، فهي توصل الكثير دون الحاجة إلى قول كل شيء.
خامساً: الاستعداد الداخلي للنتائج، أن تتقبّل كل الاحتمالات دون أن تهتز قيمتها الذاتية».

وتوجز فوزي: «في زمننا الحالي, المبادرة في خطوة الزواج أو التعبير عن الإعجاب لا تنقص من قدر المرأة بل تدل على نضجها ولكن شرط أن تكون مبنية على وعي واتصال راقٍ وإدراك ذاتي متوازن. لقد آن الأوان أن نعيد صياغة التصورات الاجتماعية، وأن ندرك أن المبادرة لا تنتقص من أنوثة المرأة ولا من حيائها، بل على العكس، تعكس وعيها بذاتها ونضجها وثقتها. المبادرة عندما تكون راقية ومدروسة، فهي ليست خروجًا عن الأدب، بل تجسيدًا للفهم الحقيقي لمعنى النضج العاطفي والاجتماعي».