لا تزال مناشدات ونصائح ودعوات الخبراء والأكاديميين والأطباء، تتزايد بشأن اتخاذ إجراءات لمنع أنماط الحياة غير الصحية من التغلغل بين طرق إطعام وتغذية الرضّع، والأطفال الصغار، مع وصول سمنة الأطفال إلى مستويات مقلقة.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن مسار الطفل يتحدّد في وقت مبكر من الحياة، وأن أول 1000 يوم - فترة الحمل وحتى عيد ميلاد الطفل الثاني - «حاسمة للنمو والصحة طوال دورة الحياة».
ويؤكدون، وهذا أمر هام للغاية، أن هذا المسار «يبدو من الصعب تغييره بعد سِن الخامسة تقريباً»، وفقاً لتقرير صادر عن الأكاديمية البريطانية للعلوم الطبية، والأكاديمية الوطنية الإيطالية للعلوم.
وأضافوا «يجب أن يكون الهدف العام هو إنشاء مسار صحي لوزن الجسم، والحفاظ عليه، ما يؤدي إلى تجنب الزيادة المفرطة في وقت مبكر من الحياة».
ويمكن أن تشمل التدخلات المبكرة خلال هذه الفترة:
تشجيع الرضاعة الطبيعية، التي ترتبط بانخفاض خطر الإصابة بالسمنة لدى الأطفال، وتجنب «النمو التعويضي السريع» لدى الأطفال منخفضي الوزن عند الولادة.
في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يعاني 1.3 مليون طفل من السمنة، و2.3 مليون آخرين يعانون زيادة الوزن، وفقاً لمؤلفي هذا التقرير.
ويسلّط المؤلفون الضوء على آلية التدخلات الفردية، مثل النظام الغذائي، أو النشاط البدني، في بيئات فردية، وكيف أنها نادراً ما تجدي نفعاً، من دون مراعاة العوامل الأوسع التي قد تسهم في سمنة الأطفال.
ويشير التقرير إلى أن تصوير السمنة على أنها «عيب في الشخصية» يؤدي إلى الوصم، ما قد يكون له نتائج عكسية، وقد يزيد من خطر اتّباع نظام غذائي ونمط حياة غير صحيّين. ولكن الرسائل الإيجابية حول فوائد الحفاظ على وزن صحي قد تكون أكثر فعالية.
ويبيّن التقرير أيضاً أن «سمنة الأطفال أصبحت تحدّياً صحياً عاماً ملحّاً، يؤثر في حياة الناس اليوم، ويخزّن مشكلات للمستقبل».
وفقاً لأحدث أرقام البرنامج الوطني لقياس الطفولة في بريطانيا، يعاني طفل من كل عشرة أطفال (9.6%) في إنجلترا، السمنة عند بدء دراستهم، بينما تعاني نسبة 22.1% من الأطفال في سن العاشرة والحادية عشرة في الصف السادس، من السمنة.
وتشير الأرقام إلى أن السمنة أعلى لدى الأولاد منها لدى البنات، وأن سكان الأحياء الفقيرة أكثر عرضة للإصابة بها، مقارنة بسكان الأحياء الأكثر ثراء.
كما يسلط مؤلفو التقرير الجديد الضوء على أن مستويات السمنة في المناطق المحرومة تؤدي إلى «حلقة مفرغة»؛ إذ ترتبط السمنة بانخفاض فرص العمل، ما يمثل بدوره عامل خطر لزيادة الوزن.
يأتي التقرير الجديد في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة البريطانية لإطلاق خطتها العشرية للصحة، والتي تركز على الوقاية من الأمراض في المقام الأول.
وبموجب المقترحات الجديدة الواردة في الخطة، يمكن حث تجار التجزئة على تحديد أهداف لزيادة مبيعاتهم من المنتجات الأقل تسبباً بالسمنة.
لكن مؤلفي التقرير الجديد أكدوا ضرورة وجود تنظيم صارم لصناعة الأغذية، بدلاً من الاعتماد على الاتفاقيات الطوعية، مع وجود أدلة تدعم فرض ضرائب على المنتجات غير الصحية، واحتمال تقديم إعانات مالية للخيارات الصحية.
وفي هذا الشأن، صرحت البروفيسورة سوزان أوزان، الرئيسة المشاركة للتقرير، قائلة: «تمثل الألف يوم الأولى، بما في ذلك فترة الحمل، فرصة سانحة لوضع الأطفال على مسار صحي مدى الحياة»، وأضافت: «بمجرّد أن تترسخ السمنة، يصبح من الصعب عكس مسارها. لا يتعلق الأمر بالإرادة الفردية، أو اللوم والتشهير، بل بتهيئة بيئة للآباء وأطفالهم، ومقدمي الرعاية، تدعم النمو الصحي منذ البداية».
كما أوضحت البروفيسورة روزاليند سميث، نائبة الرئيس السريري في أكاديمية العلوم الطبية: «عندما نعالج التفاوت الصحي في السنوات الأولى، فإننا لا نحسن النتائج الفردية فحسب، بل نبني أسس مجتمع أكثر صحة وإنتاجية. وتؤكد الأدلة أن الوقاية التي تتطلب نهجاً متعدد القطاعات، يجب أن يتم تنسيقها بين جميع الدوائر الحكومية».
وقال متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في بريطانيا: «التغذية الجيدة ضرورية لمنح الأطفال أفضل بداية في الحياة، وقد وضعت هذه الحكومة هدفاً طموحاً لتربية جيل من الأطفال يتمتع بصحة أفضل على الإطلاق».
وفي إطار الخطة الصحية العشرية التي يتحدثون عنها في بريطانيا، سيُسهّل تجار التجزئة ومصنعو الأغذية الخيارات الصحية، في شراكة هي الأولى من نوعها عالمياً، بين الحكومة وقطاع الصناعة، بهدف مكافحة وباء السمنة، وتخفيف الضغط على هيئة الخدمات الصحية الوطنية هناك.
كما تم وضع خطط لمعالجة اتساع فجوة التفاوت الصحي من خلال إصلاحات جذرية في النظام الصحي البريطاني، ووضع حد لتوزيع الرعاية الصحية على المناطق، وخصصوا 57 مليون جنيه استرليني إضافية لخدمات «ابدأ من أجل الحياة»، لمساعدة الأمهات الحوامل والجدد على رعاية أطفالهن.
اقرأ أيضاً: عادات غذائية تقي طفلك من السمنة