17 يوليو 2025

أين يوجد مفتاح الوسواس القهري؟ هل مازال في صندوق الدماغ؟ العلماء يبحثون ويجيبون

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تخرج من البيت ثم تعود أدراجك لتتأكد أنك أقفلت الباب بالمفتاح، أم لا؟ تغسل يديك عشرات المرات في مدة قصيرة خشية الإصابة بالأمراض؟ تستعد للصلاة فتكرّر الوضوء عدّة مرات؟ تحاول ألا تلمس مقابض الأبواب من دون عازل؟ تتجنب مصافحة الآخرين؟ تهرب من الأماكن المكتظة خوفاً من انتقال العدوى إذا سعل أحدهم، أو عطس؟ ترتب أشياءك وفق نظام دقيق وتتفقدها باستمرار؟.. أنت حتماً مصاب بمرض الوسواس القهري، وهو اضطراب ذهني شائع يصيب ما بين 2 و3% من سكان العالم، أي ما يقارب 200 مليون شخص.

مجلة كل الأسرة

الدماغ ليس مسؤولاً

على مدى عقود، والعلماء يبحثون عن مصدر الوسواس القهري في الدماغ، لكن دراسة حديثة بينت أن هناك أماكن أخرى في الجسم مسؤولة عن هذا الاضطراب الذهني المعقد. فقد أعادت دراسة صينية حديثة نشرت في مجلة «Journal of Affective Disorders» طرح فكرة راسخة في الأذهان منذ عقود؛ وهي أن الدماغ هو المسؤول عن الوسواس القهري.

الدراسة لها علاقة بالجينات، وتربط ما بين بكتيريا الأمعاء والإصابة بالوسواس القهري. ففي جامعة «شونغ كينغ» الطبية، ركّز باحثون على البكتيريا المعوية، التي تشكل عالماً مكوّناً من مليارات الكائنات الدقيقة في القناة الهضمية. وكي يؤكد الباحثون هذه الرابطة بين الأمعاء والوسواس القهري، استخدموا طريقة التوزيع العشوائي المندلي الذي يعتمد على علاقة السبب بالنتيجة بين الجينات، وبعض الأمراض.

قام الباحثون بتحليل مجموعتين من المعطيات: الأولى أجريت على 18340 شخصاً، للتعرف إلى مكوّنات البكتيريا في أمعائهم، والثانية أجريت على 199169 شخصاً لدراسة العوامل الوراثية المرتبطة لديهم بالوسواس القهري.

وبناء على ذلك، تمكّن الباحثون من مقارنة النتائج والوصول إلى العلاقة بين بعض أنواع البكتيريا المعوية وخطر التعرّض لمرض الوسواس القهري. وقد تمكنوا من التعرف إلى 6 أنواع من البكتيريا المعوية، ثلاثة منها يمكن أن تلعب دوراً وقائياً، وثلاثة يمكن أن تزيد من احتمال الإصابة بالمرض.

مجلة كل الأسرة

أمل جديد لفهم آلية الوسواس القهري

ماذا يمكن أن تغيّر هذه الدراسة في مفهوم الوسواس القهري ووسائل علاجه؟ الدراسة الصينية لا تبيّن العلاقة بين البكتيريا المعوية والصحة العقلية فحسب، إنما تبين أيضاً أن بعض أنواع البكتيريا يمكن أن تلعب دوراً مباشراً في ظهور أعراض الوسواس القهري ضمن محور الأمعاء – الدماغ، حيث الاتصال مباشر بين الجهاز الهضمي والدماغ.

الوسواس القهري وأمراض أخرى

في الواقع، سبق أن لاحظ العلماء العلاقة بين الأمعاء والدماغ في اضطرابات عقلية أخرى، ففي عام 2019، أظهرت دراسة نشرت في مجلة «Nature Microbiology» وجود نوعين من البكتيريا (كوكوبروكس وديالستيريا)، في أمعاء أشخاص مصابين بالاكتئاب.

من ناحية أخرى، كشفت دراسة نشرت في مجلة «Cell» أن فئران التجارب التي تلقت بكتيريا معوية من أشخاص مصابين بالتوحد أظهرت سلوكاً مشابهاً لسلوكهم.

ويقول الباحثون في جامعة «شونغ كينغ للطب» في دراستهم: «نسلط الضوء في تحليلاتنا على علاقة أنواع محدّدة من البكتيريا المعوية بالتسبب بمرض الوسواس القهري، وهذا يتيح لنا الوصول إلى استراتيجيات تدخّل محتملة في الوقاية من المرض وعلاجه.»

هل يمكن أن نتخيّل، والحال كذلك، أننا في يوم من الأيام سوف نعالج أعراض أمراض معيّنة بالتأثير في البكتيريا المعوية؟ سواء بواسطة البروبيوتيك، أو غذاء مدروس، أو أيّ تدخلات أخرى؟

ما زال العلم يتكهن ولا شيء ملموس حتى الآن، ولكن الدراسة الصينية قد تفتح آفاقاً جديدة أمام العلم في سبيل معالجة المصابين بالوسواس القهري، من دون التركيز على الدماغ وحده.