كلا، هذا ليس عنوان كتاب على رأس قائمة المبيعات، بل يطرح نتائج دراسات جدّية في عدد من الجامعات حول تأثير السكّر في الطباع، وفي الدماغ.
ففي جامعة برلين، وجامعة كينغستون في كندا، وجامعة غتيسبرغ في بنسلفانيا بالولايات المتحدة، اكتشف علماء نفس أن الأشخاص الأكثر لطفاً، ودماثة، وتعاوناً، ودفئاً، ونزاهة، يفضلون بشكل واضح الأطباق الحلوة، ومختلف الحلويات، والمثلجات، والسكّريات.
وقد أجرت هذه الجامعات اختبارات نفسية حول درجة اللطف في شخصية أكثر من 1600 شخص، من أربع ثقافات مختلفة (ألمانيا، الصين، المكسيك والولايات المتحدة)، من أجل التوصل إلى هذه النتيجة. ودرجة اللطف هي سِمة تجمع الصفات الخمس المذكورة آنفاً، وتشكّل واحدة من خمسة أبعاد أساسية في الطباع، وهي الأبعاد المقبولة اليوم في علم النفس.
ويمكن تفسير الرابط المشترك لهذه الشخصية مع حب السكّر، لأننا نتصرف عموماً بطريقة منسجمة مع طبعنا. فالشخص الذي يرى نفسه لطيفاً ودمثاً يميل إلى تفضيل ما هو لطيف، وحلو. ويُوصف بالطريقة ذاتها الشخص المزعج على أنه مرّ المعاملة. قد لا يكون التفسير علمياً للغاية. ويجدر القول أن قوة الترابط ذاتها ليست عالية، ما يعني أن الشخص الذي لا يحب الحلوى ليس، بالضرورة، شخصاً مزعجاً.
لكن، في مقابل ارتباط الحلوى باللطف، ثمّة دراسات تربط السكّر بمشكلات جديدة. فقد بيّن الباحثون من جامعة بوسطن أن الاستهلاك المنتظم للمشروبات الحلوة، يزيد كما هو معروف، من خطر الإصابة بالنوبة الدماغية، ويؤدي، إضافة إلى هذا، إلى تقلّص حجم الحصين في الدماغ، وهي منطقة أساسية في مجالي التعلّم والذاكرة. كما أن أولئك الذين يشربون العصائر، أو المشروبات الغازية، من بين الـ4000 مشارك في الدراسة، سجلوا نتائج سيئة في اختبارات الذاكرة.
هذا ليس كل شيء، فلدى الأشخاص الذين يحملون خطراً وراثياً للإصابة بمرض الزهايمر، تزداد لديهم إمكانية الإصابة به حتماً، إذا ما استهلكوا السكر يومياً، عند وجبة العصر.. وهكذا يبدو أن الإفراط في السكّر يترافق مع سلسلة من الآثار السلبية في وظائف الدماغ. لكن كيف يمكن أن يكون هذا بالفعل، بخاصة حينما نعلم أن الغلوكوز هو الطعام الذي لا بدّ منه لحسن عمل الدماغ، وأن عصبوناتنا تحتاج إلى أكثر من 20% من الغلوكوز الذي يعطينا إيّاه السكّر، والفواكه كل يوم، في حين أنها لا تمثل سوى 2% من كتلتنا الجسدية؟
صدرت أخيراً، دراسة في مجلة «نايتشور»، تلقي الضوء على هذه الظاهرة، على مستوى وظائف خلايا الدماغ. وكشفت هذه التجارب التي أجريت على الفئران، أن زيادة في الغلوكوز تعيق إنتاج عصبونات جديدة. ففي الأوقات العادية، ينتج الدماغ باستمرار عصبونات جديدة، انطلاقاً من خلايا جذعية من نوع معيّن تسمى «خلايا جذعية عصبونية»، ولكن مع التقدم في السّن، تتضاءل ولادة الخلايا الجديدة، ما يسهم في مشكلات الذاكرة، ونشوء أمراض كمرض الزهايمر، وباركنسون.
وقد سعى باحثون أمريكيون من جامعة ستانفورد، إلى فهم تباطؤ تجدّد الخلايا مع تقدم السّن. في البداية بحثوا عن الجينات التي يمكن أن تؤثر في هذا التجدّد، وجمّدوا نشاط مئات الجينات في الخلايا الجذعية لدى فئران مسنّة. وكانت المفاجأة أنهم حينما كانوا يجمّدون نشاط جينة تدعى «غلوتي4»، كانت الخلايا الجذعية تأخذ بإنتاج ضعفي العصبونات التي تنتجها عادة. ومعروف عن الجينة المذكورة أنها تسمح للغلوكوز بأن يدخل الخلايا، وقد لاحظ الباحثون أنه بقدر ما تشيخ هذه الخلايا تزداد هذه الجينة نشاطاً، وتمكن الغلوكوز من الدخول بكمية أكبر.
لذا، بانتظار حل جذري يقضي بتجميد نشاط الجينة «غلوتي4» عند الإنسان، يمكن اللجوء إلى الصوم المؤقت عن الغلوكوز، لأن الباحثين في خلال تجاربهم قد أثبتوا أنه عند حجب الغلوكوز لمدة 48 ساعة عن الخلايا الجذعية المزروعة، بدأت بالانقسام والتجدّد، وتوليد عصبونات جديدة. يبقى التأكد من هذه النتائج لدى البشر، ولكن بانتظار ذلك لا شيء يمنعكم من تخفيف استهلاك السكّر منذ الآن، فأنتم بهذا تقلّصون خطر الإصابة بأمراض القلب، والشرايين، والسّمنة، أو السكري، وقد تساعدكم هذه العادة فيما بعد، على الحصول على مخزون جيد من العصبونات التي تفيدكم لتجنب الإصابة بالتدهور الذهني.