لم يتوقف شغفها عند رغبتها في العمل ضمن فريق زراعة الكبد في جامعة كنجز كوليدج لندن الأولى على مستوى العالم في استخدام العلاج بالخلايا الجذعية بل راحت إلى أبعد من ذلك بإعلان رغبتها في تأسيس أول مركز للعلاج بالخلايا الجذعية وإنشاء بنوك حيوية للاحتفاظ بها وتأسيس قاعدة بيانات للراغبين بالتبرع بها.
هي الدكتورة شيخة المزروعي التي في حوارنا معها كشفت لنا أهمية استخدام الخلايا الجذعية في علاج أمراض مستعصية ومزمنة وإنهاء معاناة الكثير من الأشخاص على طوابير الانتظار:
نبدأ من الحصول على الدكتوراه والتخصص في مجال زراعة الكبد بتقنية المايكروبيدز، ما الذي قادك لهذا التخصص؟
اخترت دراسة هذا التخصص لأنه حديث وغير متوفر في دولة الإمارات، وزادت معرفتي بافتتاح والدنا المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، قسماً لأبحاث زراعة الكبد في جامعة كنجز كوليدج عام 1979، من رغبتي بالالتحاق بفريق البحث الذي يعمل في هذا المجال، حيث تعتبر جامعة كنجز كوليدج لندن الأولى على مستوى العالم في تطبيق هذا العلاج، وزادني شرفاً أن أكون أول إماراتية تعمل مع فريق الزراعة حيث أتيحت لي الفرصة لحضور عمليات زراعة الكبد والتعلم من فريق الزراعة الخاص بها.
نأمل أن يكون العلاج بالخلايا الجذعية حلاً للعديد من الأمراض المستعصية التي عجزت عن علاجها وسائل الطب المختلفة
بالحديث عن مجال زراعة الكبد بتقنية المايكروبيدز، ما هي الحلول التي تقدمها هذه التقنية ومن هي الفئة الأكثر استفادة منها؟
تعتبر هذه التقنية الأحدث في العالم حيث تم تطبيقها سريرياً على العديد من الأطفال المصابين بمرض الفشل الكبدي بعد تعذر الحصول على متبرعين مطابقين، حيث يتم تغليف خلايا الكبد من الأشخاص المتبرعين مع خلايا جذعية من الحبل السري بمادة جيلاتينية شفافة تسمى (alginate ) يتم تكويرها بجهاز خاص وحقنها في التجويف البطني لدى الأطفال المصابين بالفشل الكبدي. وما يميز هذا النوع من العلاج هو سهولة الإجراء واختصار العديد من الإجراءات الطبية المعقدة وعدم الحاجة لوجود متبرع مطابق للمريض.
ما هي مصادر الخلايا الجذعية، وما هي العوامل التي يتوقف عليها نجاح العلاج بها؟
يعتبر العلاج بالخلايا الجذعية المجال الجديد في الطب، حيث يأمل الأطباء أن يكون العلاج بالخلايا الجذعية حلاً للعديد من الأمراض المستعصية التي عجزت عن علاجها وسائل الطب المختلفة، لما لها من قدرة على التجدد وإنتاج خلايا جديدة متمايزة وتنوع مصادرها، حيث يمكن الحصول عليها من الأجنة أو دم ونسيج الحبل السري، الشحوم، نخاع العظم الذي يتميز باحتوائه على الخلايا البادئة لخلايا الدم والجهاز المناعي، الخلايا الجذعية المستحثة (IPS).
د. شيخة المزروعي تشارك زملائها المبتعثين العمل في المختبر
ترأسين مجوعة الإمارات للخلايا الجذعية، هل لك أن تطلين بنا على أهم مهامك؟
نهدف من خلال هذه المجموعة على توعية المجتمع بأهمية وحقيقة العلاج بالخلايا الجذعية من خلال عقد الندوات والمؤتمرات العلمية ودعم الأبحاث المتعلقة بالخلايا الجذعية في الدولة، كما نسعى للتوعية بأهمية الاحتفاظ بدم ونسيج الحبل السري عند الولادة لكونه مصدراً غنياً بالخلايا الجذعية.
تعتبر الخلايا الجذعية علاجاً ثورياً وخريطة الطريق في مجال الطب وعلاج الأمراض المستعصية، ما هي أهم الأمراض التي تعالجها، ومدى فاعليتها مع مختلف الأمراض؟
تم إثبات العلاج بالخلايا الجذعية كعلاج جذري للعديد من الأمراض خاصة أمراض الدم وسرطانات الدم. كما يتم الآن تجريبها في التجارب السريرية على العديد من الأمراض منها أمراض القلب والسكري والتوحد والتصلب اللويحي وإصابات الحبل الشوكي وغيرها من الأمراض التي نأمل أن يكون العلاج بها علاجاً جذرياً ومفيداً.
الإمارات كانت من أوائل الدول التي التزمت بتطبيق العلاج بالخلايا الجذعية على مرضى «كورونا»
لا يخفى اهتمام ودعم دولة الإمارات لكل ما له صلة بالمجال الطبي والعلاجي، ما هي الخطوات والأدوات التي تستلزم تفعيل استخدام هذه التقنية في الدولة؟
تسعى دولتنا الحبيبة لأن تكون دائماً سباقة للتميز في مختلف المجالات، ونفخر بأنها كانت من أوائل الدول التي التزمت بتطبيق العلاج بالخلايا الجذعية على مرضى «كورونا»، كما أن بذل مختلف القطاعات الصحية والبحثية جهودها في تطبيقه لعلاج العديد من الأمراض المزمنة والمستعصية التي عجز الطب الحديث عن إيجاد الحلول الجذرية لها، ووضع التشريعات للبدء بالتجارب السريرية له في الدولة، وإدخاله كتخصص جامعي يستدعي السرعة لضمان مواكبة التطورات العالمية المتسارعة في هذا المجال، فهو يتطلب تجهيز مختبرات طبية ووحدات سريرية لتجهيز الخلايا وتأهيل الموظفين والأخصائيين لتطبيقه والتوعية والتثقيف بأهمية العلاج به وإنشاء قاعدة بيانات للمتبرعين به، كما أن إنشاء بنوك حيوية لحفظها للاستفادة منها مستقبلاً يعتبر جزءاً مهماً جداً لضمان استمرارية العلاج والاستفادة منها بشكل أكبر.
د. شيخة المزروعي خلال مشاركتها في إحدى الحملات التطوعية
كيف ترون مستقبل البحث العلمي في الإمارات والعالم العربي، وكيف لنا أن نصل إلى مستوى الدول المتقدمة في مجال الجينات والأحياء الخلوية؟
تولي دولة الإمارات موضوع العلاج بالخلايا الجذعية والتقنيات الحيوية اهتماماً كبيراً وتسعى لأن تكون رائدة في هذا المجال، فهناك العديد من المؤسسات العلمية والمراكز البحثية المهتمة بتطبيقها وتوظيف أحدث التقنيات الخاصة بها منها على سبيل المثال مركز أبوظبي للخلايا الجذعية ومركز الجينوم في جامعة الإمارات ومركز التقنيات الحيوية في جامعة خليفة وغيرها من المراكز والفرق البحثية في مختلف جامعات الدولة.
كشفت أزمة «كوفيد-19» قدرة الإمارات في التعاطي مع الأزمات، وأحد أبرز الأمثلة النجاح في استخدام الخلايا الجذعية لعلاج المرضى، هل لك أن توضحين لنا آلية استخدام هذه التقنية؟
تم استخدام الخلايا الجذعية كعلاج للمرضى المصابين بفيروس «كورونا» حيث كشفت قدرتها على إعادة تجديد خلايا الرئة التي أتلفها الفيروس، ودعمها وتحفيزها الجهاز المناعي لمقاومة المرض وبالتالي إثبات كفائتها على الحد من تأثير الالتهاب وتسريع عملية التعافي لدى المرضى. وهذا بالفعل ما تم تطبيقه في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، حيث قام الفريق المختص باستخلاص الخلايا الجذعية من دم الأشخاص المصابين بالفيروس ليتم معالجتها وتحفيزها في المختبر وتجهيزها لإعادتها إلى المريض نفسه عن طريق استنشاق الرذاذ وبالتالي ضمان وصولها للرئة. كما يتم استخدام علاج آخر يعتمد على استخلاص الخلايا التائية المناعية من الشخص وتعريضها للانتجين المسبب للمرض لتبني لديها ذاكرة بالمسبب للمرض ليتم إعادتها فيما بعد للشخص نفسه، وبالتالي تتكون لديه خلايا مناعية جاهزة لمكافحة المرض.
تؤمن د. شيخة بضرورة وجود «بنك حيوي» لتخزين الخلايا الجذعية وجميع أنواع الخلايا يخدم جميع إمارات الدولة، كيف هو السبيل لتحقيق ذلك وما هي الآليات؟
رؤيتي المستقبلية هي أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في مجال العلاج بالخلايا الجذعية، ليس فقط العلاج وإنما الاستمرار في الأبحاث وكل ما هو جديد في هذا المجال، لما له من أهمية كبيرة في مجال الطب الحديث. كما أرغب أن أساهم في تأسيس مركز متخصص في أبحاث العلاج بالخلايا الجذعية، وإنشاء بنوك حيوية للاحتفاظ بها وتأسيس قاعدة بيانات للراغبين بالتبرع بالخلايا الجذعية من نخاع العظم، حيث إن هناك العديد من المرضى بحاجة لمتبرعين، خاصة مرضى الثلاسيميا وسرطان الدم الذين لا يزالون بانتظار متبرعين مطابقين لهم.
*تصوير: محمد السماني