شواطئ العريش المصرية... غابات النخيل ورمال الصحراء تعانق زرقة المتوسط

تغمض مدينة العريش المصرية عينيها كل مساء، وتفتحهما في الصباح الباكر على زرقة مياه المتوسط، وهي تحتضن بحنان بالغ الآلاف من أشجار النخيل الباسقة التي تنتشر على طول شواطئها البكر، فتوفر للزائرين، في مواسم السياحة والاصطياف، تجربة شديدة الثراء والتنوّع، تختلف كلية عن غيرها من الشواطئ المصرية.

تمتد شواطئ العريش على مسافة تزيد على خمسين كيلومتراً، على شاطئ المتوسط، تبدأ من منطقة المساعيد، مروراً بظلال النخيل، فالأيوبي، ثم شواطئ غرناطة، والخلفاء، وأبو صقل، والريسة، وتنتهي عند حدود رفح المصرية، حيث تمتاز كل منطقة بجمالها الفريد، الذي يجعلها وجهة مفضلة لكثير من المصريين، من محبي الاستجمام والراحة، والاستمتاع بالطبيعة الساحرة التي يشكلها عناق البحر والصحراء، برمالها الناعمة، وأشجار النخيل الممتدّة على طول الأفق.

إذ توفر تلك الشواطئ البكر، الممتدة على ساحل المتوسط، للزائر تجربة فريدة للتمتع بالشمس، والبحر، والرمال الناعمة، وممارسة العديد من الأنشطة الترفيهية والرياضية، مثل السباحة، وركوب الأمواج، وركوب الخيل، إلى جانب الاستمتاع بجلسات السمر العربية على رمال الصحراء، والأكلات الشعبية البدوية على الشواطئ، وعلى رأسها الأسماك الطازجة المشوية على نار الحطب.


وتعد شواطئ العريش الممتدة وجهة مثالية للعديد من الأسر والعائلات المصرية، التي لا تقدر على الأسعار الباهظة التي تفرضها العديد من المنتجعات السياحية، على طول الساحل الشمالي للبلاد، حيث تتميز، إلى جانب طبيعتها البكر، بانخفاض أسعار الإقامة فيها، مقارنة بغيرها من الشواطئ على امتداد الساحل المصري، فضلاً عمّا تتمتع به من أجواء حميمية، تتجلى في المعايشة اليومية لطقوس أبناء البادية الذين يسكنون بالقرب من الشاطئ، والاستمتاع بما يقدمونه من خدمات، تتجاوز حلقات شواء اللحم والأسماك، بالقرب من الشاطئ.


في هذا المكان، يكتشف الزوار العديد من الوجبات البدوية الأخرى، وعلى رأسها «اللصيمة» التي يشتهر بها أهل سيناء، والتي تُعد الوجبة الشعبية الأولى للسكان المحليين. وتتكون «اللصيمة» من خليط من الدقيق والماء لعمل «اللبة»، قبل وضعها على الجمر المدفون تحت رمال الشاطئ، لتخرج في النهاية رغيف خبز شهياً، يضاف إلى «العجر»، وهو ثمار البطيخ الصغيرة، التي يتم شيّها على الحطب، مع إضافة بعض أنواع الخضراوات، مثل الباذنجان والطماطم، إلى جانب زيت الزيتون السيناوي، ليستمتع الضيف بواحدة من أجمل الأكلات البدوية التراثية في سيناء، على شاطئ البحر.


لا تكتمل لحظات السعادة بعد تناول «اللصيمة» إلا بتناول الشاي، والقهوة التي يتم تحضيرها على نار الحطب، مع إضافة عشبة «المرمرية» على أكواب الشاي البدوية، وهي واحدة من أهم الأعشاب التي تزخر بها رمال سيناء. ولا ينافس «اللصيمة» التي يتفنن البدو في صناعتها سوى المقلوبة، وهي أيضاً واحدة من أجمل الأكلات التراثية السيناوية، التي يتم طهوها على الشاطئ، في طقس أسبوعي، إذ تحرص كثير من الأسر السيناوية على قضاء يوم الجمعة، من كل أسبوع، على شاطئ البحر.

تُقبل كثير من الأسر المصرية على زيارة شواطئ العريش، والاستمتاع بأجواء الصيف المنعشة، بداية من أول شهر مايو، من كل عام، ويزداد الإقبال مع شهور الصيف حتى نهاية سبتمبر، وهو الوقت الذي يميل فيه الجو نحو برودة لطيفة، تجعل من الشواطئ حكراً على الراغبين في الاستمتاع بالهدوء، والطبيعة الساحرة.

تتميّز معظم الشواطئ في العريش بكونها مجانية، لا يحتاج معها الزائر سوى أن ينصب خيمة صغيرة لقضاء اليوم، هو وأسرته، بأمان تام، بالقرب من عشرات من الكافتيريات والمقاهي الشاطئية، التي تفتح أبوابها للمصطافين وأهل سيناء لتأجير الخيام والمظلات، لقضاء الأوقات السعيدة، والتسلية بألعاب الطاولة، والدومينو، والبلياردو، والبلاي ستيشن.


ويعد شاطئ «الريسة» من أجمل شواطئ العريش، وأكثرها إقبالاً، إذ يتميّز، فضلاً عن رماله الناعمة ومياهه الفيروزية، بأشجار النخيل التي تحوله إلى ما يشبه لوحة فنية، ما يجعله مقصداً مفضلاً للجلوس والاسترخاء، والاستمتاع بمياه البحر، فضلاً عمّا يقدمه من إطلالة ساحرة على المتوسط، بامتداده الساحلي الخلّاب، وما يضمه من أنشطة مختلفة، توفر للزائر تجربة حية لممارسة العديد من الرياضات الشاطئية البسيطة، والتنزه على الكورنيش والتقاط الصور الفوتوغرافية، وسط مناظر طبيعية ساحرة في الشاطئ الذي يعد واحداً من اقدم شواطئ العريش. ويعكس كذلك جانباً هاماً من تراث البدو في سيناء، إذ ترجع تسميته بـ«الريسة»، لأنه كان يمثل المنطقة التي يسكن فيها زعيم العشيرة، أو شيخ القبيلة، في الزمان الخالي، على ما كان يعنيه هذا المنصب من مكانة، وسلطة اجتماعية في مجتمع البادية.


على مدار عقود ظل شاطئ «الريسة» يمثل نقطة تجمع المئات من أبناء البادية، للاستمتاع بهواء البحر المنعش، ومناقشة شؤون القبائل، قبل أن تحظر قوات الاحتلال الإسرائيلي التجمع فيه، أثناء فترة احتلال سيناء، لكنه ظل يمثل رمزياً للهوية السيناوية، التي سرعان ما استعادت عافيتها بعد تحرير كامل التراب الوطني مطلع الثمانينيات، ليتحول إلى رمز للحرية والانتماء الوطني، ما دفع السلطات المحلية إلى أن تتعهده بالرعاية الدائمة، سواء بإعادة تأهيل الكورنيش، وإضافة العديد من المقاعد الحجرية، بل وزراعة مزيد من أشجار النخيل، وتخصيص أماكن لجلوس العائلات والزائرين.

وإلى جانب شواطئها الساحرة الممتدة على طول الساحل، تجذب محميــة «الزرانيـق» التي تقع في الجزء الشرقي من بحيرة البردويل، على مسافة تصل إلى نحو 30 كيلومتراً غرب مدينة العريش، آلاف الزائرين من المصطافين، للاستمتاع بطبيعتها الساحرة، والحصول على ما يرغبون في شرائه من اسماك، طيلة مدة الاصطياف. وتُعد المحمية واحدة من أهم المحميات الطبيعية في سيناء، إذ تُعد محطة رئيسية لهجرة الطيور، بخاصة في فصلَي الخريف والربيع، من كل عام ، فتهاجر الطيور من شرق أوروبا، وشمال غرب آسيا، وروسيا، وتركيا، في طريقها إلى وسط وجنوب شرق إفريقيا، هرباً من صقيع الشتاء، وسعياً وراء مصادر الغذاء الوفيرة، مارّة بهذه المحمية، التي تنتمي إلى الأراضي الرطبة بحوض البحر المتوسط، وتمتد على مساحة تزيد على 250 كيلومتراً مربعاً، بالجزء الشرقي لبحيرة البردويل، حيث تضم المحمية بحيرة البردويل، والجزر الرملية داخلها، وامتداد الحاجز الرملي الذي يفصلها عن البحر المتوسط شمالاً، حيث تتصل ببوغازي الزرانيق وأبو صلاح، ما أسهم في تنوع الحياة البرية في المحمية، وتنتشر في مياه بحيرتها الأسماك والكائنات البحرية الدقيقة، إلى جانب حشائش البحر، حيث ينمو على رمالها نحو 155 نوعاً من النباتات، والأعشاب الرعوية والطبيعية، مثل الثمام، والسبط، والعادر، وكذلك العديد من الكائنات البرية الأخرى، مثل اليربوع، والقنافد، وثعلب الفنك، وقط الرمال، فضلاً عن 24 نوعاً من الزواحف، مثل سحلية الرمال، والسقنقور، والدفان، والحرباء، وحيوان الورل.


تجذب الأحراش الساحلية الممتدة من العريش حتى مدينة رفح، العديد من خبراء علوم الطبيعة، نظراً لما تضمه المنطقة من غرود رملية، ومقومات بيئية فريدة، إلى جانب مساحات كثيفة من أشجار الأكاسيا، والشجيرات، والأعشاب، ما يجعلها واحداً من أهم المراعي التي يُقبل عليها البدو، خصوصاً في منطقة سبخة الشيخ زويد، التي تقع في مدينة الشيخ زويد على مسافة نحو كيلومترين من ساحل البحر المتوسط، وتبلغ مساحتها نحو كيلومترين، وتحيط بها الكثبان الرملية، وأشجار النخيل، من الشمال والغرب، إلى جانب مزارع اللوز والخوخ، من ناحية الجنوب، حيث يمكن للزائر الحصول على ما يحتاج إليه من تلك المزارع في مواسم الحصاد.
* تصوير: أحمد شاكر
اقرأ أيضاً:
- شواطئ حماطة المصرية.. متعة الخصوصية على أجمل شواطئ البحر الأحمر
- «شاطئ الغرام»... لماذا يزوره آلاف السياح؟ وما علاقته بالملكة كليوباترا وليلى مراد؟