
للوهلة الأولى، تبدو فكرة زراعة الفراولة في بيئة صحراوية أمراً مستحيلاً، لكن الشغف والمعرفة أثبتا عكس ذلك، فمن تجربة محدودة تطورت مزرعة «حتا النموذجية للفراولة»، لتصبح مزرعة متكاملة تعتمد التقنيات الحديثة في الزراعة، وتشكل نموذجاً وطنياً في الزراعة المستدامة، تجمع ما بين الإنتاج والتوعية السياحية والبيئية.

في بيئة لا تتناسب ومتطلبات زراعة الفراولة، استطاع خلفان حميد المطيوعي، أن يحوّل التحدي إلى قصة نجاح لافتة، ويستكمل رحلة استمرت سبع سنوات في تأسيس مشروعه الزراعي المتكامل، ليصبح نموذجاً يحتذى في الزراعة المتخصصة. يقول المطيوعي وهو يسترجع بداياته «كانت زراعة الفراولة بالنسبة لي مغامرة، لكنها لم تكن عشوائية، درست طبيعة المحصول واحتياجاته، وبدأت بإجراء تجارب زراعية على نطاق محدّد، لأتمكن من فهم البيئة ومتطلباتها».

رغم بعد تخصص عمل المطيوعي في مجال الاتصالات إلا أنه لم يتخلّ عن إرث عائلته، ويشير «ورثت حب الزراعة عن والدي وأجدادي، واكتسبت خبرة عملية كبيرة من التجربة الميدانية، لأثبت أن المزارع الإماراتي يمكنه أن يتجاوز جميع التحدّيات التي تواجهه، ويحوّلها إلى قصص نجاح حقيقية، يتعلم منها الآخرون، خصوصاً بوجود دعم حكومي كبير، وبشكل خاص من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي لم يتوان للحظة في دعم المزارع الإماراتي، وتذليل كل السبل أمامه».


بحبها للطقس للبارد، ومتطلباتها المناخية الدقيقة، لم تكن الفراولة خياراً سهلاً، لكن رغبة وإصرار المطيوعي قاداه إلى التعمق في دراسة التربة، وأنظمة الري، وأفضل الأصناف التي يمكن أن تتأقلم مع بيئة المنطقة، يشرح «خضت الكثير من التجارب الزراعية، بعضها فشل، والبعض الآخر منحني مؤشرات شجعتني على الاستمرار. ومع مرور الوقت، تمكنت من الوصول للبيئة الزراعية المناسبة، حتى توصلت إلى إنتاج أصناف عالية الجودة. وتمتد المزرعة اليوم على مساحة 6500 متر مربع، بالاعتماد على تقنيات الزراعة المائية (الهيدروبونيك)، والتحكم البيئي الكامل، بدأت بـ 50 شتلة، واليوم تضم المزرعة 700 ألف شتلة في الحقول المكشوفة، و14,000 شتلة في البيوت الزراعية»، ويكمل «نعتمد في المزرعة على استخدام أنظمة متقدمة، مثل التحكم في المناخ، وكاميرات المراقبة، وحاضنات الشتلات. ومنذ عامين، بدأنا مرحلة جديدة بعد حصولنا على الترخيص الرسمي، ليصبح المشروع متكاملاً يتضمن مراحل الإنتاج والتسويق، ببنية تحتية تدعم الاستدامة، فهدفنا لم يكن إنتاج الفراولة فقط، بل تقديم نموذج محلي يثبت أن زراعة هذه الأنواع من المحاصيل الزراعية ممكنة حتى في البيئات الصعبة».

ويوضح المطيوعي «نعتمد في المزرعة زراعة خمسة أصناف من الفراولة، أربعة منها أمريكية، والصنف الخامس كوري، حيث بلغ أنتاج المزرعة قرابة 10 أطنان من الفراولة سنوياً، إضافة إلى المنتجات الطبيعية الأخرى التي اعتمدناها، كتصنيع المربّى، والعصائر، والكيك وغيرها من المنتجات الأخرى التي تدخل في صناعتها الفراولة».

تحوّلت مزرعة المطيوعي إلى منصة تجمع بين الزراعة، والسياحة، والتعليم، باستقطاب الزوار من مختلف الفئات، مدارس وجامعات وعائلات، بهدف نشر ثقافة الزراعة الحديثة، وتعزيز الوعي البيئي «نحرص في المزرعة على تعريف الزوار بتقنيات الزراعة المائية المستخدمة في المزرعة، ومراحل أنتاج الفراولة ما يعزز وعيهم بأهمية الأمن الغذائي. كما نظمنا، في وقت سابق، فعاليات لقطف الفراولة التي لاقت إقبالاً كبيراً من قبل زوار المزرعة، إضافة إلى دعم ريادة الأعمال الزراعية من خلال مبادرة «التاجر الصغير»، بتنظيم ورش عمل، وجلسات تعريفية بالتقنيات المستدامة لطلاب المدارس، لتحفيزهم على دخول القطاع الزراعي في المستقبل».


إضافة إلى تحد زراعة الفراولة في بيئة الإمارات الصحراوية، واجه المطيوعي صعوبات أخرى «شكلت الحشرات، الآفات الزراعية، الغبار، والطيور، تحدّيات أخرى، تطلبت استخدام أنظمة تهوية متقدمة، وصيانة دورية للبيوت الزراعية، إلى جانب الشباك الواقية، والحلول الصوتية لإبعاد الطيور عن الثمار الناضجة». وضمن رؤيته لتحقيق زراعة مستدامة وصديقة للبيئة، يتبع المطيوعي أساليب متقدمة لإعادة تدوير المخلفات الزراعية، حيث يتم تحويل الأوراق والثمار غير الصالحة للاستهلاك إلى سماد عضوي، يستخدم لتحسين جودة التربة، إلى جانب إدخال ديدان الأرض إلى التربة، لرفع خصوبتها، وتحسين بنيتها، إضافة إلى تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية في الزراعة.
* تصوير: صلاح عمر