
كثير من الناس يقصدون الجزر النائية للاستمتاع بأجوائها الساحرة، وهدوئها النائم على صوت الأمواج، تنقلهم إلى عالم احتكرت فيه الطبيعة كل المساحات، وتكاثرت الحياة البكر في كل مكان.
معظم الناس يحلمون بمثل هذه الأماكن الساحرة، ولكن كثيراً أيضاً، يتجنبون زيارتها إن لم تكن يد الحضارة قد لامست مناطقها، وغيّرت مناظرها، لتكون ملاذاً لمن يقصدون الراحة والاسترخاء.
ولو سبرنا أغوار الطبيعة، وجُبنا خريطة العالم، لوجدنا جزراً كثيرة تخشى قدم البشر أن تطأها، ومن تجرّأ على زيارتها غادرها من دون أن يلتفت إلى الوراء، تاركاً خلفه أشباحاً، وحكايات تقشعر لها الأبدان.
ما الذي يدفع الناس إلى هَجر مثل تلك الأماكن الساحرة؟ هل هو الضعف أمام الطبيعة؟ أم الصعوبات الاقتصادية؟ أم الصراعات البشرية؟ أم سوء إدارة الموارد؟ قد تكون كل هذه العوامل مجتمعة وراء ما يدعو الإنسان إلى التخلي عن تلك الأجواء التي تبقى حلماً ساحراً في المخيّلة.
في معظم الحالات، تبقى الأسباب مجهولة، وتكون هناك قصص غامضة حيكت من أحداث حقيقية ممزوجة بمبالغات مظلمة، جاءت من المجتمعات المجاورة، فخلقت أجواء مُرعبة.
ومهما كانت قصة كل جزيرة من الجزر المهجورة في بقاع الأرض المختلفة، يبقى هناك شيء واحد ثابت، وهو ذلك الجمال الخيالي لعالم ضائع وسط المياه، يشغل بعض المغامرين، ومحبّي الاستكشاف.
اخترنا لكم 7 جزر كانت، أو ما زالت، مهجورة، سكنتها القصص والحكايات، فغزتها أشباح طردت البشر منها لتستوطن فيها، وتنفرد بالاستمتاع بجمالها، وروعة مناظرها:

1- قرية هوتوان (جزيرة شنغشان في الصين)
كانت قرية هوتوان النائية موطناً لأكثر من 2000 صياد، وعائلاتهم، وفي أوائل التسعينيات هجرها سكانها بحثاً عن فرص حياة أفضل، وموارد أكثر. وفي عام 2015 انتشرت شهرة «هوتوان» بين مستخدمي الإنترنت الصينيين، عندما نشرت لها صور مذهلة. وشيئاً فشيئاً، استرجعت الجزيرة قدم البشر الذين جاؤوا لمشاهدة بيوتها الحجرية المهجورة، والمغطّاة بالنباتات... مكان غريب، لكنه لم يمنع السياح من الاستمتاع بالطبيعة الساحرة، وسماع صدى أصوات الأشباح تتردّد في كل مكان.

2- جزيرة كينغ (ألاسكا، الولايات المتحدة الأمريكية)
على بُعد قرابة 65 كيلومتراً، غرب ألاسكا، تقع جزيرة كينغ، وبلدتها المهجورة، أوكيفوك، الواقعة على جرفها. كان سكان تلك القرية يعتمدون بشكل رئيسي على البحر، حيث كانوا يصطادون السلطعون والفقمات شتاء، والأسماك صيفاً. وعلى الرغم من أن المنطقة كانت موطناً لقرابة 200 نسمة، لكنهم اضطروا إلى مغادرة الجزيرة عام 1959، عندما أغلق مكتب شؤون السكان الأصليين المدرسة الوحيدة في القرية، ولم يتبقَّ من القرية السابقة سوى منازل ومبانٍ مهدّمة كانت ذات أسس متينة.

3- جزيرة سبينالوغا ( اليونان)
لعبت جزيرة سبينالوغا أدواراً عدّة، على مر القرون. ففي أواخر القرن السادس عشر، بنى فيها البندقيون حصوناً للدفاع عن طرقهم التجارية ضد هجمات القراصنة، لكن الأمور اتخذت منحىً أكثر ظلاماً في القرن العشرين، فبين عامَي 1903 و1957 صارت الجزيرة مستعمرة للمصابين بالجذام، وكانت واحدة من آخر المستوطنات من هذا النوع في أوروبا.
وظلت الجزيرة موضعاً للازدراء لعقود، إلى أن صدرت رواية فيكتوريا هيسلوب «جزيرة المنسيين»، عام 2005، حيث تروي الكاتبة قصة الجزيرة، وسكانها، فأسهم ذلك في تعاطف الناس وتفاعلهم، فغيّروا نظرتهم إلى ماضيها.

4- جزيرة هاشيما (غونكانجيما، اليابان)
تعرف جزيرة هاشيما باسم «جزيرة السفينة الحربية»، أوغونكانجيما باليابانية، لتشابه شكلها بالسفينة. وهي جزيرة مهجورة تبعد عن ناغازاكي ما يقارب 15 كيلومتراً. وقد كانت في الماضي مصنعاً لتعدين الفحم، وأصبحت في أواخر القرن التاسع عشر رمزاً للصناعة اليابانية، بعد استحواذ شركة ميتسوبيشي عليها، فزاد عدد سكانها متجاوزاً 5000 نسمة، بحلول عام 1959. لكن مع اكتشاف النفط، وتراجع استهلاك الفحم، اضطر السكان إلى النزوح عن الجزيرة، تاركين وراءهم أرض أشباح، إلى أن حلّ عام 2012 عندما فُتحت الجزيرة أمام السياح الذين توافدوا لاستكشاف آثارها التي ظهرت في فيلم جيمس بوند «سكاي فول».

5- جزيرة روس (الهند)
تُعرف جزيرة روس رسمياً، باسم جزيرة نيتاجي سوبهاس تشاندرا بوس، وكانت مستعمرة جزائية بريطانية لما يقارب القرن من الزمن. وفي عام 1941 وقع في الجزيرة زلزال كبير دمّر بنيتها التحتية، وازداد الأمر سوءاً مع الغزو الياباني لها. وفي عام 1979 أعلنت البحرية الهندية سيطرتها على الجزيرة، وأنشأت فيها قاعدة عسكرية صغيرة. وعلى الرغم من أن الجزيرة صارت مهجورة، ولم يعد فيها إلا بعض الآثار من المستعمرة الجزائية السابقة، وبعض متاجر الهدايا التذكارية، لكنها تستقبل الكثير من السياح الباحثين عن المغامرات، ومحبّي الاستكشاف.

6- جزيرة بوفيه في القارة القطبية الجنوبية
هي كتلة أرضية جليدية غير مأهولة، تقع على بُعد 2525 كلم جنوب غرب إفريقيا. اكتشفها لأول مرة ملّاح فرنسي عام 1739، وظلت منذ ذلك الحين أسطورة لا يزورها البشر، ثم اختفت عن الأنظار قرابة 80 عاماً، لتعود مجدّداً بأرضها الجليدية، وسكانها من البطاريق والطيور البحرية. ولكنها مع التطور، وانفتاح العالم على العالم، أصبحت مقصداً لهواة الرحلات البحرية المميّزة، ومحبي الاستكشاف.

7- جزيرة نورث براذر، نيويورك
هي جزيرة مهجورة تقع بالقرب من نيويورك، إحدى أشهر مدن العالم، شُيّد فيها مستشفى ريفرسايد بالقرب من النهر الشرقي، واستُخدم كمركز للحجر الصحي لعلاج مرضى الجدري، في أواخر القرن التاسع عشر. كما عالج المستشفى مرضى التيفوس، والسّل، والحمى الصفراء. وفي عام 1905، فقد أكثر من ألف شخص حياتهم عندما اشتعلت النيران في باخرة بالقرب من الجزيرة. أُعيد افتتاح المستشفى بعد الحرب العالمية الثانية، وعولج فيه قدامى المحاربين، ومدمنو المخدرات. ولكن في عام 1963، أُغلق المستشفى نهائياً. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الجزيرة مهجورة، وتُحيط بها الكثير من الألغاز، حتى إن الطيور تخشى بناء أعشاشها فيها.