يقول خبراء الصحة النفسية والتربية إن التعاطف وعدم اتخاذ موقف دفاعي هما أساس العلاقات الجيدة بين الوالدين والمراهقين. فقد يكون من الصعب على المراهقين المعاصرين أن يعيشوا حياة مراهقة عصرية تختلف عما كان يعيشه آباؤهم، حيث يواجه شباب اليوم ضغوطاً أكبر من أيّ وقت مضى.
كما أن التعامل مع المتطلبات الأكاديمية، وضغوط وسائل التواصل الاجتماعي، وهواجس صورة الجسم، إضافة إلى مشاعر البلوغ المضطربة، قد يكون أصعب على المراهقين. والنتيجة أنهم يعيشون في صراع دائم مع آبائهم.
يبيّن المختصون في هذا المجال، أن النشأة قد تكون صعبة للغاية على الشباب، في عالم اليوم، صعبة للغاية على الشباب. إذ يواجه العديد من المراهقين مزيجاً مستمراً من الضغوط، بدءاً من التوقعات المدرسية والأكاديمية، وصولاً إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، والقلق بشأن المستقبل، وتحدّيات أوسع نطاقاً، مثل الضغوط المالية في المنزل. لذلك، لا عجب أن يشعر الكثير من الشباب بالإرهاق، أحياناً.
وعليه، من الهام للآباء إدراك أن ما يبدو تقلباً في المزاج أو انكفاء على النفس قد يكون غالباً علامات على ضغوط عاطفية أعمق، وبدلاً من الرد بالإحباط، أو الصراخ، اللذين قد يغلقان التواصل مع المراهق بسهولة، فإن التعامل معه بالصبر، والهدوء، والتفهم، يمكن أن يساعد على تقوية العلاقة بينهما، وخلق مساحة آمنة له للانفتاح.
ما هو النهج الصحيح للآباء للتعامل مع المراهقين؟
تشير خبيرة الصحة النفسية للمراهقين، الدكتورة مارغوت سندرلاند، مديرة منظمة «مدارس الصدمات في المملكة المتحدة»، التي تساعد المدارس على الاستجابة بفعالية لمشكلات الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، إلى أنه إذا حاول الآباء فهم ما يمرّ به أبناؤهم المراهقون، واتبعوا نهجاً يخفف التوتر بدلاً من النهج المسبب له، يمكن تحسين علاقة الوالدين بالطفل بشكل كبير.
وتشرح قائلة: «عند المراهقين، يكون نظام الاستجابة للتوتر في الدماغ مفرط النشاط، ما يؤدي إلى تغييرات هائلة فيه. يشبه الأمر أشغال طرق جديدة في الدماغ، إذ يعاد تشكيله، ولكن توجد قوى هرمونية هائلة. لذا، على الآباء منح المراهقين بعض المرونة فقط، والتصرف كما يفعلون مع طفلهم الصغير الذي يجب أن يكونوا متعاطفين معه، ولا ينجرفون مع الموقف. صحيح أن المراهق يبدو لكم أنه يتصرف بشكل غير معقول، لكن كونوا قادرين على الحفاظ على تعاطفكم».
وهنا، تشرح سندرلاند، وهي معالجة نفسية للأطفال ومؤلفة لأكثر من 20 كتاباً، أفضل الطرق التي يمكن للآباء من خلالها التعامل مع المراهقين المتمرّدين، أو غير العقلانيين، أو حتى الغاضبين:
1. كن متعاطفاً
بدلاً من أن يغضب من نفسه، ستجده يغضب منك، حينذاك، ينبغي على الأب محاولة التعاطف معه، وإعلامه بفهم مصدر مشاعره، قل له: «هذا صعب عليك الآن»، أو «أنت غاضب مني جداً»، تماماً كما تفعل مع طفل صغير. قوة التعاطف والتفهم يخففان من مستويات التوتر. لذا، فإن مجرد قولك إن الأمر صعب عليه حقاً له قوة علاجية سيسهم في تعزيز التفاعل بين الوالدين والطفل.
لكن الكثير من الآباء لم يتعاطفوا مع أنفسهم قط، لذا يجب تدريس ذلك في المدارس.
2. لا تتخذ موقفاً دفاعياً
إذا قال ابنك المراهق إنه يكرهك، فبدلاً من قول «لا تتحدث معي بهذه الطريقة»، والذي قد يسبب «انقطاعاً في التواصل»، يجب على الآباء قول «أنت تكره حقاً أن أضع هذه الحدود - أفهم أنك غاضب مني».
حاول ألا تتخذ موقفاً دفاعياً، بل تقبّل الشعور، فهو مؤقت.
3. لا تحاول حل المشكلة
يجب على الآباء الإنصات باهتمام لما يقوله أبناؤهم المراهقون، بدلاً من محاولة حل المشكلة من دون الإنصات بصدق لرأيهم فيها.
فالإنصات الفعال يخفف مستويات التوتر بشكل كبير. سيحاول الآباء حل المشكلة، وسيقولون: «الأمر ليس بهذا السوء، يمكنك فعل هذا أو ذاك»، لكن المراهقين لا يريدون أن تحلّ المشكلة لهم، إنهم يريدون أن يُفهموا، ويُنصت إليهم.. وهذا صعب، لأنك تشعر بألم المراهق، ولكن هل يمكنك تحمّل الألم بدلاً من محاولة إصلاحه؟
4. حاول أن تحافظ على ثباتك تحت الضغط
تُحذر سندرلاند من أن التربية المُسببة للتوتر، مثل صراخ الوالدين عندما يصرخ عليهم المراهق، قد تفاقم مشكلات الصحة النفسية.
ولكن، كيف تحافظ على ثباتك تحت الضغط؟ اذهب إلى غرفة أخرى واصرخ، ولكن ليس أمام ابنك المراهق. ثم عُد وردّ بصوت هادئ جداً.
قد يفرغ الآباء أيضاً ضغوطهم لشريك حياتهم، أو صديق، ولكن ليس على المراهق.
5. استخدم «حتى» بدلاً من التهديدات
ينبغي عليك الرد على ابنك المراهق كما تفعل مع طفل صغير. على سبيل المثال، قل: «أرى أنه لا يمكنك الخروج حتى تفعل كذا». تصرف بصوت هادئ جداً، ولكن كن واضحاً بشأن العواقب، تماماً كما هو الحال مع الأطفال الصغار.
وبدلاً من التهديد بمصادرة هاتفه المحمول، قل له «لا يمكن أن أفعل لك كذا، حتى تفعل كذا».
حرمانهم من الهواتف والأغراض ليس بالأمر الجيد. استخدموا شيئاً آخر يحتاجون إليه، مثل مصروف الجيب، أو شراء شيء ما. استخدام «حتى» أفضل بكثير.
6. حاول ألا تصرخ في وجه ابنك المراهق
القول أسهل من الفعل. لكن ليس من الجيد الصراخ في وجه ابنك، أو ابنتك، المراهق. توضح سندرلاند أن الصراخ في وجه المراهقين يضر بجزء المعالجة اللفظية في أدمغتهم.
التربية التي تخفف التوتر تنتج أطفالاً أكثر مرونة. وربما يتساءل والد، أو والدة: «وماذا فيها إذا ما صرخت على ابني المراهق؟»، ولكن في الحقيقة هذا الأمر ليس صحيحاً.
7. كن فضوليا
قد يتهم المراهقون آباءهم بعدم فهمهم، وتقول سندرلاند إن طريقة التعامل مع هذا هي بالتحلي بالفضول، قل له: «أريد حقاً أن أفهم، هل يمكنك مساعدتي؟ أنا هنا لأستمع». كن فضولياً.
8. لخّص
إلى جانب التعاطف والفضول، فإن تلخيص ما قاله ابنك المراهق، أو ما يشعر به يُعدّ أداة عملية جيدة.
يجب أن تكون نبرة الصوت مناسبة، لكن الفضول هو الأساس، قل: «هل ستساعدني على الفهم؟»، ثم لخّص ما قاله، على سبيل المثال: «ما تقوله هو أنك تشعر بضغط كبير من الواجبات المدرسية. أفهم ذلك».
9. كن والداً يمكن التحدث إليه
إذا واصلت محاولة إصلاح ابنك المراهق، أو مطالبته بالتخلص من مزاجه السيئ، فأنت لست والداً «يُمكن التحدث إليه»، وفي هذه الحالة، من المرجح أن يحاول المراهقون حل مشكلاتهم من خلال الحصول على معلومات غير صحيحة من وسائل التواصل الاجتماعي.
هل أنتم آباء «يُمكن التحدث إليهم؟»، ستعلم أنك تبلي بلاء حسناً كوالد إذا أخبرك ابنك، أو ابنتك، المراهق بشيء مؤلم يحدث في حياته. ولكن إذا ما شعرت ببعض الراحة لأنه لا يريد حقاً التحدث إليك، عليك أن تغيّر سلوكك معه.
10. تحلَّ بالصبر
قد لا يلاحظ الآباء وجود اضطرابات وضغوطاً هرمونية حتى بعد تجاوز أطفالهم سن المراهقة، حيث لا يزال الدماغ يتطور حتى أواخر العشرينيات. وبحلول سن 19-22 عاماً يصبحون «أكثر عقلانية»، ولكن قبل ذلك، بالتأكيد بين سن 13-16 عاماً، ستحتاج أيها الأب، وأيتها الأم، إلى مهارات لتنظيم نفسك عاطفياً، وأن تكون فضولياً، وأن تكون متعاطفاً، وألّا تنجرف وراء الإغراء. ستكون هناك تقلبات مزاجية، وستفقد ابنك المراهق، ثم ستستعيده، ثم ستفقده، ثم ستستعيده. لا تقلق بشأن ذلك.
يشبه الأمر إلى حد ما، حاجة أحد الوالدين إلى أن يكون بمثابة معالج نفسي حتى يتجاوز تلك السنوات. ثم تستعيد طفلك عندما يبلغ نحو 22 عاماً.
اقرأ أيضاً:
- 7 خطوات لإخراج المراهق من عزلته وتعزيز التواصل معه
- ابنتي المراهقة مزاجية جداً وعصبية ونفسيتها سيئة! كيف أتعامل معها؟
