الغيرة من المولود الجديد من المشاعر الطبيعية التي قد يشعر بها الطفل الأكبر عند قدوم أخ، أو أخت جديدة. هذه الغيرة تنبع من شعور الطفل بأنه لم يعد محور الاهتمام، كما كان من قبل، وبعد أن كان يعتقد أن العالم يتمحور حوله إذا به يفاجأ بالوافد الجديد، وبعد أن كان بمفرده متربعاً على عرش قلوب جميع أفراد الأسرة أصبح هناك من يزاحمه، ما يجعله يعبّر عن مشاعره، وغيرته، ومخاوفه، بسلوكات مختلفة، مثل العناد، والتعلق، الزائد بالأم، أو حتى تقليد الرضيع في تصرفاته.
كيف نساعد الطفل على التكيف مع وجود المولود الجديد؟ وهل هناك حلول عملية لعلاج مشكلة غيرة الطفل من الحمل، والأخ الجديد؟ وكيف تجعلين طفلك الأول يستقبل المولود الجديد بصدارة رحب؟ ولماذا تتغير سلوكات الطفل الأكبر بعد قدوم أخ، أو أخت؟ وما هي أهم علامات غيرة الأخ من المولود الجديد؟
ولأن مواجهة غيرة طفلك الأول من أخيه أمر لابد منه، طرحنا كل هذه الأسئلة وغيرها، في «كل الأسرة» على عدد من خبراء التربية والمتخصصين في علاج نفسية الأطفال وتعديل السلوك، للوقوف على أسباب الغيرة، وعلاماتها، ومعرفة ما يفكر فيه الطفل حينها، وما الذي يفسر سلوكه هذا، وما هي الطرق السليمة لاحتواء هذه الغيرة.
12 علامة غيرة من المولود الجديد... انتبهي لها
في البداية، يؤكد الدكتور ناصر زهران، استشاري الطب النفسي للأطفال وتعديل السلوك بالقاهرة، أن الغيرة بين الإخوة، خصوصاً من الطفل الأكبر تجاه الأصغر، أمر طبيعي ومقبول، ولكن دور الأهل هو تحويلها إلى مشاعر إيجابية، وهذا الأمر يحتاج إلى تعامل حكيم لتفادي تحوّله إلى سلوك سلبي، ويقول: «الغيرة عند الطفل الكبير عند قدوم مولود جديد هي رد فعل طبيعي، ودلالة على وعي طفلك. وتنتج بسبب شعور الطفل بتغيرات في انتباه الوالدين تجاهه، وقد تكون الغيرة على شكل بكاء، أو انعزال، أو تبول اللاإرادي».
ويرى الدكتور ناصر أنه للتعامل معها يجب إشراك الطفل في رعاية المولود الجديد، وتخصيص وقت خاص له، وتعزيز مشاعره الإيجابية، وتجنب المقارنة بينه وبين المولود الجديد، وبالصبر والاهتمام يمكن تخفيف الغيرة، وتعزيز العلاقة بين الطفلين.
ومن علامات الغيرة التي يجب الانتباه لها:
1 - زيادة التعلق بالأبوين والتشبث بهما وطلب الاهتمام الزائد باستمرار.
2- التصرف بسلبية بسبب الشعور بعدم الأمان أو الانعزال، وعدم الرغبة في التعامل مع الآخرين.
3- عدم الرغبة في مشاركة غرفته وأغراضه وألعابه مع الطفل الجديد.
4- تقليد الطفل الآخر أو محاولة لفت الانتباه بأي طريقة.
5- ضعف التركيز على تنفيذ المهام المختلفة.
6- العنف والعناد والسلوكات العدوانية تجاه أفراد الأسرة بخاصة المولود الجديد.
7- الدخول في نوبات من البكاء، والإلحاح، والصراخ، والعصبية، بلا سبب واضح.
8- تصرفات طفولية مثل طلب الرضاعة، والتبول، والتحدث بلهجة أصغر من عمره، أو النوم في سرير المولود الجديد.
9- محاولة إطعام المولود بنفسه والطلب في بعض الآحيان إرساله لمكان آخر.
10- رفض النوم في غرفته الخاصة بعدما كان يستعملها لفترة طويلة، ورفض الذهاب إلى المدرسة والإصرار على البقاء في البيت.
11- الدخول في أعراض اكتئاب مثل الانعزال والبكاء الشديد، وفقدان الشهية.
12- محاولة الطفل الأكبر التصرف بشكل مؤذٍ جسدياً تجاه المولود الجديد.
لماذا يشعر الطفل بالغيرة من المولود الجديد؟
أما الدكتورة هالة حماد، استشارية الطب النفسي للأطفال وتعديل السلوك بالقاهرة، فتبين هي الأخرى أن ردود الأفعال الغربية أمر متوقع بشدة من الأطفال بعد قدوم المولود الجديد، بخاصة بعد ما يكون الطفل الأول حاصلاً على كل الاهتمام وفجأة يتحول الاهتمام لهذا المولود.
وتضيف «غيرة الطفل أمر طبيعي جدا، ولكن دورك كأمّ هو تحويلها إلى طريق الحب بدلاً من العناد. ولذلك من الهام أن نتفهم الأمر بشكل جيد، ولا نشعر الطفل الأول بقلة الاهتمام، أو الحب، ولكن فقط نشرح له حاجة الطفل الجديد للرعاية بسبب ضعفه، ومن الخطأ في هذا الوقت تحميل الطفل الأول مسؤوليات أكبر من عمره بحكم كونه الأكبر».
وللإجابة عن سؤال لماذا تحدث الغيرة، تشير الدكتورة هالة حماد إلى عدة أسباب متكررة في كثير من الأسر من أهمها:
- الخوف من فقدان الحب، فالطفل يشعر بأنه فقد مكانته عند أمّه، وتكون الغيرة وسيلته الأولى في طلب الانتباه بطريقته الخاصة.
- عقل الطفل أحياناً لا يستوعب التغيّرات التي تحدث في الأسرة بسبب الوافد الجديد، ويكون في أمسّ الحاجة إلى طمأنته بأنه لا يزال محبوب وهام، وأن أبويه لا يزالان يحبانه مثلما كانا من قبل.
- إذا كان الابن الأكبر ينام في سريرك، ثم تم نقله إلى غرفته بمجرّد ظهور المولود الجديد، سيشعر بالاضطهاد، ويفسر ذلك بأنكما تفضلان المولود الجديد أكثر منه.
- استخدام الأغراض القديمة للمولود الجديد من دون طلب إذن الطفل الأكبر أوّلا، خطأ كبير، لذا من الهام أن تشرحي له أن بإعطائه الأغراض القديمة للمولود يمكنه الحصول على أغراض أخرى أكثر ملاءمة لسنّه الآن.
- الطفل عقله غير ناضج، وهذا لا يسمح له بفهم شبكة العلاقات الاجتماعية بعد، فهو بالكاد يعرف أن تلك المرأة التي ارتبط بها عاطفياً، وتؤمّن له كل احتياجاته المادية، والمعنوية، والعاطفية، هي أمّه، أما المولود الجديد فهو كائن غريب عنه هبط في مملكته من كوكب آخر، ويحتاج إلى زمن طويل ليتعرف إليه، ويتعود عليه، ويشكل بينه وبين أخيه رابطة الأخوة.
- انشغال الأهل وتركيزهم على المولود الجديد، ما يقلل من اهتمام الجميع بالطفل الأكبر الذي كان محور اهتمامهم قبل أيام، ومعاملة الطفل الأكبر على أنه شخص ناضج ومسؤول.- إظهار الاهتمام بالمولود الجديد والمقارنات المستمرة تزيد من شعور الطفل الأكبر بالإهمال وبالتالي الغيرة.
- هناك تصرف خاطئ يقوم به الكثير من الآباء والأمهات وهو تقديم الهدايا للأخ الأكبر على أنها من المولود الجديد، وهذا التصرف يتعارض مع القدرات الإدراكية للمولود الجديد، ويعتبر نوعاً من الخداع للطفل الأكبر، ويؤدي إلى نتائج عكسية، مثل زيادة الغيرة، أو التنافس بين الأطفال، إذ يرى الطفل الأكبر أن المولود الجديد، على الرغم من صغر سنه قادر على شراء الهدايا وتقديمها.
- بعض السلوكات، مثل عزل الطفل الأكبر، وإرساله لقضاء بعض الأيام في بيت الجدة، مع قدوم المولود الجديد.
عندما نكتفي بحب بعض الأشخاص ولا نحتاج إلى حب غيرهم نتوقع منهم الشيء نفسه. الغيرة من المولود الجديد تحدث لذلك السبب تحديداً، فلا تتصوري أن ابنك الأكبر سيتحمس مثلك لهذا المولود الجديد، بل بالعكس قد تبدو عليه علامات الحزن والسأم ، وتجاهل هذا الحزن وتصور أنه سيزول مع الوقت لن يؤدي إلى نتيجة، وقد ينتج عنه مزيد من الحزن.
16 نصيحة تخفف من حدة الغيرة من المولود الجديد
من جهتها، تشير الدكتورة إيمان الشامي، استشارية التربية والعلاج السلوكي للأطفال والمراهقين بالقاهرة، إلى أن الغيرة ليست خطأ، وكذلك ليست علامة كره، ولكنها رسالة واضحة من الطفل الأكبر أنه يحتاج إلى الاطمئنان من أنه لا يزال هاماً لدى أبويه، والمطلوب منّا ليس محو الغيرة، ولكن أن نحتويها ونوجهها.
وحول خطوات ذلك وأهم النصائح للتخفيف من حدّة الغيرة، تشير الدكتورة إيمان الشامي إلى نقاط عدّة، من أهمّها:
- العدل في الاهتمام والحب يمنع الغيرة، ويعلّم المحبة والمعاملة الحسنة، والصبر على حماقات الطفل، ومدّه بمزيد من الحب اللا مشروط، والتسامح مع أخطائه، وانتكاساته، إلى أقصى درجة، أمر ضروري جداً، لكن مع منع إيذاء الطفل لأخيه، ومراقبته جيداً، والحرص على سلامة المولود من أن تطاله يد أخيه بأذى، والصبر على الطفل حتى تهدأ الغيرة.
- لتقليل الغيرة يجب ألا تغضبي منه عندما يريد اللعب معه، ولا تنهريه عن إمساك أغراض الطفل الجديد، وانتبهي لمشاعر طفلك، ولا تكوني سبباً في شعوره بالإهمال.- أخبريه أنه مساعدك لتهتما بالطفل معاً، وأن يخبرك عندما يبكي أخيه ويكون مسؤولاً عن أغراضه.
- مشاركة الطفل قبل الولادة في التحضيرات والتحدث معه لاختيار اسم المولود ومناقشة دوره كأخ كبير.
- حمّليه دوراً كبيراً بأسلوب إيجابي، بمعنى دعي الطفل الأكبر يساعدك في العناية بالمولود الجديد، واقضي وقتاً خاصاً مع الطفل، ودلّليه واحتضنيه، فعليك أنت والأب مهمة احتواء الابن الأكبر، وتدليله.
- تقبلي غيرة طفلك من المولود الجديد. فالغيرة شعور طبيعي وعادي يجب ألا تزجريه عليها. تعاملي معها بصبر وتفهم، وتقبّليها، وفي الوقت نفسه حاولي أن تطمئنيه.
- امنحي الطفل الغيور الفرصة لكي يعتني بشقيقه المولود، مثل أن يناولك فوطة الاستحمام، واطلبي منه في بعض الأحيان أن يغني للطفل الرضيع حتى ينام، واسمحي له بمشاركتك في اختيار الملابس الجديدة للمولود.
- السماح للطفل بحمل المولود الجديد بوجود شخص كبير أمر مهم لتخفيف الغيرة، وامدحي الطفل وقتها وأشعريه بالمسؤولية.
- إن كان طفلك لا يزال ينام معك، وأباه، في غرفة النوم، يجب أن تحرصي على أن يستقل في النوم في غرفة أخرى قبل قدوم المولود الجديد، بفترة. عندما يظل طفلك ينام معك ثم تخرجينه عندما يأتي الطفل الجديد سيشعر بأنه طرده، وأخذ مكانه.
- إذا كان الأب غير مشارك في تفاصيل حياة الطفل فعليه أن يصبح فاعلاً أكثر. إذا كان الطفل يعتمد على الأم في كل تفاصيل يومه فإنه سيشعر بأن المولود الجديد خطف أمه منه، عندما يراها طوال الوقت مع طفلها الجديد.
- خصصي وقتاً يومياً له ولو عشر دقائق، للعب معه، واحتضانه، وإظهار المحبة والامتنان.
- اشتري هدايا للطفل لتشجيعه وابني علاقة جيدة بينهما ولا توبخيه أبدا أمام أخيه، أو بسببه.
- الطفل الغيور لا يحتاج إلى عقاب، ولكنه في أمسّ الحاجة إلى احتواء وطمأنينة من أقرب إنسانة إلى قلبه، وهي أمه.
- شجّعي طفلك على التعبير عن مشاعره، وأخبريه أن هذا المولود سيصبح رفيقه وصديقه.
- هناك عبارات سحرية في تخفيف حدة الغيرة، مثل أنا فخورة بك لأنك تساعدني، «أخوك الصغير يحبك كثيراً»، «لا نتحمل الاستغناء عن حبك».
- حافظي على العادات القديمة والأنشطة الروتينية، مثل روتين الصباح، وقصة ما قبل النوم.
متى تصبح الغيرة خطرة؟
إذا تطورت الغيرة إلى إيذاء الأخ الأصغر عمداً أو ظهرت علامات اكتئاب على الطفل الأكبر، مثل الانعزال، وفقدان الشهية، والعناد الشديد، فقد يحتاج الأمر استشارة مختص نفسي للأطفال.
اقرئي أيضاً: كيف تتعاملين مع الغيرة بين الأبناء؟
