قد يسبب العناد وعدم انصياع الأبناء لأوامر الوالدين، إحداث فجوة بينهم، ومع عدم استيعاب البعض لأسباب هذا السلوك، يتسلل إليهم الشعور بعقوق أبنائهم لهم، من دون إدراك تأثير الفروق الفردية بينهم، والطباع المختلفة بين شخصياتهم، والتي تجعل ردود أفعالهم عند استقبال المؤثرات الخارجية متباينة.
تحدثنا الدكتورة رقية الريسي، اختصاصية اجتماعية في قسم الإرشاد الأسري بإدارة التنمية الأسرية وفروعها، في الشارقة، عن هذه القضية المهمة، قائلة «بداية نودّ التعرف إلى أهمية أن يستوعب الأهل الفروق الفردية بين الأبناء، واختلاف طريقة التفكير، وكيفية التعبير عنه، فالتواصل الفعّال وبناء علاقة إيجابية بين الآباء والأبناء أمور مهمة في تطوير البِرّ والتقدير لدى الأبناء، وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات محددة تحكم هذه العملية، إلا أن هناك نظريات ومفاهيم تسهم في توجيه الآباء في هذا السياق، منها:
سد الفجوة بين الأم والأبناء
تقدم د. الريسي وصفة عملية تعتمدها الأم في حال شعرت بوجود فجوة بينها وبين أبنائها، تتعلق بطرق الإقناع، ومن أهم نقاطها:
7 نصائح لبناء جسر تواصل مع الأبناء بعيداً عن الشد والجذب
تبيّن د. رقية الريسي «هناك بعض الطرق، القصيرة والبسيطة، لبناء جسر تواصل مع الأبناء خالٍ من الشدّ والجذب، وهي:
لا تقارنوا أبناءكم بالآخرين
من جهتها، توضح هبة محمد عبد الرحمن، مستشارة تربوية وعضو جمعية الاجتماعيين بالشارقة «من أهم مقومات العلاقة بين أفراد الأسرة ما يبرز لنا في قاعدة الهرم، وهو توافر الأمان، المكاني والعاطفي، والاحتواء والاحترام والتقدير والتعاون في حل المشكلات، وأيّ صراعات تواجه الإنسان في حياته، سواء مع ذاته أو الآخرين. ووفقاً للتنشئة الاجتماعية للأبناء، يختلف كل منهم عن الآخر، حتى لو أنهم من بيئة وأسرة واحدة، فالاستعداد الشخصي، وما يكتسبه كل واحد منهم من سلوكات الوالدين والأقارب، كلها مؤثرات، إضافة إلى دور الإعلام الجديد، الـ«سوشيال ميديا»، ومدى تأثيره في شخصية كل واحد منهم، فهذا كله ينعكس عليهم، وبالتالي في تعاملهم مع الوالدين، بل حتى يصل للأسرة الممتدة».
تحتاج البطارية الاجتماعية إلى الشحن الإيجابي من حين إلى آخر
وتضيف هبة عبد الرحمن «إن نتاج العلاقة بين الأبناء والوالدين وأسلوب التعامل بينهم، لابدّ أن يحدد منذ البداية، وأن يكون الحوار الذي يتسم بالأدب والاحترام هو السائد، وإذا عزز الوالدان تقدير الذات لديهم ستكون العلاقة قادرة على التعامل بكفاءة، وبما يرضي الطرفين. فالبطارية الاجتماعية تحتاج إلى الشحن الإيجابي، من حين إلى آخر، حتى تسير العلاقة وفق المنظومة الأخلاقية المطلوبة، التي تتماشى مع ديننا، وعاداتنا، وتقاليدنا. كما أن استخدام اللغة البسيطة السهلة مع الأبناء عامل مهم في دعم أواصر الحب والامتنان.
كما يجب أن نشجّعهم على تحمّل المسؤولية تجاه الوالدين، بالمشاركة في الأعمال البسيطة، وبتقديم الهدايا، وتمضية الأوقات الممتعة معهم، وينبغي أيضاً أن يبتعد الوالدان عن المقارنة بين الأبناء والآخرين، لأن ذلك يرهق الأبناء».
أعينوا أولادكم على بِرّكم
أما من وجهة نظر الشرع، فيؤكد الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي «البِرّ بالوالدين من أعظم القرُبات، وأهم الواجبات، وجاء الأمر به في الأحاديث والآيات، والحياة قائمة على المعاملة المتبادلة بين الوالدين وأولادهما، وينبغي أن تبنى هذه العلاقة على أسس صحيحة سليمة، فلا يتصور أن يتعامل الوالدان مع أولادهما بعنف، وقسوة، وإهانة، ثم يتوقعا الاحترام والتقدير والعطف منهم.
وقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، يشكو عقوق ابنه، قائلاً: «إن ابني هذا يعقّني»، فسأل عمر رضي الله تعالى عنه، فوجد أن الأب قد قصّر في حقّ ابنه من قبل، فالتفت إليه، وقال قولته المشهورة: «تقول: ابني يعقّني، فقد عققته قبل أن يعقّك».
ويتابع د. الكبيسي «ينبغي للوالدين إدراك الفوارق الفردية بين أولادهما، ومراعاة حالاتهم النفسية والمزاجية، والانتباه إلى ردود أفعالهم، وعدم الضغط عليهم في أمور يتوقع منهم ألا يتحملوها، أو في أوقات انشغالهم بهواياتهم، أو أنشطتهم المحببة، لأن هذا قد ينعكس سلباً، وقد يأتي بنتائج عكسية تؤدي إلى فقدان الثقة، أو سوء العلاقة بين الأولاد مع والديهم، وقد تؤدي إلى عقوقهما. بل إن بعض الآباء والأمهّات يكادون يدفعون أولادهم إلى العقوق بسوء تقديرهم، وكثرة طلباتهم، وطيش تصرفاتهم، وقد جاء في الأثر: «من شاء استخرج العقوق لولده»، وفي رواية: «استخرج العقوق من ولده»، فالإنسان إذا كثر عليه الضغط فإنه قد يُخرج أسوأ ما عنده، من أخلاق وتصرفات، كردّة فعل على ذلك.
والواجب على الآباء والأمهات أن يتعاملوا مع أولادهم، بحكمة وحب ورحمة، وأن يساعدوهم على البر بهم، وقد جاء في الأثر: «أعينوا أولادكم على البِر»، وعن عبدالله بن عمر، وعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحِم الله والداً أعان ولده على بِرّه»، فمن مسؤولية الآباء والأمهات أن يعينوا أولادهم على البِر؛ بأن ينتبهوا إلى شخصياتهم، ويعرفوا طبائعهم، وفروقاتهم الفردية، وفروقاتهم العمرية، ويتعاملوا معهم على هذا الأساس، فلا يمكن أن يعامل الولد البالغ كما يعامل المراهق، ولا يعامل المراهق كما يعامل الطفل، ولا يطلبوا شيئاً إلا إذا غلب على ظنهم أن الولد سيستجيب لذلك، ولا يثقلوا عليه بكثرة الطلبات، أو الطلب في أوقات انشغاله، أو في أوقات غير مناسبة».
يحذر على الوالدين الشدّة والغِلظة في المعاملة لتجنّب الكراهية والنفور
ويضيف الدكتور محمد عيادة الكبيسي «من أهم وسائل الإعانة على البِر أن يعلّم الآباء والأمهات الولد الخير، ولا يتركوه مهملاً، بل يعلمونه العلم النافع، ويوجهونه إلى هوايات تنمّي شخصيته ومهاراته، ويدرّبونه على تحمل المسؤولية، والعمل الجماعي، والمشاركة في المهام داخل الأسرة، وخارجها، ويشرحوا له أهمية التعاون والتكاتف، وأهمية الأسرة والحفاظ عليها، ومنزلة الوالدين ومكانتهما، وأن هذا ما يحبه الله تعالى، مع كثرة الدعاء له بالهدى والصلاح والتوفيق، وأن يرزقه الله تعالى برهم، ويجعله قرة عين لهم في الدنيا والآخرة.
وعلى الوالدين كذلك أن يعاملا أولادهما بالرفق واللين، وكما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، وعليهما أن يحذرا من الشدة والغِلظة في المعاملة لأنها تزرع الكراهية وتؤدي إلى النفور. وقد قال الله تعالى: «فبِما رحمةٍ من الله لِنت لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك».